محمد المحمود


كيفَ يُفَكّر الأصولي..؟

يُشكّل انبعاث الأصوليات في النصف الثاني من القرن العشرين أهم التحديات التي تواجه حضارة العصر؛ من حيث كونها – في مجملها، وعلى اختلاف مرجعيتها – تعكس في صميم معناها إيديولوجيا نكوصية، تكفر بكل المنجزات التي اجترحتها الحضارة الغربية على مدى سبعة قرون. وخطورة هذه الأصوليات على حضارة العصر لا تتحدد في مآلاتها ا...

الفساد وضعف الوازع الديني

>إن الردع الأخلاقي/ الديني يبقى - في كل أحواله - ليس أكثر من موانع فردية ذاتية، غير واضحة، وغير ثابتة، وليست محل اتفاق المجتمع موضوع الفعل. وهذا يعني أن هذا التعويض هو تعويض بشيء عام، بقانون ذاتي فضفاض، بقانون سائل يجعل من وجوده وعدم وجوده أمراً واحداً يرتبط الفساد/ الانحراف – أياً كان نوعه، وبأي صو...

الأصوليات والخيار الديمقراطي

تحدثت في المقال السابق عن موقف "الأصولية الإصلاحية" من الديمقراطية، وعن كونها تسير بالمجتمعات نحو استبداد يبدأ ناعماً/غير مقصود، استبداد تفرضه مبادئ الأكثرية الديمقراطية التي من المتوقع أن تتنامى باطراد؛ بعدما تمسك الأكثرية العددية بالبقية الباقية من أدوات التوجيه والإرشاد، إلى أن يصل الأمر إلى الاستبداد ا...

المتأسلمون والمسار الديمقراطي

تُلِحّ مسألة علاقة المُتَأسلمين/ الإسلامويين بالديمقراطية على الجدلية الفكرية/ السياسية في العالم العربي.. هي مسألة مُقلقة؛ بقدر ما هي شائكة من جهة، وخطيرة -في مخرجاتها النهائية- من جهة أخرى. وقد تنامت درجة الوعي بأهميتها، وأصبحت شديدة الإلحاح على التفكير السياسي والديني، بعد موجة احتجاجات الغضب، أو ما يُس...

مقدمات التطرف والتدعشن الخفي

تعتمد التيارات المتدعشنة في العالم الإسلامي على مرجعية سيكولوجية عُنْفية، تتفاعل جدليا مع مقولات المنظومة التقليدية؛ لتأسيس واقع خوارجي، لا يعي حقيقة انتمائه الخوارجي، إلا من حيث هو محض صفاء ونقاء والتزام تام. التشدد كحالة سيكولوجية، ما قبل معرفية، هو العامل الأهم الذي يؤطر الرؤية الفقهية والعقدية للمتزمتي...

التنوير بين الشرق والغرب

قبل أكثر من 12 عاما، وتحديدا في 13/5/2004مـ نشرتُ في هذه الصحيفة (الرياض) مقالا بعنوان: (اليابان ليست نموذجا)، وكان في مجمله يتعمّد تفنيدَ تلك التصورات الواهمة الساذجة، التي تشتغل بالوهم، وعلى الوهم. فهي من جهة، تتصور اليابان شرقا خالصا، شرقا منغلقا على ذاته، ومنفصلا عن الموروث الغربي التنويري، شرقا احتفظ ...

الصراع السوري بين الطغيان والإرهاب

ماذا يمكن أن نكتب بعد أكثر من خمس سنوات من الصراع الدامي الذي تجاوز حدود المتوقع لكل أطراف الصراع؟ لقد بات الصراع بين المعارضة – على اختلاف أطيافها، وانتماءاتها، وأساليبها القتالية – وبين النظام الدكتاتوري، يأكل مئات الألوف من الضحايا الأبرياء وغير الأبرياء، أو الأبرياء الذين تحوّلوا إلى غير أبرياء؛ بعدم...

التاريخ بين النقد العلمي وإشكاليات الصراع

لا يقرأ العربي تاريخه بعقله، ولا يشتبك معه في إطار المُحدّدات النهائية للهويات الكبرى؛ كما تفعل الحضارات المعاصرة ذات النفس التقدمي، وإنما يعيش تاريخه بكل وجدانه، يعيش تاريخه البعيد الذي تطاولت عليه القرون، وكأنه وقائع طازجة قد حدثت بالأمس القريب. والأخطر من ذلك – وهو نتاج طبيعي للعيش في التاريخ - أنه يبني...

تنوير الجماهير وجماهير التنوير

>المؤسسات المدنية الحديثة مهما كانت حيطانها عالية، وشعاراتها باذخة، لا تصنع مجتمعا مدنيا حديثا؛ ما دامت الثقافة الـ»ماقبل مدنية» تحكم وعي الجماهير، أولئك الجماهير الذين سيُمدّون – وليس غيرهم - هذه المؤسسات بالموظفين، بل وبصانعي أنظمتها ومُفَصّلي قوانينها. لا ريب أن التحولات النوعية في بُنية الوع...

التنوير والجماهير

>الفرق بين المجتمع المتقدم والمجتمع المتخلف ليس وجود مفكرين تنويريين هنا، وانعدام وجودهم هناك. الفرق يكمن في مستوى الاستجابة الجماهيرية، أي: هل تستطيع أن تحقق مستوى من التغيرات النوعية في الوعي الجماهيري يتغير معه الواقع أم لا؟ هل يستطيع الفيلسوف/المُفكّر/المثقف/الكاتب/الأديب/الفنان التنويري أن يكون ج...

الحرية الليبرالية وإساءة الفهم التقليدي

حاولت في المقالين السابقين إيضاح معالم رؤيتي للتحرر الليبرالي، وجاء الكلام فيهما اشتباكاً معرفياً مع التجاذبات النظرية التي تشغل أذهان المهتمين بهذا المجال الحيوي المتجدد دائماً وأبداً. لهذا جاء الكلام تنظيراً يُحيل إلى أفكار ومفاهيم ومصطلحات يعرفها القُرّاء المحترفون، بينما تستغلق على غيرهم -قليلاً أو كثي...

إبداع الإنسان: النص والإنسان والتاريخ

> عندما يغيب اليقين؛ يغيب الجزم والتعصب والحدود القطعية أو القاطعة، ومن ثم، تسود روح الحرية الليبرالية في مجال الخيارات الفردية، وتتراجع إلى حد كبير فُرص الإلزام القسري في الفضاء العام لا يمكن أن يتحقق الإنسان - وُجُودًا – إلا في مسيرة تحقق حريته فيه وله، تلك الحرية الشاملة التي لا تعني انعتاقه من أسر ا...

الليبرالية وجدلية النص والإنسان والتاريخ

كيف استطاع الخطاب التقليدي النقلي أن يلتهم وعي الجماهير ببساطته المتناهية التي تصل أحياناً حد الخرافة الصريحة؟. ليست المسألة هنا متعلقة فقط بـ"سيكولوجية الجماهير" العاطفية الغوغائية التي يتراجع فيها العقل إلى حدوده الدنيا، والتي تحدث عنها الباحث الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه الشهير، وإنما الأمر يتعلق بما ه...

القارئ وأسئلة القراءة الحرّة

>القارئ الحر الذي ينتقل من عالم الفلسفة إلى عالم الأدب والنقد لا يقرأ عبثا، وإنما يقرأ وفق خطة ذهنية، قد تكون صريحة، وقد تكون مضمرة/كامنة في اللاوعي، يريد من خلالها الوصول إلى مستوى استيعاب النظريات الكبرى التي تنتظم مسار التاريخ، تاريخ الفكر، وفكر التاريخ. ذكرتُ في نهاية المقال السابق أنه يجب على...

القراءة الحرة.. كيف تختار الكتاب؟

>يستطيع القارئ المتمرس ـ بدرجات متفاوتة، وبمستوى نسبي ـ اختيار الكتاب المناسب، بعد أن يكون قد عاشر آلاف الكتب، فأخذ منها وأخذت منه، ولقي في عملية الاختيار الحر من النجاح بقدر ما لقي من الإخفاق. في عام 2000م وما بعده، كان المُجدّون المجتهدون من طلابي في كلية اللغة العربية في القصيم يسألونني بعد كل حدي...

غواية القراءة وظاهرة الكتاب الرديء

نعم، للقراءة أشواقها وجمالياتها التي تأخذ بك في أودية لم تخطر على بالك من قبل. في الغالب، تجمع القراءة النوعية بين الفائدة والمتعة، وفي النهاية، ما أفاد؛ أمتع، وما أمتع؛ أفاد. وترتفع درجة هذا وذاك؛ عندما تتحول القراءة إلى هواية؛ فيصبح "الشاق" و"العسير"، فضلا عن "العقبات المعرفية" و"المُنغّصات الظرفية المصا...

نحن والغرب.. إشكالية القراءة النمطية

الزمن الغربي ليس واحدا ولا ثابتا، كما أن الغرب ذاته ليس واحدا ولا متجانسا. الغرب جغرافيا مَرِنة، قابلة للاتساع باتساع العالم. الغرب أزمنة وهويّات ومراحل متنوعة، بل ومتضادة متصارعة؛ وإن لم تكن متناقضة من حيث صيرورتها في تاريخها الكلي/العام. >نحن نمارس الارتياب بالغرب بتلقائية غريبة، وكأن الارتياب طبيعة...

في عالم نجيب محفوظ أو التنوير الروائي

>عندما أصدر محفوظ روايته التي افتتح بها عصر ما بعد الواقعية: (أولاد حارتنا) نهاية الخمسينيات من القرن الميلادي المنصرم، ثار عليه رجال الدين من الأزهر ومن خارجه، واتهموا الرواية بالكفر الصريح. ومع حسابات السياسة، انتهى الأمر بصدور قرار يمنع طباعة الرواية يقول الناقد المصري الراحل غالي شكري عن نجيب م...

غواية القراءة.. في عالم نجيب محفوظ

>بات من الواضح لي أن الرواية خلق (إبداع ) لعالم جديد من خلال عوالم يتقاطع فيها الواقعي بالأسطوري/الخيالي. ومن ثمَّ؛ فهي فن شمولي راقٍ، من حيث هي عالم مُركّب، عالم لا يمكن فيه عزل البناء العام للشخصيات عن طبيعة الفضاء الزماني أو الفضاء المكاني أو الفضاء الاجتماعي. هل أعترف بألمي الحزين؛ عندما أقو...

ضد الطائفية.. التسامح ضرورة وليس خِياراً

بعد كل هذا البحث المعرفي/النقدي الذي نهض به الفلاسفة منذ بداية عصر النهضة في أوروبا، مروراً بعصر التنوير في القرن الثامن عشر، وإلى اليوم، وبعد كل معارك الجدل، وبعد كل جهود التنظير، تلك التي كانت تدور رحاها حول إشكالية التسامح بعلائقها المعرفية والواقعية، بعد كل هذا؛ وصل الجميع إلى حقيقة مؤداها: أنه لا بديل...

الحرب على الإرهاب بالتنوير

لا خيار، إما التنوير؛ وإما التخلف والتزمت والتطرف والإرهاب. قد تبدو هذه العبارة حادة في قسمتها الثنائية، وقد يراها كثيرون تتضمن إقصاء يتعارض مع أهم مبادئ التنوير، المتمثل في مبدأ التسامح. لكن، وعند التأمل الدقيق، يتأكد أن هذه العبارة لا تعكس رغبة؛ بقدر ما تصف حالا/ واقعا يمتد منذ عصور التنوير الأوروبية في ...

نحن والغرب.. من الموقف الضدي إلى أوهام الكراهية

لماذا نُحبّ الغرب؟ قد يبدو هذا السؤال غريبا، وقد يكون هو السؤال الخطأ في سياق السائد الثقافي العربي/الإسلامي. قد يكون السؤال الأمثل ــ من زاوية الاتساق مع الجدل الثقافي الاستشكالي الراهن ــ مطروحا بالعكس؛ وحينئذٍ، يصبح السؤال: لماذا (لا) نحب الغرب؟ فالغرب، من حيث هو واقع، ومن حيث هو سياق ثقافة، مُتوفّرٌ ...

المتطرفون الانغلاقيون والاتهام بالتغريب

يَحتلُّ الدين في كل أمة مُتَديّنة أعلى درجات القداسة الطهرانية التي تفترض أسمى صور النزاهة لكل من ارتبط به من قريب أو بعيد. إنها قداسة تفترض نزاهة تتجرد من كل علائق المادي الشخصي؛ بغية الصالح العام، لا في سياق توفير مُّقومات الحياة السعيدة في هذه الدنيا فحسب، وإنما في سياق توفير كل ما من شأنه أن يخلق الأمل...

نهاية داعش وانهيار أحلام المتأسلمين

>إذا لم تكن نهاية داعش المرتقبة هي نهاية الإرهاب، فإنها – بلا ريب – نهاية حلقة أساسية من حلقات التشكل الإرهابي فكرا وسلوكا؛ ذلك أن تنظيم داعش ليس مجرد تنظيم يتجسّد دولة على أرض الواقع، وإنما هو حُلُم أممي يتمدد على مساحة الوعي الإسلامي المأزوم ينعقد الإجماع الأممي اليومَ، وبإرادة واقعية/عملية، على ضرورة...

دعوى الجهاد والمحرضون على الإرهاب

>الشاب الإرهابي ليس أكثر من جُندي، يفعل ما يؤمر به عبر وسيط هيكلي تنظيمي يحكمه الواجب الديني، والواعظ المُحرّض هو – تماما - كالضابط الذي يُصدر الأوامر لجنوده، وبالتالي، يتحمل كامل المسؤولية عما يفعله جنوده المؤتمرون بأمره يُعاني العقل العربي - الذي يبدو عقلا جماهيريا غوغائيا في صورته الأعم/الأشمل - م...

سفر القراءة بين الأدب والفلسفة والتنوير

>من المؤكد أن قراءتي لمفكري وأدباء النهضة العربية، كالعقاد وطه حسين والزيات وهيكل والمازني وجبران ونعيمة وأحمد أمين.. إلخ، كانت تفتح عقلي وقلبي على آفاق التنوير (حيث لا يمكن فصل الحركة الأدبية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عن الحراك الإصلاحي/التنويري)، لقد كان كتاب كرين برنتن: (أفكار ...

من الكتاب الأدبي إلى الكتاب الفلسفي

>إن أخطر الأطروحات لن تفعل فعلها السلبي إلا في بيئة محكومة بالجهل. ما يعني أن منع الكتب في (زمن اللاّمنع) ليس هو الحل لمكافحة مضامين الكتب الانغلاقية أو التحريضية، بل الحل – في تقديري - يكون بفتح آفاق العقول على مجالات متنوعة كانت الكتب الفلسفية الخمسة: (الفلسفة العربية عبر العصور) من تأليف: رمزي...

بين الكتاب الأدبي والكتاب الفلسفي

>ثلاثة عوامل أو دوافع، تضافرت في أوقات متقاربة؛ لتدفع بي إلى الاهتمام بالكتاب الفلسفي. الكتابات الأدبية القديمة ربطتني بالفلسفة القديمة، وكتابات الأدباء الرواد، كطه حسين والعقاد، ربطتني بالفكر الحديث وإشكالياته، ومنها الإشكاليات الفلسفية.. يتميز النقد الأدبي الحديث بأنه الحقل الأوسع والأكثر تنوعا...

غواية القراءة ما بين الكتاب الأدبي والكتاب الفلسفي

مُعظمُ الذين يُحاولون (التّلصُص) على خبايا سيرتي المضمرة/السيرة الداخلية، أي على أسرار الأماني والأحلام والأفكار التي لم تجد طريقها إلى الواقع السلوكي المتعين؛ يطرحون عليّ هذا السؤال؛ بصيغ شتى: بما أنك نشأت في بيئة دينية منغلقة يحكمها المنطق الديني بالكامل، من صور "الكلي" إلى تفاصيل "الجزئي"، ويحظى فيها (ا...

أنا والكتاب والفضاء التقليدي

في بداية عشقي للقراءة لم تكن الفلسفة تُمثّل لي أي إغراء. الأدب عموما، والشعر خصوصا، وأخبار الغابرين المسطورة في كتب التاريخ والتراجم، هي التي شدّتني – بقوة العشق - إلى عالم القراءة، يقول ألبرتو مانغويل: "كل مكتبة بمثابة سيرة ذاتية" (المكتبة في الليل ص155). لهذا، فعندما أحكي ش...