أ. د. حمزة الطيار


التنكُّرُ للـمُنعِم

>من أسمج أنواع التنكُّرِ ما مسَّ الحقَّ العامَّ، وتجسَّدَ في غمطِ وجحودِ أفضالِ الوطن وقيادته؛ ولا يُستغربُ أن يكون التنكُّر للوطن على هذا المستوى من القبح؛ لأن الـمُقدِمَ عليه قد أظهر بفعلته تلك أن أنواع الإحسان التي يُمكنُ للإنسان أن يُسديها إلى غيره لا تقع عنده موقعها الملائم لها.. يختلف تعاطي الناس...

الحقوق.. صيانتها وأداؤها

>أسوأ أنواع التجنِّي ما تعلق بالجناية على الحقوق العامة؛ لأنه عبارةٌ عن إلحاق الضرر بالمجتمع فرداً فرداً، والجناية على الحق العام يكون بتصرفٍ جزئي محسوسٍ كبعض الجرائم على المرافق العامة، ويكون بالقول والفكر الضار، وهذا أخطر أنواع الإضرار.. لكل فردٍ من الناس حرمةٌ خاصةٌ من حقه أن تكون مصونة، وأن لا يُ...

أهمية صلاح الفرد

>من إيجابيات إصلاح الفرد لنفسه أنه يُغري غيره بالاقتداء به، والكشف عن المسالك الصحيحة التي سلكها إلى إنجازه، وفي هذا إشاعةٌ للفضائل، وتنبيه الغافلين عن أسباب الفضل.. يتصور بعض الناس أنه مُعفى من الإسهام في الإنجازات البشرية والمجتمعية كافة، وأن مباشرة المشاركة الفاعلة في جلب المنافع، وتشييد المحامد لا تُ...

انضباط الكلمة

>مصالح المجتمع والوطن كلها محميةٌ لا مساومة فيها، وكما تُمنعُ التصرفات والأفعال المخِلةُ بها كذلك يجب أن تُمنع الأقوال الضارة بها، فالقول أخو الفعل لا فرق بينهما، ولا فرق بين انفلات الأفعال وانفلات الأقوال، بل الثاني أخطر؛ لأنه مغذٍّ للأول محفزٌ له.... تسيير الكلمة في الآفاق ليس مجردَّ تسليةٍ يتفكَّهُ به...

وسواس الإنس

>وسواس الإنس كوسواس الجِنَّةِ في أنه يُصيبُ من المستقيم غِرَّةً فينتهزها في إزلاقه بواسطة همَزاتِه بتزيين القبيح، وتقبيح الحسن في عينه، لكنَّ الموفق لا يستمرُّ في التأثر بذلك، بل ينوب ويتوب ويرجع عن زلته، لكن المعضلة أن يُحسن الإنسان الظنَّ بما يُلقيه الموسوس، ويظنه ناصحاً أميناً فيتبنى المواقف الناتجة عما...

حقيقة المسؤولية

>التعليمُ تكوينٌ مفصليٌّ في حياة الإنسان، وهو يستدعي التعامل مع أعدادٍ غفيرةٍ متباينةٍ في مستوياتها الإدراكية وميولها وسائر المؤثرات، والتعلمُ بطبعه جهدٌ شاقٌّ له عقباتٌ تحمل النفوس هموم اجتيازها، ولكي يتحقق ذلك لا بد من تدبيرٍ يَحكُمُ تعاطي المؤسسة التعليمية مع الطالب، ويُنظِّمُ تعامل المعلم مع الطالب بحس...

الحقوق المضمونة

>من الناس من يُبتلى بالحرص على الانتقام والنكاية بالآخرين، ويُجَسِّدُ هذا الحرص في التعدي على ما أمكنه من حقوقهم، ومن محاسن الأمن والعدالة وسيادة النظام أن مثل هذا يتحمل تبعات اعتدائه، ويُنتصفُ منه لصاحب الحق، ويفوته ما تعمده من مصادرة حقوق الآخرين.. عيش الإنسان في ظلِّ نظامٍ يضمن له حقوقه هو حجر الأسا...

جَهْــلُ مستوى الإدراك

>الغريب في شأن غفلة الإنسان عن جهالته أن المتعالم يُدركُ جهالته بالأمور الميسورة التي لو زاولها أياماً لعرفها، كالحرف اليدوية ونحوها، فلا يكاد يدعيها، بينما يكون مُولَعاً أشدَّ الولع بالتدخل في المعارف الصعبة التي تستغرق أوقات وجهود العباقرة كالعلوم الشرعية والحيوية والسياسية.. يمقت الإنسان بطبيعته الجه...

زكاة الجاه

>الجاه كلمةٌ واسعةُ الدائرة جدّاً، ومن كان له شيءٌ من القبول والتأثير فله نوع جاه ينبغي أن يوجهه في النفع، وأقرب دوائره الأسرة والأقارب، فمن كان ذا كلمةٍ في أسرته فعليه مسؤوليةٌ كبيرةٌ تتمثل في إبقاء المودة بين أفرادها، وتقريب وجهة أنظارهم إذا مالت إلى التباعد.. مما قدر الله على عباده التفاوت في الصفات ...

وقفات مع اليوم الوطني

>من الراسخ في طباع العقلاء وأهل المروءة حب الوطن والشغف به وفداؤه بكل نفيس، وهذه جبلةٌ يجدها في نفسه كلُّ من كانت فطرته بعافية، فالوطن بلسمُ الروحِ، والحضنُ الدافئُ للمهموم، حتى قال بعض القدامى: "يتروَّحُ العليلُ بنسيمِ أرضهِ كما تتروَّحُ الأرضُ الجدبةُ ببلِّ المطر".. سعدنا جميعاً بما شهدته ربوع دولتنا ال...

هدم الأعمال

>مما يُعينُ على عدم هدم الأعمال استحضار أهمية الاستمرار في العمل ولزومه، ومعرفة أن ذلك من صميم السنة النبوية، فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله تعالى عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» متفق عليه.. لا يستغني الإ...

إعمال البصيرة

>استعمال البصيرة وسيلة لسلوك الإنسان سبيلَ السلامة في دينه ومعاشه، فكل الضروريات الخمس الشاملة لمصالح الدارين لا تتهيأ لمن تصرَّف خارج ما تُمليه البصيرة السليمة؛ إذ هي مما يهتدي به الإنسان إلى ما يُرضي عنه ربه.. من حكمة الله تعالى ربط المسبَّبَاتِ بأسبابها، ولو شاء لانساقت كل الرغبات إلى المخلوقات واندفعت...

الحادي وليس له بعير

>الذكر الحسن إنما يحرص عليه العقلاء لا لذاته، بل تبعاً لما يسبقه من المحامد، وما يلحقه من المنافع؛ إذ هو يُعينُ المذكور بخير الممدوح إلى الاستزادة من تلك الفضائل، وشكر الله تعالى عليها، ويدعو غيره إلى الاقتداء به فيها.. النفس البشرية مجبولةٌ على التَّوقِ إلى نيل نوع من المآرب تختاره وتتعلق به، وتتنوع مآرب...

جهلُ الـمُقوِّمات

>أخطر أنواع الجهل بالمقومات جهل الإنسان بذاته وما لها من القيمة والأهمية، وأقسى ما يتمثل به هذا الجهل صرفها عمّا خُلقت لأجله من عبادة الله، والعزوف عن توحيده وإفراده بالعبادة، فهذا هو السَّفَهُ الذي لا يُقارنُ به سَفَهٌ.. من أسباب النجاح في جميع المجالات أن يعلم الإنسان مقوماته على الوجه الصحيح، وعليه إذ...

الولوع بالتشويش

>الثغرات التي يُؤتى منها الـمُولعُ بالتشويش أنه يحتكر لنفسه الفهم الصائب، وينطلق من قاعدةٍ فاسدةٍ مفادها أن كل من لم يشاركه القناعة والأسلوب فلا بد أنه مخطئ، وهذا خطأ فادح، لا سيما إذا تفاقم حتى وصل إلى درجة أنه يتصور أن الناس من حوله في عمايةٍ من أمرهم.. يحتاج الإنسان إلى التشمير والجدِّ في أعماله الدنيو...

شهية التفسير

>ارتجال التفسيرات قد ينشأ عن خفةٍ وضعفٍ وعجلةٍ في شخصية الإنسان فلا يُمكنُهُ أن يُقابل المواقف بما تحتاج إليه من أناةٍ وبصيرةٍ، ومثل هذا يمكن أن يتعرَّفَ من حوله على مشكلته ويُعالجوها قدر المستطاع، ومن شأنه أن يستجيب للعلاج؛ لأن الأخلاق تقبل التهذيب والمعالجة، لكن الإشكال فيمن لا يُعاني من ضعفٍ وقصورٍ، لكن...

الإحسان بمفهومه الشامل

>الإحسان إلى الخلق يسيرٌ على من يسره الله عليه، وأوسع أنواعه نفعاً ما يتعلق منه بحسن العشرة ولين الجانب وكفِّ الأذى عن الخلق، واحترام خصوصياتهم، وعدم الوقيعة فيهم مواجهة أو عن ظهر غيب.. الإحسان من القيم التي يتسم مفهومها بالشمول، ولا يخلو فعل من أفعال المكلف من أن يطلب فيه جريانه على الإحسان، ومصداق ذلك ...

اختلاف المخبر والمظهر

>حب السمعة الحسنة والذكر الطيب والصيت السائر الباقي عبر التاريخ من الأسباب التي تحدو ببعض الناس إلى التظاهر بالعناية بأمور مرغوب فيها، من غير أن تنعقد قلوبهم على الإخلاص لها وإرادة إقامتها، وهذا قصور في النظر.. يستطيع الإنسان - إذا تنكر للفطرة السديدة - أن يتظاهر بما أراد تقمُّصه، وأن يُوظف خداعه الآخرين ...

التوريث بالتعصيب

>الإرث بالتعصيب محلُّ إجماع العلماء لا خلاف بينهم في ذلك، وقد اتسق عمل الأمة بالأخذ به جيلاً بعد جيل على أقوى أنماط التواتر العملي، وما زالت أملاك المسلمين تُتداول به منذ أربعة عشر قرناً بلا تشكيك.. المعارف والمهارات متنوعة متشعبة الأودية متمايزة الدروب، ولكل وادٍ أهلُه الذين هم أدرى بشعابه، ومصالح الناس ...

الاستغلال السلبي للأولاد

>من أسوأ أنواع التسبب السلبي واستغلال الأولاد في تحقيق مكاسبَ مادية، وشهرة مزيفة؛ وذلك لأن الولد فرد من أفراد المجتمع له حقوقه ومستقبله، بل هو لبنة تُهيأ لتكون في محلها اللائق بها في تشييد صرح الوطن، فاستغلاله استهتار وتلاعب.. من طبيعة الإنسان أن يرغب في الوصول إلى غرضه، وأن يسعى في ذلك، والطرق المفضية إل...

تجاهلُ التفصيلِ اللازمِ

>تظهر خطورة تجاهل التفصيل في مناولة بعض الناس للعلم، لا سيما أهل الأهواء والفرق والأحزاب، فترى أحدهم يقبل كلَّ ما وافق هواه ومصلحته جملةً بغض النظر عن مستوى رجحانه، ويرفض ما خالفه جملةً، ولا يلتفت إلى أرجحيته.. التفصيل هو الوسيلة المثلى في المواضع التي تحتاج إليه، وهو من مظاهر التوسط والاعتدال؛ إذ لا يخلو...

مطاردة الناس بالشرور

>من المطاردة بالشر أن يسعى الإنسان في تكدير الصفاء بين اثنين بنقل الكلام بينهما، فهو بهذا الصنيع يحاول أن يسلب كلاً منهما منحة من العافية كان يتمتع بها، وهكذا من حاول أن يُطلِع غيره على ما يتضرر بالاطلاع عليه في دينه ودنياه من أفكار هدامة وتوجهات متطرفة، ومحتوى غير لائق أو غير ذي جدوى.. البعد عن الشرور...

المجاملة بين المحمود والمذموم

>للمجاملة المحمودة صور كثيرة، وهي مغروزة في قيم مجتمعنا بحمد الله، ومن صورها حمل النفس على الابتعاد عن كل ما من شأنه إشعار الآخر بقلة أهميته، وعدم مواجهة الشخص أمام الملأ بما يوقعه في الإحراج ويسبب له الخجل، ومراعاة حقوق الزائر والضيف والمصاب بمصيبة.. قوام المصالح الدينية والدنيوية بين الناس التعايُش و...

سلاطة اللسان

>من أسوأ آثار السلاطة أن ينشغل المتطفلون بالخوض في الشأن العام؛ لما في ذلك من تعريض أهم المصالح والضروريات لأخطار جسيمة؛ إذ كلام مثل هذا لا يعدو أن يكون مجردَ فوضى مرفوضة شرعاً وعقلاً وعرفاً ونظاماً.. جوارح الإنسان مُسَمَّاها كاسمها، فهي تكتسب إما المنافعَ وإما المضارَّ، والإنسان معرَّض للجزاء على ما تكتس...

بلوى التفرد

>منافع لزوم الجماعة ظاهرة لا غبار عليها، يهدي إليها الشرع الحنيف، ويدركها العقل السليم، ولم تكن محل تردد عند من وفقه الله تعالى إلى رشده، والمتفرد عن الجماعة زاهد في أهم أسباب البركة والسعادة.. من عافية الله تعالى لعبده أن تتنور بصيرته؛ ليدرك بها نعم ربه عليه، فيقدرها حقَّ قدرها، ويسعى في شكرها بما استطاع...

حفظ العهد

>آكد المواثيق المأخوذة بين الناس العهدُ المعطَى لوليِّ الأمر بموجبِ حقِّه في السمع والطاعة على عموم الرعية، وفي الوفاء بهذا العهد محافظةٌ على مصالح العباد والبلاد الدينية والدنيوية، كما أن في الإخلال به إفساداً وتضييعاً للحقوق.. من مستلزمات عمارة الأرض وصلاحها ارتفاق بعض الناس ببعض، فالإنسانُ كائنٌ اجتماع...

آخر الدواء الكيُّ

>إذا لم تُفْضِ الحلول الحسنة إلى المطلوب؛ فآخر الدواء الكيُّ، وكما أن البدء بآخر الحلول خطأ فادح يفوت المصالح ويجلب المفاسد، فكذلك يكون التواني والتقاعس عنه إذا جاء وقته خلاف الحزم.. مهما احتاط الإنسان وكدَّ لنفسه في هذه الدنيا، فلن تخلص له من مشَقَّات وكُدورات، وسيرى من التواءِ معاملات أهلها ما قُدِّر له...

معالم القوة

>احترام النظام والخضوع لسيادته أهم ما تُبنى به دعائم القوة، وأنجع ما تُستبقى به إذا وُجدت بعد توفيق الله تعالى والاستعانة به، وهذا أمرٌ لا يتحقق السمع والطاعة إلا به، ولا يتصف الإنسان بأنه محترمٌ للنظام حريصٌ عليه إلا بمطابقة الظاهر فيه للباطن، وجعل ذلك ميثاقَ شرفٍ يستنكف من أن يخلَّ به.. لا بد لنيل م...

نعمة البصر بالمصالح

>من عمي عن مصالحه أو تقاعس عنها فقد فرط، فلا ينبغي أن يزيد على مذمة التفريط مذمة أخرى، وهي المقارنة الجائرة بينه وبين الناجحين الكادين والتحدث بأنهم لم يستحقوا أن ينالوا ما لم ينله، فلذلك آثارٌ سلبيةٌ عليه وعلى غيره.. من فضل الله ورحمته بالإنسان أن منحه صفة العقل والتفكير، وسخر له الكائنات حوله ليتخذه...

أهمية اليقظة والفطنة

>عصرنا هذا يفرض على الإنسان الحاجة إلى مزيد اليقظة؛ لما تيسر فيه من وسائل انتقال الأفكار، وما أتيح فيه من الفرص في سرعة تعدّي شر الشّرِّيرِ رقعتَه الجغرافية، فعلى المسلم أن يستعين بالله في التفطُّن والتحرز من كل ما يشوش عليه وعلى مجتمعه في الأمور المخلةِ بالدين والقيم السامية.. الحياة الدنيا لا بد فيه...