ربما تكون أغنية (ياعروس الروض ياذات الجناح) من أكثر الأغاني التي شاعت في الوطن العربي من أقصاه إلى اقصاه، ويُتغنى وكأنها من التراث القديم أو الأغاني ذات البعد الزماني والمكاني السحيق، حيث طارت بجناحيها عبر أصوات أشهر المغنين والمغنيات وعُرفَتْ (ياعروس الروض) وقد كنا نسمعها في أيام الشباب بصوت الفنان السعودي الراحل (عمر باعشن) كما اشتهر بها بين المطربين السعوديين وكأنها مخصصة له فهو يغنيها في الحفلات والزواجات، ومسرح الإذاعة، ثم مسرح التلفزيون، وسجلها على اسطوانة، ورددها ولا زالت تردد عبر أصوات فنانين سعودين وعرب، فقد شدا بها الكثيرون مثل طارق عبدالحكيم، طلال مداح، مطلق الذيابي، محمد عبده، عبادي الجوهر، عبدلله محمد، عبدالله مرشدي، سعود زبيدي، مسفر القثامي، محمد علي سندي، توحة، حيدر فكري، طلال سلامة، وقد أقول معظم الفنانين السعودين وهي أغنية شهيرة، فشهرتها لا تزال قائمة.
لم يُذْكر اسم شاعرها ولم نسمع به على مر السنين، ولكن الباحث (فارس يواكيم) أصدر كتابا عنوانه (حكايات الأغاني/ رحلة القصيدة من الديوان إلى الأغنية ذكر في مقدمته: "في هذا الكتاب مقالات عن عدد من الأغاني العربية المشهورة التي كلماتها في الأصل قصائد كتبها شعراء كبار، ولم يكن في بالهم عندما كتبوها انها ستستهوي أهل النغم، يلحنها الملحنون وينشدها المطربات والمطربون، وتصير أغنيات ذائعة الصيت.
لذلك لن اتطرق الى الأغنيات التي كتبها الشعراء بناء على طلب من الملحن أو المغني.. الأغاني التي يروي هذا الكتاب حكاياتها، قصائد ولدت والأغنية لم تصبح جنينا بعد وهي عندما لبست ثوب النغم تعرضت للتعديل حذفت منها أبيات وأضيفت إليها أبيات، أو جرى تعديل في ترتيب الأبيات.
من القصائد الكثيرة التي ذكرها وأسماء شعرائها قصيدة (ياعروس الروض) التي عمت شهرتها كأغنية محلية دون أن يعرف اسم شاعرها، فهو كتبها قصيدة ليست للغناء، ودون أصلها كما كتبت، ومن ثم ذكر بعض التعديلات والتغيرات التي سببها في نظري أنها كانت تتناقل سماعا، وعندما يتسلطن المطرب أو المطربة يحبذ استملاحا أن يبدل كلمة بكلمة، وربما نسي وبسرعة بديهية تخلص بما يناسب، وكثيرا ماتكون مثل هذه جميلة، ففي هذه العجالة لن أذهب إلى التعديلات وسأسجل القصيدة لما كتبها شاعرها الشهير (الياس فرحات) والشاعر الياس فرحات شاعر لبناني مهجري جنوبي من عام 1915 وعمره 16عاما، وترك حبيبته التي كان يريدها خطيبة مودعا إيها بقوله:
خصلة الشعر التي أهديتنيها
عندما البين دعاني بالنفير
لم أزل أتلو سطور الحب فيها
وسأتلوها إلى اليوم الأخير
في المهجر صار يعمل حسب التساهيل ويتنقل بين القرى كبائع متجول تحصل من كده على عربة (كارو) يحملها بضاعته ويسير بها ليلا ونهارا صيفا وشتاء ومتحملا مشاق الحياة من اجل العيش الكريم، وله قصيدة شهيرة بعنوان
(حياة مشقات) تصف حياته في المهجر اجتزيء منها:
ومركبة للنقل راحت يجرها
حصانان: محمر هزيل وأشهب
جلست إلى حوذيها ووراءنا
صناديق فيها ما يسر ويعجب
تمر على صم الصفا عجلاتها
فتسمع قلب الصخر يشكو ويندب
ونشرب مما تشرب الخيل تارة
وطورا تعاف الخيل ما نحن نشرب
حياة مشقات ولكن لبعدها
عن الذل تصفو للأبي وتعذب
قصيدة متكاملة المبنى والمعني رسم بها حياة الغربة والناس وطباعهم وكيف يعيش الإنسان بكرامة وسلام، وهذه الأبيات عندما تقرأ القصيدة كاملة تكون الرؤية أشمل، ولكن العودة إلى (ياعروس الروض) بعد هذا التمهيد الذي أردت منه أن يشار فيه لصاحب الحق، وسأحاول أن أنقل للقارئ القصيدة كاملة لعل من يغنيها مستقبلا يذكر اسم شاعرها المهضوم (الياس فرحات) وهي القصيدة الأصل التي دونها الأستاذ فارس يواكيم في كتابه المذكور قبلا.
(ياعروس الروض)
ياعروس الروض ياذات الجناح.. ياحمامة
سافري مصحوبة عند الصباح.. بالسلامة
واحملي شكوى فؤاد ذي جراح.. وهيامه
أسرعي قبل يشتد الهجير.. بالنزوح
واسبحي ما بين أمواج الأثير.. مثل روحي
وإذا لاح لك الروض النضير.. فاستريحي
رفرفي في روضة الأفق الجميل.. واستكني
وانظري محبوبتي عند الأصيل.. ثم غني
فهي إن تسألك عن صب عليل.. فهو عني
خبريها أن قلب المستهام.. ذاب وجدا
وسليها كيف ذياك الغرام.. صار صدا
فهيامي فات تحديد الهيام.. وتعدى
ذكريها بأويقات اللقاء.. والتصابي
حين كل صبح ومساء.. باقتراب
عل بالتذاكر لي بعض الشفاء.. من عذابي
فإذا ما اظهرت حبا ولين.. واشتياقا
فأجعلي مابيننا عهدا مكين.. واتفاقا
وسليها رأيها في أي حين.. نتلاقى
وإذ أبدت جفاء وصدود.. واعتسافا
فاتركيها إنها في ذالوجود.. ستكافا
حين يأتيها زمان فتريد.. وتجافى
وغدا إذا أقبل الفصل المخيف.. برعوده
ما الذي يبقى من الورد اللطيف.. غير عوده
إن للحن ربعا خريف.. في وجوده
إن أول من غنى هذه القصيدة كان المطرب السوداني فضل المولى زنقار في ثلاثينيات القرن العشرين، ثم غناها في السودان أيضا المطرب عبدالعزيز داود، وفي مصر عبدالغني السيد، ومن ذلك الوقت إلى اليوم مازال هناك من يغنيها ويردد كلماتها، وشاعرها مبهم، ومن هنا يستحق فارس يواكيم الشكر على ذلك وعلى كتابه القيم الذي بين فيه بعض الأسرار الفنية بين الملحنين والمغنين ومساعدي الفنانين المطربين من الشعراء كما في دور الشاعر أحمدرامي مستشار كوكب الشرق أم كلثوم لشؤون الشعر.
1
عبدالعزيز محمد العريفي
2016-05-21 03:31:21للأسف لم يذكر الملحن وهو الأهم وبيت القصيد
2
عزيز
2014-11-08 23:07:57سلمت براجمك أستاذ أبو نايف.. ونرجو تجنب الأخطاء الإملائية التي تشوه مثل هذه المقالات والنصوص الجميلة.. حفظك الله
3
عماد الدين علي مكي
2014-11-08 18:29:37هي اغنية جميلة وقد غناها الفنان عبد العزيز محمد داؤود وانا فاكر انا شاعرها شاعر سوداني لكن قد صححت المعلومة وهو انا شاعر (الياس فرحات) لبناني الاصل
4
النوخذه
2014-11-08 16:35:46غناها كذلك المطرب الكويتى الراحل /عبدالطيف الكوينى رحمه الله.
5
أبو عبدالله الثاني
2014-11-08 15:43:35جميل جداً أستاذ سعد..
6
أبولبابة
2014-11-08 15:28:09أيضا تغني بها الفنان السوداني كمال ترباس ن وذكر ذات مرة أنه منع من الدخول في إحدي المطارات العربيه وهو في مشاركة فنية فما كان منه إلا أن أمر فرقتة الموسيقية بعزف لحن هذه الأغنية فتسأل من في المطار وهل تعرفون هذه الأغنية فكانت جواز مرور ودخول له ولفرقته الموسيقسة
7
مواطن من الرياض
2014-11-08 13:58:33أغنية جميلة.
8
عقل ميركل
2014-11-08 13:17:01بصراحه مقال في قمة الروعة يشكر كاتبه وهذا دليل لذوق كاتب المقال واهتمامه بحقوق الآخرين وبالذات لكاتب هذه الكلمات المبدع
9
علي العراد
2014-11-08 12:35:30مقال جميل أستاذ سعد، وبإذن الله سأبحث عن هذا الكتاب وأقتنيه.
10
حسين
2014-11-08 11:08:17لعل اعجب مطرب فنان ثري ويرفض الاعلام ويغني لأصدقائه في مزرعته في المدينه المرحوم السيد ابراهيم الرفاعي في مجلسه وزراء وحكام ومشاهيرمطربينا الكباريعرفونه وكنت الوحيدالذي يسمح لي بالتسجيل شرط عدم النشر رحمه الله
11
فيحان
2014-11-08 09:31:07تقديم وعرض تفصيلي رائع وابيات شعر اروع شكرا لك شي طيب وبالله التوفيق.