سنظل نسير إلى الوراء، مكبلين بسلاسل الماضي، ما لم نضع أيدينا على موضع الجرح الذي إن لم نضع له حدّاً فسينتشر في جميع أعضاء الجسم وحينئذٍ لن نتحدث عن نبتة، بل سنتحدث عن غابة ذات شوك وأدغال
نفتأ نجتر الماضي بكل قوة، حتى سيطر على حياتنا، وعرقل مسيرة حاضرنا، ولا أدري ما سيفعل بمستقبلنا.
الماضي الذي نزعم أنه فهم السلف، وعمل السلف، ورؤية السلف، حتى إن أحدنا تنزل به النازلة فيفزع إلى كتاب أُلف منذ قرون يبحث عن حل لنازلته !
ثم نصرخ بصوت عال : إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.
إن العجيب جدا أن نظل محبوسين في سراديب الماضي السحيق، نمضغ كلمة مالك رحمه الله : لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ونظن أن ذلك معناه أن نبقى في القرن الأول من عصر الرسالة، بنفس أساليب حياته، ونفس أفكاره، وعلومه !
إني لا أفهم من تلك الكلمة أن يقود ماضينا حاضرنا، ويكبل مستقبلنا، بل أفهم من ذلك أن يكون الحافز الذي غير فكر الصحب الكرام ونقلهم تلك النقلة العجيبة من كهوف الظلام والضلال حتى أخرجهم إلى نور الحق وفسيح الأرض.
الذي أصلح حال السلف ليس البقاء على إرث الآباء، والتمسك بأفكار الماضين، بل هو العكس تماما، إذ نبذ السلف دثار التقليد الأعمى، وبدأ مع نزول (اقرأ) استخدام العقل، بعد تعطيله لقرون طويلة، ودارت عجلة التغيير، تغيير الواقع المر، المملوء ظلما وتخلفا وشركا، بالمسلّمات العقلية الباهرة الظاهرة، فتحوا أعينهم على ما كان بين أيديهم، لكن غشاوة التقليد لما وجدوا عليه آباءهم أبت أن تجعلهم يبصرونها ! كانت أمام أعينهم، لكنهم لم يستطيعوا أن يتنبهوا إليها، حتى جاء القرآن الكريم فأزال تلك الغشاوة، وجلا تلك الأبصار، فرأت ما كانت عنه عمياء، وتنبهت إلى ما كانت عنه غافلة.
بنفس الروح أريد للماضي أن يعتقنا من ربقة الحاضر المتخلف، لا أن يجرنا إليه، أريد من ماضينا أن يجعلنا نرى الواقع كما هو، وأن نستدل به على التطور والحضارة، وأن ننطلق منه إلى آفاق المستقبل، برؤية مستنيرة بهدي الوحيين، لا بآراء أناس بذلوا قصارى جهدهم بما فتح الله عليهم من علوم ذلك الزمان.
لو اتكأنا على الماضي ليكون حجر انطلاقة للمستقبل، وبناء للحاضر، لكان أولى من جعل الماضي مكبلا لنا في خصومات ونزاعات وآراء نتصارع من أجلها، ونضعف، ونتفرق.
لو فعلنا لكنا متربعين على عرش الحضارة التي كنا رأسها وقمتها !
ويجب أن نقر بأن في ماضينا ما لا يناسب حاضرنا، وما كان انفلات الغرب الديني إلا بعد أن تبين لهم عمق الهوّة بين ما توصل إليه العقل البشري من حقائق علمية تخدم الحضارة، وبين ما تقرره الكنيسة من معتقدات وشرائع منها ما حُرّف ومنها ما فهم على غير مراده، ومنها ما يصلح لوقت دون وقت .
لقد نشأت في صفوف المدعين التمسكَ بالماضي جملة وتفصيلا ناشئة تدافع وتقاتل عن آراء ومناهج غُيبت بها مفاهيمُ إسلامية ونظراتٌ فقهية من شأنها أن تسير بالأمة في الاتجاه الصحيح، فلم تفقه تلك العصبة التي أعطت لنفسها حق تغييب العقول، لم تفقه واقع الأمة ولم تستطع التأقلم مع المحسوس والمشاهد، فمنهجهم منهج إخضاع الآخر أو رميه بالكفر والفسق والزندقة، فتجدهم في كل فجاج الحياة يذودون ذوي العقول عن مواكبة ولحاق الحاضر، فمن ينبري لنقدهم وتبيين مواضع أخطائهم فتهمة "خارجي" قد أعدت له ولمن هو مثله، ومن يتكلم فيما يحق للمرأة أن تفعله وتسلكه فهو ضال وخبيث ومميع للدين، ومن يُظهر رأياً صائباً غُيّب وتغوفل عنه لمخالفته سلفيتهم فذاك مخالف للسواد الأعظم والفرقة الناجية، ومن يجتهد ويستنبط من الشريعة السمحة حكماً منزلاً على واقع يتحدث أهله بلغة الأرقام فذاك في نظرهم متجرئ على اقتحام أبواب جهنم، ومن.. ومن.. ومن الخ!
إذن سنظل نسير إلى الوراء، مكبلين بسلاسل الماضي، ما لم نضع أيدينا على موضع الجرح الذي إن لم نضع له حدّاً فسينتشر في جميع أعضاء الجسم وحينئذٍ لن نتحدث عن نبتة، بل سنتحدث عن غابة ذات شوك وأدغال، والغريب في سياق المقارنة أن هؤلاء المتنطعين الغلاة - على تكفيرهم وتضليلهم وتبديعهم لمخالفيهم – لا يقرون بجمود عقليتهم وتحجر أفكارهم، وعقم فقههم ولا يعترفون بكونهم وضعوا بذوراً تذوق الأمة اليوم بعض علقمها.
1
منور
2014-09-05 14:35:47الاختلافات بين البشر سنه كونيه وحدثت بين الصحابه وتحاربوا لكن الغريب ان اختلافات المسلمين مدمره يذبحون بعض ويكبرون منذ عهد الخليفه عثمان الأمه المسلمه الأن اهون امه على وجه الأرض واقع مؤلم انا لله ونا إليه راجعون
2
أبو نواف
2014-09-02 22:11:04كلام جميل...ورؤية جيدة...وأراها عين الوسطية...بورك فيك.
3
ابوفهد
2014-09-02 01:20:22نحن نحبك في الله ياشيخ عادل لكن طرحك هذا خاطيء وفيه نبذ لموروث الأمة العظيم وأعلامها العظماء ولاينبغي أن تتناول مقولة الإمام مالك رحمه الله بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب الغامض أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من الزلل كما أسأله سبحانه أن يسدد أعمالنا وأقوالنا وأن يغفر خطأنا وإسرافنا في أمرنا والحمدلله رب العالمين
4
محمد علي الخلفان
2014-09-01 23:23:35مااحوجنا الى شيوخ مثلك ومااحوج المسلمين لقلم ناصح امين يخطه يراع مؤمن بالله ورسوله.. جزاك الله خير
والله ان مقالتك ياشيخ وجبة ايمانية خاليه من الغلو والتزمت والتطرف
واكثر الله من امثالك ونفع الله بك الاسلام والمسلمي وخير العباد
ولك تحياتي
5
ابراهيم السويد
2014-09-01 17:51:49كلام جيد وأعتقد ان الغرب لم ينجح الا بعد ان أقصى رجال الدين الكنائس،
6
غالب النهاري
2014-09-01 16:36:57كلام جميل ورائع وفعلا لابد من أن نشد أيدينا ضد أي تخلف وإحتلال لوطننا الهربي من قبل المجوس وغيرهم قبل أن يقع الفارس بالراس. وشكرا شيخنا الفاضل وبارك الله فيك
7
ابو الفقراء
2014-09-01 02:48:43الاراضي المحتكره لالالالالالالالالالا عمروهااا واستفادو
او باعوهااا لمن يعمرهااا
الاراض البيضاء معطله للتنميه وحركه القتصاد
الايوجد حل شرعي لهااا
8
أم رنا
2014-09-01 00:11:15السلام/ لِمَ لا تضع النقاط على الحروف ؟ كل ما ذكرته نعيشه واقعاً بين شيوخ يدّعون أنهم وسطية وهم منتهى التطرف ! ألم يقل أحدهم أن المرأة لديها استعداد للاستجابة لفاسق إذا ما أُبيح لها قيادة سيارتها !
9
م.ابوعبدو
2014-08-31 22:05:51سبب الأمن الوارف الذي تعيشه المملكه بعيدا عن قلاقل الجوار السلف الصالح الشافعي وابن حمبل
10
أبو خالد
2014-08-31 21:24:34فضيلة الشيخ عادل لقد أصبت فيما قلت جزاك الله خيراً، المطلوب ممن يتصدرون مجالس الملك ويقدمون في ذلك المجلس، أن يجتهدوا كما اجتهد السابقون، لا أن يرددون ما قاله السابقون، الإجتهاد الفقهي لابد وأن يكون صالح لعصرنا، لا لعصر من سبقونا، ولنعد للقرآن الكريم مصدر التشريع الأساس لنا كمسلمين.
11
أبو عبدالله الثاني
2014-08-31 20:38:47رائع يا شيخنا المفكر..
12
brhom
2014-08-31 19:41:50المقال سوف أقرأه مره ثانية
الشيخ رش بوجهي ماء بارداً
13
السحاري
2014-08-31 19:12:45ذكرت
14
عبد الله الصالح ,,
2014-08-31 19:10:46إقتباس " لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ونظن أن ذلك معناه أن نبقى في القرن الأول من عصر الرسالة، بنفس أساليب حياته، ونفس أفكاره، وعلومه !"
القرن الأول هو خير القرون فليتك تُفسر لنا المقصود بكلامك بارك الله فيك.
15
صالح محمد علي بطيش
2014-08-31 19:01:40بارك الله في قولك وعملك ونفع بك البلاد والعباد
العلم مصدر الحرية
اقرأ حررت عبيد الجاهلية من الجهل
اذا أردنا الحرية علينا بالعلم
16
الجنوبي
2014-08-31 18:52:42في كل دول العالم يختلف الناس والأحزاب
ولا يخرج أحد أحد من وطنيته ولا من دينه ولا من
إنسانيته إلا عندنا عندما يختلف أي إنسان
الحزب الوحيد الموجود الحزب الديني المتطرف
فإنهم يفسقونك ويخونونك ويكفرونك ويؤذونك
ويؤذون أهلك ومن له صلة بك ويصفونك بعميل
السفارات وإني أشفق عليك مما سيفعلون
17
محمود
2014-08-31 18:46:31كيف تريدنا أن نقبل منك وأنت لم تحقق معايير الفقيه علماً وسيرة وعملاً أنت محسوب على تيار غامض.
18
الجنوبي
2014-08-31 18:46:16ليست المشكلة في وجود التطرف لأنه كان محصور
في منطقة واحدة من مناطق المملكة عاشت على
مدى التاريخ الإسلامي منغلقة متخلفة بعيدة عن
حواضر المسلمين وفجأة سمح لهم بفرض عاداتهم
وتقاليدهم باسم الدين على كل مناطق المملكة
إذا المسكلة بدأت عندما منح المتطرفون السلطة
على المجتمع بعيد ثورة جهيمان والخميني
19
أ. د / محمد محمود محمدين
2014-08-31 17:35:54أتفق معك في بعض ما قلت وأختلف معك في أبعاضه الأخرى، وكثيرا ما نسمع من يقول كيف نتقدم للأمام ووجوهنا للخلف أي للماضي، لكن الحقيقة التي لاتنكر أنه لولا التمسك بنتائج التجارب الماضية والاحتفاظ ببعضها لما تقدمت البشرية، ومن الأمثلة الشعبية التي تؤكد ذلك : ( مين ساب قديمه تاه ).
20
سغران الثمالي
2014-08-31 16:04:24لماذا التهجم على المنابر في هذا الوقت بالذات سؤال نريد له إجابة صارمه وواضحه من المشايخ الفضلاء العقلاء
أليس لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنه ؟
اليس المنبر في عهده جزء لا يتجزأ من المهسجد الذي خرج إجيال يحتذى بهم ؟ ليس المنابر بل العقول التي ران عليها من ما رأت من حضارة زائفة
21
احمد
2014-08-31 15:53:38التأسيس لمنهج جديده في الرؤيه لا يقوم على ردة فعل لسلوك مرفوض.. بل ينطلق من رؤيه محيطه بالفقه واصوله والواقع وتشعباته.. فدارسة الفقه والواقع هما مصدر التأسيس لفقه جديد.. اما ملاحقة سلوك واخطاء الاخرين وتكوين رؤية تأسيسه على ذالك فهو نوع من ردود الافعال لا بناء العقول والافكار..
22
احمد
2014-08-31 15:49:43كلامك في العموم جيد يا شيخ.. لكن نحتاج الى تفصيل اكثر وتوضيح اكثر وتفهيم اكثر.. لان الكلام الذي قلته عام حمال اوجه يفهمه كل تيار فكري بما يوافقه.. التفصيل هو المطلوب.. والشيطان يكمن في التفاصيل.... قصدك ضاع بين اسطرك يا شيخ.. فجو مقالك ضبابي وغير واضح.. وفهم رسالتك في مقالك مثل امساك الزئبق
23
عبدالله الشهراني
2014-08-31 15:48:32احسنت فضيلة الشيخ بارك الله فيك هذا ما نتمنى النظر له بجدية ولكن لن يتحقق الا بالإلحاح والمداومة والتجديد المستمر وتوسيع الافق في الحال والمقال، وفق الله الجميع
24
عبدالرحمن
2014-08-31 14:46:06لو أنك بينت ووضحت مرادك من تغريدتك المسيئة التي طار بها اللبراليون وأهل البدع ومبغضي السنن لكان ذلك أولى من هذا المقال الإنشائي الذي سبقك إليه البعض.
25
ajeeb
2014-08-31 14:16:28من بنى كل علومه ومعارفه على اثار الماضي، لا يستطيع الحفاظ على المشيخة والاستكبار في الارض في عالم معاصر الا اذا اعاده الى اثار الماضي، ولو بالسلاسل.
26
خالد الناصر
2014-08-31 14:13:54أقولها لك بكل صراحة انت تنتقد السلفيين من منطلق حزبي اخونجي وإلا لماذا لاتنتقد الاخونجية ؟
27
حسين
2014-08-31 14:10:12ان شيخنا هومن الجماعه التي ينقدها وترعرع فيهم ومظهره منهم والعوده للخيرفضيله لم يكن تراسنا الديني عايقا ابدا ولم اره اعاق في عالمنا العربي ابدا ولعل صحوه شيخنا المفاجياه امرشخصي لك كل الاحترام والتقدير
28
عبدالله
2014-08-31 13:19:15كلام سليم المشكله هي استغلال المنابر.. المنابر هي لتعليم الناس وعرض مشاكل حاليه وحث على مكارم الاخلاق وحقوق الناس والغريب انها اصبحت لتمرير راي في دوله او نظام او نقد مسئول لايتجاوب وكانه صحيفه. هنا مكمن الخطر فسوف يستغل اخرون لتمرير راي ارهابي وينسبونه الى كتاب او عالم ليخرجو من اللوم مثل غيرهم
29
عبدالله
2014-08-31 12:38:07مادام التهييج في تويتر وعلى المنابر موجود فسوف يستمر الغلو للطرفين.وكل يرى انه على حق وينتقد من يشاء ولايهم ان يؤثر ذلك على الناس ويخلق شوشره عليهم. اذا كان طالب العلم له راي في قضيه معينه فعليه تاليف كتاب علمي عند رايه ز ليرد عليه الاخرون والتاريخ شاهد عليهم او ضدهم