أهداني أحد الأقرباء ساعة رولكس أثناء وجودنا في الصين.. وبسرعة حاولت تذكر إن كان المنصب الذي أشغره يستحق هدية ثمينة كهذه.. ولكنه سرعان ما وضعني في مستواي الحقيقي حين ذكرني بموقعنا وصارحني انها ساعة مزورة وان ثمنها لا يتجاوز 23 دولاراً!!

وكي لا يلاحظ مشاعر الإحباط التي شعرت بها، شغلته بمحاضرة طويلة عن صناعة التقليد في العالم؛ فالبنك الدولي يقول إن الصين وتايوان وتايلند وهونج كونج والفلبين وإندونيسيا تأتي على قمة أعظم الدول في تزوير المنتجات في حين تحتل إيطاليا المركز الأول بين الدول الصناعية وتشتهر بتزوير لوازم الموضة وقطع السيارات.. بل وسيارات فيراري الرياضية...

أما سيدة الجميع فهي بلا شك الصين التي تمنحك دائماً خيارات تتراوح بين التقيلد والتزييف وإعادة التصنيع.. أذكر حين زرتها قبل ثلاثة أعوام كيف كانت الماركات والأجهزة المقلدة موجودة في كافة الأسواق وبنوعيات متفاوتة ويقف سماسرتها في الشوارع لاصطياد السياح.. ومع أن معظمها جيد الصنع تباع بثمن بخس لدرجة تتساءل عن هامش الربح وكلفة التصنيع الحقيقية.. فأنا مثلاً عرضت عليّ أجهزة وماركات عالمية تزيد قيمتها الحقيقية عن ثلاثة آلاف ريال ب1000 يوان فقط (وهو ما يعادل 570 ريالاً) وفي النهاية يقبل صاحبها بيعها بربع هذا المبلغ!!

والتزوير رغم محاولات القضاء عليه مايزال صناعه قائمة بذاتها تفوق في حجمها التجارة الخارجيه لدولة كبيرة كروسيا. وتقدر القيمة الاجمالية للمنتجات المزورة ب5% من قيمة التجارة العالمية وتكلف سنوياً 100 مليار دولار وتؤدي إلى ضياع 250 الف وظيفة سنوياً للشركات الأصلية.. وهناك بعض الماركات العالمية المعروفة (مثل رولكس ولاكوست وكارتيه وكريستيان ديور) قد يشكل المقلد منها 80% من الموجود في الأسواق الأمر الذي اضطر كارتيه الى منح أشهر مزوريها في تايلند وكالتها الأصلية!!

وفي حين يمكن التغاضي عن الأجهزة الكهربائية والسلع الكمالية، يعد تزييف الأدوية خطراً يفوق أي وباء عالمي.. وتشتهر دول مثل تركيا واليونان ونيجيريا وإيطاليا بتقليد عقاقير يتزايد الإقبال عليها مثل الزانتك والفياجرا والكابوتين وأدوية الصداع والكولسترول.. وفي أغلب الأحيان لا يتطلب الأمر أكثر من طبع لصقة مماثلة للدواء الأصلي وزجاجة تضم محلولاً من النشاء أو السكر في حين يتكفل وهم المريض بالباقي.. وإذا علمنا أن مبيعات أهم 50 دواء تتجاوز 20 مليار دولار في العام لأدركنا الدافع وراء تقليد أكثر العقاقير رواجاً في العالم مثل كريستور وسينثرويد ونيكسيوم والفينتولين (حيث يُقدر المقلد منها خارج أمريكا وأوربا ب 37%)!!

وبطبيعة الحال تحاول الدول المصنعة ملاحقة المزورين فى العالم الثالث وتضغط على الحكومات المعنية لمكافحته.. غير أن "الحكومات المعنية" تتصنع الموافقة وتقوم بحملات مفبركة لإرضاء الدول المصنعة قبل أن تستأنف ورش التزوير عملها مجدداً..

أضف لهذا تنظر الدول الفقيرة إلى صناعة التقليد كرافد أساسي للعملات الصعبة وقطاع يوظف آلاف الأسر الفقيرة وبالتالي لا ترغب بمنعه نهائياً.. بل إن بعضها لا يتردد في تقليد العقاقير المكلفة حين تتجاوز أسعارها قدرة السكان المحليين ومثال ذلك تصنيع أدوية الإيدز الأمريكية في تايلند والبرازيل وجنوب أفريقيا بعُشر قيمتها الحقيقية!!

  • المقال في 23 كلمة:

قليل مما تراه في منزلك لم يصنع من قبل الشركة التي تحمل اسمها.. فهو إما مقلد أو مزيف أو صنع بإذن منها!!