تحول النساء إلى أرقام بعد أن اختفت أسماؤهن وأشكالهن وأصواتهن وأحلامهن وخطط مستقبلهن، هاجس الفنانة في هذا المعرض وهاجسها في معارض أخرى حيث تنبش دوماً على صاحبة هذه الهوية الغائبة، اسماً ومضموناً
انتهى هذا الأسبوع معرض الفنانة السعودية منال الضويان، الصدمة/Crash، في فضاء المشاريع بمتحف: المتحف العربي للفن الحديث بالدوحة، فكان ذلك لحسن الحظ قبل انتهاء الإجازة. ومنال فنانة بدأت بالتصوير الفوتوغرافي الفني ثم طورت هذا الفن إلى ما يعرف بفن ال installation حيث تقوم بتصميم أفكار فنية ثلاثية الأبعاد كبيرة الحجم تحتل مساحات تعبر عن الفكرة بأكثر من شكل والتي تتمركز المرأة في أكثر مواضيعها. وقد شاركت في العديد من المعارض الدولية واقتنت أعمالها الكثير من المتاحف العالمية مثل المتحف البريطاني، متحف لا كونتي، المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث وغيرها. وهي تعد من الفنانات المهاجرات، فتعيش وتعمل بين الظهران ودبي.
وهذا المعرض هو من نوع مختلف، تجريبي بامتياز حيث يمتزج فيه الفن بالقضية بالبحث العلمي بالتوثيقي بالإنساني. موضوعه ظاهرة الحوادث التي تكون المعلمات ضحيتها على طرق المملكة العربية السعودية في طريقهن إلى مدارسهن في القرى النائية واللاتي يتحولن بعدها إلى رقم في سلسلة التقارير التي ترصد الخبر. وتقول منال في بيانها: "يختبر "الصدمة" قوة الصورة المفردة عند إزالتها من كمّ البيانات ومصادر الصوت والفيديو التي نعيشها كل يوم. أنا أخوض التجربة مع الذاكرة لأعرف كم من الوقت يمكن للذاكرة أن تعلق فيها صورة فردية واحدة مقارنة بالكم الجماعي للبيانات، في محاولة لتحريض التذكر".
تحول النساء إلى أرقام بعد أن اختفت أسماؤهن وأشكالهن وأصواتهن وأحلامهن وخطط مستقبلهن، هاجس الفنانة في هذا المعرض وهاجسها في معارض أخرى حيث تنبش دوماً على صاحبة هذه الهوية الغائبة، اسماً ومضموناً. لماذا لا تدون الصحافة الإخبارية أسماء هذه الضحايا إلا في النادر بينما لا يخلو خبر من اسم مدير الدفاع المدني الذي تابع الحادث أو المسؤول الكبير في المنطقة. التساؤلات التي يطرحها هذا المعرض لا تنتهي والمسافة التي تقبع بين الفن والتوثيق العلمي جديرة بالتأمل. فقد قامت في هذه القاعة الورشة بتحويل الجدران إلى سبورات للكتابة لاسيما بكتابة الإحصاءات المحورية مثل: نسبة الحادث لكل معلمة، نسبة الحوادث في كل منطقة، نسبة نجاح الفحص الدوري للسيارات والحافلات، نسبة السيارات التي لم تُفحص، الأمن والسلامة الغائبة، معدل معاش المعلمة الذي يبلغ 5000 والذي سبب صدمة لمن يمر عليه. ثم معدل ما تدفعه المعلمة الواحدة للسائق والذي يبلغ ما بين ألف ومائتين، وألف وخمسمائة ريال، وغيرها من البيانات. ثم ترفع خريطة ضخمة للمملكة وقد كبّرت لتغطي جداراً كاملاً عند الدخول وصورة من أول خريطة جيولوجية للسعودية وتعود إلى أربعينيات القرن الماضي. ويلي ذلك الجدار الأكبر والذي وضعت عليه مصورات لأخبار الحوادث على صفحات A3 الكبيرة ألصقتها بلاصق الورش الصناعية مع بعض التوضيحات الجانبية المسجلة على الجدار نفسه، وعلى جانب الجدار شاشة إل سي دي لبرنامج الثامنة مع داوود التي خصصها لقضية المعلمات مع سماعة معلقة بجانبه لمن يريد أن يستمع إلى الحوار والنقاش. وتمتد المصورات على كامل الجدار حتى نصل الزاوية التي وضعت فيها شاشة بحجم مختلف وتحمل مقابلات أجرتها الفنانة معي ومع كاتب قطري (د.أحمد عبدالملك) حيث أتحدث عن الموضوع من زاوية تأريخ القضية وكيفية التعاطي معها في الصحافة المحلية ودلالات اختفاء أسماء هؤلاء النساء تاريخياً واجتماعياً. ووضعَت المقعد الذي جرى عليه الحوار تحت الشاشة المذكورة وسماعة اختيارية للاستماع للحوار الجاري. ثم يأتي الجدار الثالث والذي نشرت عليه مصغرات لكل ما يظهر لمن يبحث عن حوادث المعلمات على جوجل للصور، وتحتها شاشة كومبيوتر مكتبي تعرض تسجيلاً حياً لسيارة تلحق إحدى حافلات المعلمات ترصد سرعتها على الفيديو طيلة ساعة كاملة، كانت سيارة المعلمات تتعدى سرعتها المائة والخمسين في غالبية مسافة الطريق. وعلى جانب طاولة الكومبيوتر ملف يدعى ملف التويتر يحمل التغريدات التي تناولت وتابعت حوادث المعلمات وبعضها يحمل تغريدات المعلمات أنفسهن قبل أن يقضين. ويمتد الجدار بعد ذلك ليحمل صوراً ضخمة لتفاصيل حوادث السيارات من الداخل وما تبقى من عجين الحديد وكراسات التحضير وعباءات المدرسات وزمزميات القهوة. لنصل إلى جدار صغير حيث يعرض فيديو إعادة تصور لمقابلات مع معلمات يحكين قصصهن قبل وفاتهن تقوم بأدائها فتاتان قطرية وسعودية تدرسان في جامعة نورث وسترن، مع ترجمة نصية وسماعة معلقة لمتابعة قصة كل واحدة وهي تحكي عن كيف يبدأ يومها من الساعة الثالثة فجراً لينتهي مغرباً وبعد أن تودع أطفالها وهم نائمون في فراشهم وتمضي ولا تدري إن كانت ستعود، لتعود لهم في نهاية الشهر بما تبقى من الخمسة آلاف ريال والتي تتضاءل إلى ثلاثة وربما أقل في حال دخلت في جمعيات أو قروض بنوك. الجدار الأخير يحمل المزيد من الإحصائيات وعدد من قضت خلال ثلاثة أعوام والتي تسجله إحدى الصحف والذي يصل إلى أكثر من مئتي معلمة. ونفس الجدار يحمل مناقشات وتعليقات وأعمالاً فنية أدبية كتبت عن المعلمات ضحايا حوادث الطرق، شعراً ونثراً.
وتتوسط القاعة طاولة عليها آلة طباعة كومبيوتر التي استخدمت في إنتاج مادة المعرض، والعديد من الكتب والدفاتر والأقلام وكل عدة العمل التي رافقت هذا العمل الفني الواقعي التوثيقي الذي يوازن كما تقول: بين التمثيل الوقائعي والجمال البصري في محاولة لوقف المأساة من خلال مشاهدين يستلهمون الموضوع.
كانت تجربة حضور المعرض صادمة مثل اسم المعرض، "صدمة"، ومليئة بالانفعال والتفاعل. كانت محاولة تبسيط وتخفيف الأمر أمام طفليّ صعبة بحد ذاتها وإن كانت ذاكرتهما ستحمل دوماً المعاناة التي تعيشها المعلمة في السعودية لتوصل العلم إلى أطفال المملكة في كل مكان. سؤالهما: لماذا عليها أن تموت ليصلهم العلم؟ وأقف عاجزة عن الرد، كيف أتحدث عن الفساد أو عن تقاذف الوزارات المسؤولية بعضها على بعض وتنصلهم منها، أو انتقائية الصحافة لكيف تنشر الخبر، أو استعرار بعض الأسر من ذكر أسماء بناتهم وكأنها عورات أخرى حتى في مماتهن، أو عن الضمائر الغائبة التي تواطأت لمحو هؤلاء النساء من خلال صور حوادثهن المكررة التي تصل بالمتلقي إلى حالة الاعتياد والتبلد.
تكتب منال الضويان أيضاً: "يحاول هذا المشروع جمع بيانات محسوسة يتم ابتكارها من قبل فنانة تعيد استخدام الصورة، ليس لتعكس صورة لهذا الحدث، وإنما لخلق تمثيل عاطفي مرئي لهذه الخسارات غير الموثقة المتعلقة بالنساء". هؤلاء النساء الإنسان.
1
سيد واو
2014-03-31 11:33:49صدقت ولكن مالك قبيل وللأسف من يقول هذا ينفخ في قربة مشقوقة لأن الزبد طغى على ماينفع الناس
2
Kingdom
2014-03-31 04:25:49هذه قضية تخص الرجل ايضا
فليس الرجل بمعصوم عن حادث سير أيضا
للأسف صار البعض عنصري في جنسة
3
أبو محمد بجد
2014-03-31 02:09:45عندما وقفوا رجال الدين في وجه تعليم المراه كانوا محقين كان لهم نضره بعيده فان زادة عن تعليم دينها وحفظ القران حدث للمراه خروج عن جادت الطريق تبرج واختلاط وحمل سفاح حيث كثر ألقطاء وتمرد من الزوجات وسفر بدون محرم
4
ابوصابر الصابر
2014-03-30 20:35:28ربما يسأل احدهم: طيب المدرس (مثلا) يتعرض للحوادث مثل المدرّسه، الجواب :لأ.المدرس له خيارات, يسكن فى نفس المدينه,يقود سيارته بنفسه أى وقت، أو(ينرزع) فى أى مكان، بينما المرأه محدد سيرها ومقرر وقتها ولابد سيرها مع سائق اوغيره,وهى ملفته جدا لأن تحت هذا القماش الواسع عظيم السواد(وحده)..!
5
مالك الساسي
2014-03-30 14:27:38ماشاء الله عليك د/هتون دائما تتلمسين مواطن الحاجات المهمة للمرأة السعودية برغم بعدك ولكن اتوقع انك تعملين ذلك من باب ان المسلمين كالجسد الواحد فشكراً لك دائماً
6
مازن المراكشي
2014-03-30 13:55:38(في نظر الدكتورة هتون )دائماً المرأة السعودية مظلومة ومبخوس حقها والرجل (السعودي) متسلط عليها بل المجتمع بأكمله محارب للمرأة !! هل هذا معقول ايها القراء ؟ وماذا تريد الأخت هتون ان تصل إليه المرأة السعودية أكثر مما وصلت ؟
7
nezar
2014-03-30 13:29:19اذا كنا نعرف اسماء ام الرسول عليه افضل الصلاة والسلام وزوجاته وبناته وعماته واسماء زوجات الصحابة وبناتهم وقريباتهم واسماء كل الصحابيات الجليلات رضي الله عنهن جميعا وارضاهن فمن اين اتينا ببدعة ان هوية المرأة عوره؟
8
أم رنا
2014-03-30 13:12:18السلام/ شكرًا لك وللمبدعة منال الضويان في رمي الحجر لتحريك المياه الراكدة ( المعلمات الممحوات من الذاكرة)
9
الناهض أبو عبدالرحمن
2014-03-30 12:02:53الازدوجيات في طرح مشاكل المرأة وقضاياها هي المشكلة بذاتها.. حيث تغليب مشاكلها الشكلية كالرسوم التشكيلية وتغليب وجوب عملها مختلطة وقيادتها للسيارة على مشاكلها ومعاناتها وقضايات المشتتة والمهمشة كالعنوسة والفقر والترمل والطلاق والعضل وتوظيفها في بيئة تناسبها كامرأة بأولوية التوظيف للمحتاجة.. الخ
10
الجنوبي
2014-03-30 11:02:23تبلد أحساسنا تجاه كل مشاكل المرأة
السعودية ولم نعد نشعر بها فكل شيء
يتعود عليه الإنسان لا يعود ينكره
المرأة المجهولة التي تعيش بدون
وجه ولا حق لها وتعيش في مستوى
أقل من العبيد.
11
فيحان
2014-03-30 06:29:09مبروك لمنال الضويان نجاح معرضها خارج وطنها مقال جميل شكرا لكِ شي طيب ويالتوفيق للجميع.