تمكنت وزارة الداخلية من القبض على أكثر من (422.000) مخالف هي حصيلة الحملات الأمنية التي انطلقت (بعد نهاية الفترة التصحيحية) منذ أربعة أشهر، وأظهرت الأرقام الإحصائية لنتائج العمل الأمني الميداني ضخامة الإنجاز الأمني، حيث تجاوز عدد من تم ترحيلهم أكثر من (290.991) مخالفاً، في حين تستكمل الجهات المعنية إجراءات ترحيل من يتواجد في مراكز الإيواء والذي يبلغ عددهم (260.38) مخالفًا ومخالفة، كما نجح حرس الحدود منذ بداية الحملة التصحيحية في اعتراض محاولات التسلل عبر الحدود والتي بلغت أكثر من (105.400)، وتظهر بالفعل ضخامة عمل الجهات المعنية.

بلاغ المواطن وتعاون «المقيم النظامي» يسهلان من مهمة رجال الأمن في الوصول إلى بقية الأوكار

وعلى الرغم من كل هذه الجهود وتضييق الخناق على العمالة المخالفة، إلاّ أنّها أظهرت بعضاً من الممارسات الجديدة التي تحاول الالتفاف على الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية ووزارة العمل. "الرياض" تقصت ووقفت على بعض من تلك الأساليب.


العمالة السائبة تحتمي ببني جلدتها وتوفر لهم العمل والمعيشة "أرشيف الرياض"

الرأس الكبير!

بدأت القصة عندما تعاون معنا "أبو موسى" -صاحب مقهى- و"أبو حاتم" -مدير المقهى سوداني الجنسية-، وأوكلنا لهما مهمة التفاوض معه وتعريفهم بنا، واتصلنا على "لقمان" وهو أحد العمال الذين يطلق عليهم "الرؤوس"، ويحمل الجنسية البنجلاديشية، وتقمص المحرر شخصية أحد أصحاب شركات المقاولات يرغب في عدد كبير من العمالة يتجاوز ال(300) عامل؛ نظراً لحاجتة الماسة للبدء بها في مشروع ضخم، وتم الاتفاق مع "لقمان" على المكان والزمان للاجتماع به، فحددنا معه إحدى مقاهي الكوفي شوب بالدمام، والتي تقع داخل استقبال إحدى الشقق المفروشة.


حضر "لقمان" ويظهر "رحيم" يراقب تحركات "أبو حاتم"

جس نبض

وبعد تجهيز "عدسة الجوال" بطريقة لا يمكن رؤيتها حيث اضطررنا لاستخدام كاميرا الجوال حتى لا يكشف الأمر، بعدها اتصلنا به لإبلاغه بحضورنا في المكان، لنتفاجأ بأنّه يبلغنا أنّه سيحاول اللحاق بالاجتماع، نظراً لانشغاله، وسيرسل أحد أبناء جلدته ويدعى "رحيم" بالنيابة عنه، وسيلحق به متى ما استطاع ذلك، وبالفعل قدم "رحيم"، وتم الجلوس معه، والذي ظهر عليه الحرص بشكل كبير، وكان مرتبكاً، فنجحنا في تهدئته عن طريق إظهار جديتنا وحاجتنا للعمالة بأسرع وقت، لنكتشف بعدها ومن خلال الحديث معه أنّ "لقمان" أرسله أولاً ليس بسبب إنشغاله كما قال، وإنما ليتأكد من أننا لسنا جهة حكومية أو نسعى للإيقاع به.


"لقمان" يعرض رخصة إقامته حتى يطمئن عملاءه

عدم ضمان

بعدها اتصل "رحيم" ب"لقمان" وأبلغة بأن الأمور على ما يرام - كما فهمنا من إيحاءاته -، وأننا عملاء حقيقيون، ليأتي "لقمان" بعدها ب(10) دقائق تقريباً، والذي كان قريباً من الموقع -على ما يبدو-، وبدأنا في سماع الخدمات التي يقدمها، حيث أبلغنا بأنّه يستطيع تزويدنا بالعدد الذي نرغبة من العمالة، وفي المهن التي نريدها، سواءً المقاولات أو غيرها، مشترطاً أنّه لا يضمن العمالة بعد إيصالهم، حيث أنّ بعضهم لا يحمل إقامة، والبعض الآخر متخفٍ عن الحملات الأمنية، لنخبره أنّ مشروعنا يقع داخل إحدى المجمعات السكنية الكبيرة البعيدة عن أعين الرقيب، فوافق على الفور.


د.محمد القحطاني

سعر بالجملة

وعند سؤال "لقمان" عن المبلغ الذي يريد مقابل هذه الخدمة؛ أوضح أنّه سيتقاضى (60.000) ريال، أي أنّه سيأخذ (200) ريال عن كل عامل، بالإضافة إلى أننا سندفع رواتبهم طيلة عملهم بالمشروع، وعند سؤاله هل سبق وأن طلب أحد ما منك عمالة؛ كشف أنّ عدداً كبيراً جداً المؤسسات تطلب منه بشكل يومي عمالة، مبيّناً أنّه مثلاً يوفر عمالة للشقق المفروشة بكل يسر سهولة!، ولم يسبق أن واجه مشكلة في هذا الأمر على وجه الخصوص، مبرراً ذلك بأنّ الشقق عادة لا تشملها الحملات الأمنية، بالإضافة إلى أنّهم يستطيعون التخفي في أي لحظة يكون فيها تفتيشاً أو مداهمة من أي جهة، حيث أنّهم يعملون داخل تلك الشقق بمهن تختص بالنظافة ونقل الأمتعة وغيرها، موضحاً أنّه يحرص على أن تكون الجهة التي يوفر لها العمالة بعيدة عن الأعمال التي تكون مكشوفة للجهات الرقابية.

بعدها اتفقنا أن ندرس العرض ونرد عليه رافضاً جميع محاولاتنا لتخفيض السعر، مدعياً أنّه عرض مغرٍ قدمه لنا فقط لأننا سنطلب منه عدداً كبيراً، مطالباً بأن يكون ردنا سريعاً، حيث أنّ الطلب على العمالة في إزدياد، ولكي يؤكّد لنا أنّه لن يأخذ المال ويختفي أبرز لنا إقامته كضمان أنّه سيفي بكل ما طلبناه منه بعد إعطائة الأموال، فوافقنا وأبدينا له اطمئناننا من جديته، واتفقنا معه بأن يتم الرد عليه في أسرع وقت ممكن، وما زال ينتظر ردنا حتى إعداد التحقيق.

تراكم السنين

واعتبر "د.محمد دليم القحطاني" -أستاذ إدارة الأعمال الدولية بجامعة الملك فيصل بالأحساء- مثل هذه الممارسات التي يلجأ لها العمالة بعد القرارات الأخيرة والحملات الأمنية المكثفة أمر طبيعي، حيث أنّ لكل فعل ردة فعل، موضحاً أنّ العمالة تعودت على عدم الجدية في تطبيق القرارات والاستمرار في تطبيقها، فنجد اليوم بعض العمالة ما زالت تحاول الالتفاف على الأنظمة، وهذا نتاج تراكم سنين طويلة مضت، مبيّناً أنّ القوة لا تكفي وحدها، حيث ما زالت تلك الرواسب القديمة، بل يجب أن يتكاتف رجال الأعمال وأصحاب الشركات مع وزارة العمل، وقبل هذا يجب أن تكون وزارة العمل منظمة داخلياً، متسائلاً: "هل تستيطع وزارة العمل أن تقدم إحصائية واضحة لعدد من تستهدفهم خلال هذه الحملات، والحقيقة أنّها لا تستطيع بكل تأكيد، وهذا ما قد يتسبب في وجود فجوة بين العرض والطلب على العمالة، ويحدث عجزاً على مختلف المهن المطلوبة في السوق".

دراسة ميدانية

وبيّن "د.القحطاني" أنّ الحل هو أن تستعين وزارة العمل بالطريقة التي تتخذها مصلحة الأحصاءات العامة، وذلك بالاستعانة بمختصين في الإحصاء ودراسة السوق ميدانياً حتى تصل لأرقام حقيقية لعدد المخالفين، وكذلك أرقام واضحة لمعدل الطلب على الفئات والمهن المختلفة، وقياسها بالمعروض، وسد هذه الفجوة؛ حتى لا يكون هناك فئة متضررة من الحملات التي بلا شك بدأت قوية ومنظمة، وساهمت في التقليل من العشوائية السابقة بسوق العمل، ولكن المطلوب منهم الحد من العشوائية.

وأضاف أنّ التحول الكامل إلى المعاملة الإلكترونية بالنسبة لوزارة العمل أصبح ملحاً وضرورياً؛ حتى يتم القبض على كل متواطىء من رجال الأعمال والعمالة وبعض الموظفين، حيث أنّ ذلك قد يجهض كل الأعمال الإيجابية التي نفذتها الوزارة، مستشهداً بالإدارة العامة للجوازات التي تحولت من الطوابير الطويلة إلى إنهاء المعاملات من المنزل، وقطعت كل السبل التي قد تدور بعجلة التنمية التي نعيشها هذه الأيام إلى الوراء.

وأشار إلى أنّ وزارة العمل غيرت الكثير من معالم العشوائية التي كنا نراها في السابق، ولكن حتى تسير في المسار الصحيح وتصل إلى بر الأمان بهذا المشروع التنظيمي الضخم يجب عليها أن تتدارك خطواتها، وتقيمها باستمرار، فلا نريد أن يؤدي حل مشكلة ما إلى ظهور أخرى في مكان آخر، كما يجب عليها أن تمارس تطبيق أنظمتها على المنشآت بكل حزم من دون استثناء، وهذا لن يحدث إلا بالتوجه إلى المعاملات الإلكترونية بشكل كامل.