قد لا تكون فرنسا القوة الأولى في الاقتصاد الأوروبي، وترتيبها يأتي الثالث بعد ألمانيا وبريطانيا، لكنها من حيث التأثير العالمي فإنها مهمة وكبيرة، وخاصة على الدول الناطقة بالفرنسية، أو من يأتي لغتها ثانياً مثل دول المغرب العربي ولبنان..

وكأي دولة أوروبية تراعي مصالحها وتزن أدوارها وفق الظروف المتعاقبة، فقد كانت على عداء مع كل الدول العربية أثناء تحرير الجزائر غير أن واقعية الرئيس «ديجول» ووقوفه بحزم مع القضايا العربية أفرز نمطاً من العلاقات الجديدة، بل وكان الأكثر شعبية عند العرب من معظم زعماء العالم في ذلك الوقت..

ومثلما تمر العلاقات بتطورات ايجابية، وأحياناً سلبية، فإننا لم ندخل مع فرنسا في خصومات ساخنة، لكن الوقت الراهن جاء أكثر دفئاً وخاصة مع المملكة التي رفعت مستوى العلاقة إلى شريك عملي حيث ارتفعت المبادلات الاقتصادية إلى أرقام هائلة، سواء في التسليح أو البنى الأخرى، وزيارة الرئيس الفرنسي «هولاند» تتويج عملي لمرحلة أخرى، سوف تشهد تطوراً أكبر، سواء من توسيع دائرة المعاملات على كل المستويات، أو أوضاع المنطقة وخاصة الحالة السورية التي سخنت الأجواء العربية كلها ورسمت أدواراً لحلفاء يحاربون مع الأسد، وآخرون يقفون في صف الشعب وفرنسا لها علاقات حميمة مع سوريا منذ خروجها منها كدولة مستعمرة، لكنها أبقت على صلاتها من باب ديمومة تلك العلاقات، كذلك الأمر مع إيران، والتي أظهرت أنها الأكثر واقعية وصرامة في حوار (٥+١) حول سلاحها النووي، ولعل عودة فرنسا كقطب فاعل في المنطقة أمام تراجع أمريكا وتبعية بريطانيا لها، جعلها الأكثر قبولاً، وخاصة مع المملكة التي تدرك ميزة هذه العلاقة وتطويرها..

الملك عبدالله هو زعيم الأمة العربية بلا منازع، باعتدال مواقفه وصرامتها عندما تتعدى الأمور إلى الأمن القومي أو الوطني، وقد كان للقاءاته بالمسؤولين الفرنسيين قيمة عامة مدركاً أن الظرف الدقيق الراهن للمنطقة، يفرض تجاوز جميع الحساسيات، والاعتماد على خيارات التعاون المفتوح، لأن أهميتها ليس فقط بإمكاناتها المادية والبشرية، وإنما باعتبارها صلة الوصل بين القارات الثلاث وهذا يدعم دورها كنقطة التقاء وعبور لمعظم البضائع العالمية بما فيها الطاقة النفطية التي هي مرتكز الدعامة الصناعية في الاقتصاد العالمي..

(هولاند) امتداد للمدرسة الفرنسية ما بعد الحرب العالمية الثانية أي أنه يدرك أن اعتماد فرنسا على ذاتها ما بعد الاستعمار أظهرها كقوة فاعلة في الاتحاد الأوروبي، وكذا نسيج علاقاتها مع الخارج، والمملكة بالفعل صديق يلتقي معها على الكثير من النقاط الاستراتيجية، والزيارة سبقتها لقاءات على مستويات متعددة، بين الطرفين، غير أن لقاء القمة بين الزعيمين سوف يعطي زخماً كبيراً لآليات عمل المستقبل خاصة أن التحولات العالمية سياسياً واقتصادياً، وتنامي أعضاء جدد على الساحات الأولى في مراكز القوة مثل الصين والهند، تجعل فرنسا تأخذ دورها بين الكبار، وهذا لا يتأتى إلا من بناء علاقات جديدة تتفق ومصلحة كل الأطراف..