لفتت نظري قبل أيام صورة عجيبة لبقرة تستسلم لطفلٍ جائع يريد أن يرضع منها بعد أن تركته أمه، وهذه الصورة جزء من مقطع على "اليوتيوب"، وقد انتشر انتشار النار في الهشيم. هذا هو "الإحسان" وهو ليس سلوكاً بشرياً، بل الحيوانات تحسن أكثر من البشر أحياناً، لكن القصد أن يكون أسلوب الإحسان مشاعاً بين الناس. يقال إن "فرويد" يعتبر نظرية "قتل الأب" مرتبطة بمن تحسن لهم أكثر من غيرهم، ذلك أن الإحسان يكون عبئاً عليهم أو ديناً فإذا كانت نفوسهم طيبة أكبروا لك ذلك، لكن إن كانت سيئة فسيردون لك إحسانك لا بالكلمات الطيبة أو الشكر والمودة، بل ينازعونك العداء أحياناً وعلى حد قول أبي الطيب المتنبي:
وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ
وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَا
لكن بنفس الوقت هناك الإحسان الثابت، والذي لا يتعلق بإمكانية الشكر أو الدعاء أو الكلمة الطيبة، وهذا يجعل الإنسان محبوباً أكثر والشاعر يقول:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
لطالما استعبد الإنسان إحسانُ
ومن هنا تكون الأفعال التي نظنها صغيرة، من إحسان أو بذل وعطاء، يكون لها دوي كبير لا ندركه، نحتقر أحياناً هدية الزهور، أو إهداء الابتسامة، أو بذل اليد بالعطاء الصغير، لكن هذا العطاء قد يفرح عشرات قد تعرفهم أو لا تعرفهم. الإحسان له قوة كبيرة لتزكية الذات وتنقيتها من الشوائب، وفي البذل من السعادة ما لا نجده في الأخذ. والباذلون دائماً سمعتهم حسنة، وإن أراد أحد عضّ يدك فأعطه درهماً، فاسبق العدوان بالإحسان، وربما كلمة غيرت موقف، وابتسامة أشعلت مودةً ووفاءً.
قد ينسى المعطي لأنه كريم، والكريم هو الذي يعطي وينسى وليس الذي يعطي ويذكر حينها يكون باذلاً فقط لكن من دون "كرم" بالمعنى النفسي، الكرم الحقيقي أن تعطي وتنسى، لكن مهما نسيت سيذكر النبلاء من أحسنت إليهم كل الذي قمت به، لكن تأكد أن الخير يعود إليك، وما نبذله دائماً يعود علينا بركةً وحباً.
بآخر السطر، الإحسان مسألة تتعلق بالبشر والحيوانات أيضاً، فالذي لا يحسن هو ضد الفطرة الوجودية بأكملها، عافانا الله وإياكم.
1
saleh
2013-10-06 23:43:24نشتكي من "ثوارة" بعض السعوديين وهم يقودون سياراتهم في الطرقات غير مكترثين بالمارة أو من كان أولى بالنفوذ من الطريق. ونتبادل القصص عن تأدب السير والمارة في المجتمعات الغربيه دون أن يكون هناك رقيب. أليس هذ دليل على أفتقار سلوكنا للإحسان كممارسات ملموسة في الحياه!
2
ابو محمد
2013-10-06 22:22:33ان وجود الاحسان في الانسان دليل على الرحمه و الانسانيه الموجوده في داخله و التي زرعها رب العالمين
فاذا نزع الاحسان نزعت الرحمه و من نزعت منه الرحمه فهو شقي
3
أبو عبدالله الثاني
2013-10-06 21:42:48جميل يا أبو عبدالله..
تحياتي
4
متعب الزبيلي
2013-10-06 21:36:41هناك انسان ( معتوه ) انسان يعاني من اختلال، وطبعاً يتفاوت الاختلال بين شخص واخر، وهولاء هم غالباً يتخذون موقفاً مع من يعطف عليهم ويمنحونهم مادياً او حتى عاطفياً، ذكرنا يختلف "اختلالهم"ومن هنأ يأتي (الحذر)ولماذا، لكونهم يعانون هم "لهم تفسيرات حيال من يتعاطفون معهم"ويتخذون موقف ضدهم وتتطور المواقف احياناً الى تنفيذ الشرلمن احسن اليهم،ولتتأكد من ذالك تابع واسئل عن الحالة النفسية لمن يرتكب شراً ضد من فعل لهُ خيراً"وليس"ظاهره ولكن يبقى للخلل دوربالغ الأهمية
5
الحميدي الثبيتي
2013-10-06 21:26:23كلمات مدادها جمال الروح أخي تركي.. سعة ثقافة وروح شفافة
6
المرور أسوأ أجهزة الدولة
2013-10-06 16:44:09جميل والله
7
خالد العثمان
2013-10-06 14:37:35أحييك على المقال الرائع، كيف بهؤلاء من أدمنوا قتل شعوبهم واجرموا في حق انفسهم وشعوبهم، كيف يحيوون وكيف يعيشون ويتنفسون !!!