تسير قيادة المملكة على نهج بدأه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- منذ توحيد المملكة، وهذا النهج مستمد من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، الذي عليه ترتكز مبادئ الإسلام، ومناهجه الواضحة، ووسطيته العظيمة التي لم تخالف قبول أي من التشريعات والأنظمة العائدة بالنفع والمكاسب والفائدة لأفراد المجتمع؛ مما ساهم في تطور وتقدم البلاد وإنمائها، بحيث يكون هذا التطور بشكل متدرج متعقل، في ظل منهجية حكومية، وإرادة سياسية تدرك آليات وتوقيت التغيير المطلوب.
التغيير بالتعليم
وعندما نتحدث عن التغيير الاجتماعي نجد أنّ هناك من يرفضه دونما تحديد أسباب لذلك، أو يكون لديه أسباب غير مقنعة، أو أسباب لا توجد إلاّ في عقله الباطني، ومن الأمثلة على ذلك انطلاقة التعليم في المملكة فقد أدى قرار الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود القاضي بإنشاء مدارس التعليم النظامية وتوطين البدو إلى التغير الاجتماعي الذي كان تلقائياً وعشوائياً وليس مقصوداً لذاته، وهو ما يحدث نتيجة ما أحدثه الإنسان في واقعه الاجتماعي، وفي الجانب الآخر رفض المجتمع تعليم الفتاة، على الرغم من الأسس التي اتخذتها الدولة لفتح المدارس وفق الضوابط التي أقرتها في جعل تعليم المرأة، وتوجيه المناهج الدراسية وجهة إسلامية، وجعل التعليم مجانياً ليكون في متناول جميع أبناء المملكة، وكانت الدولة ترى أنّ التعليم حق مشروع للجميع، بغض النظر عن الفروقات الاجتماعية والاختلافات الجنسية، فالتعليم لا تقتصر أحقيته على ضرب معين من الناس، فكما يتلقى ابن الوزير قدراً مناسباً من التعليم فينبغى أن يتلقى ابن الفقير القدر نفسه، وكما يتلقى الفتى فى مختلف مراحلة العمرية التعليم المناسب لتلك المرحلة فينبغى أن تتلقى الفتاة القدر نفسه، وهذه أمور بديهية لا تحتاج منا إلى تفكير عميق، ولا إلى دراسة متفحصة لإثبات صحتها، ولنا أن نتذكر مقولة الملك "فيصل بن عبدالعزيز" -رحمه الله- عندما كان ولياً للعهد آنذاك لعدد من الأهالي الذين احتجوا على فتح مدارس للبنات: "إن فتح المدارس للفتيات هو أمر من جلالة الملك سعود، والذي لا يرغب في إلحاق بناته بالمدرسة فله الحرية بذلك".
تعليم المرأة
لقد كان للقيادة الحكيمة استراتيجية حميدة في استيعاب رفض بعض الأهالي لقرار تعليم الفتاة بوصفه من ردود الفعل العاطفية، وكانت حريصة جداً على الأداء بواجبها تجاه مواطنيها، لاسيما النساء، وبهذا المعنى فقد كانت رؤية الدولة لتعليم البنات تأتي في سياق خطة تنموية لاستثمار التعليم، من أجل ترقية المجتمع، وإحداث نهضة كبرى في المجتمع السعودي عبر تعليم البنات، وكانت تتفهم الواقع الاجتماعي وطبيعة المجتمع المحافظة، ولهذا لم تكن خطتها في تعليم البنات صادمة أو مستفزة للقيم الدينية والاجتماعية -كما حدث في بعض الدول العربية-، ولهذا عيّنت مفتي المملكة على رأس جهاز تعليم البنات آنذاك، وهكذا استطاعت الدولة السعودية في عهد الملك سعود -رحمه الله- تأسيس خطة وطنية لتعليم البنات، كانت بمنزلة النواة التي نهض عليها مشروع التعليم، وما تشهده المملكة اليوم من طفرة جبارة على مستوى التعليم إنما يعكس سداد تلك الخطة، ورؤيتها الاستراتيجية العميقة حيال مستقبل تعليم المرأة، ولم تقف ثمرات تلك الجهود عند هذا الحد، بل تطور ليأخذ طريق التعليم العالي متمثلاً في التعليم الجامعي، وتحصلت المرأة على أعلى الشهادات بفضل الله ثم بفضل جهود دولتنا، التي حباها الله بحكام متميزين محبين للعلم، ومشجعين على نشره، حيث بلغت البلاد قمة المجد والتطور في مختلف المجالات الإنمائية، وذلك بفضل تضافر الجهود، وبذل كافة الخدمات والتسهيلات، خاصة في حقل التعليم بشكل عام.
جامعة الأميرة نورة شاهد على مشروع دعم المرأة
مجلس الشورى
ومن ضمن الأمثلة على التشريعات التي أحدثت تغييراً في المجتمع؛ قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- من دخول المرأة كعضو في مجلس الشورى بالمملكة، وكان هناك من يرى وجود محظور شرعي واجتماعي في ذلك، والذين يخافون منها أو عليها تأتي الاجابة: "إنّ التوجيهات السامية التي جاءت بالمرأة إلى مجلس الشورى هي ذاتها التي طلبت منها الالتزام بالحشمة والتعاليم الإسلامية والتقاليد الحميدة"، وقد كان الاختيار للأجدر والأفضل وفق دراية مسبقة وتقصٍّ مستفيض، ولم يتم اختيارهن جزافاً، ومن لا يرى أنّ المرأة أهلٌ للثقة في بناء المجتمع والمشاركة في اتخاذ القرارات فكيف يضع بناته بين يديها وهي معلمة تغذيهم بالمفاهيم والمبادئ التي هي عماد مستقبلهم وركيزة أخلاقهم؟، وكيف يضع زوجته بين يديها وهي طبيبة تصف لها العلاج وتداوي جراحها وتطلع على ما لا يطلع عليه غيرها؟ لقد كانت نظرة القيادة منطلقة من أنّ المرأة السعودية حققت درجات علمية عليا، وحازت على الشهادات، وشاركت في المؤتمرات واللقاءات المحلية والدولية، وفازت في ميادين العلوم والمعرفة المختلفة، وعليه فإنّ المرأة في مجلس الشورى مثل المعلمة، والمربية، والطبيبة، والإدارية، تؤدي دورها تجاه هذا البلد المعطاء.
الإنتخابات البلدية
ومن الأنظمة والتشريعات التي أحدثت تغييرا لدى المجتمع هو قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية كمرشحة وناخبة، بدءا من الدورة القادمة في الانتخابات البلدية المحلية، كما أنّ هناك مشاركة فاعلة للمرأة في انتخابات الغرف التجارية والصناعية، ونجاح النساء في الوصول إلى المواقع القيادية عبر العملية الانتخابية يعدّ تحدياً كبيراً، ليس لصعوبته فحسب، ولكن لتثبت المرأة استحقاقها العملي الذي لم يبنَ على وجاهة، أو واسطة، أو شجرة عائلة، وقدرة الناخبات والناخبين على التمييز، والقدرة على قراءة المرشح الصادق من عدمه، والذي يعدّ تحدياً آخر؛ لضعف الخبرة الديمقراطية لدينا، لكنها خبرة تبُنى تراكمياً وزمنياً.
التعليقات