لقد بتنا اليوم نتعامل مع حقيقة واقعة، هي: انخراط المرأة في سوق العمل، لكن ما يزال هناك الكثير من القضايا العالقة والمترتبة عليها، إن لم تكن مشكلات أساساً في المجتمع وفي أنفسنا تحديداً. قالت إحدى الصديقات التي التقيتها قبل أيام: "إني مدعوة إلى حفل يدعو إلى تمكين المرأة، لكني لن أحضر، لأن هذا لم يعد ينسجم مع رؤيتي". كلماتها كانت صادمة وغير متوقعة لا سيما أنها امرأة عاملة وناجحة في عملها أيضاً، بل إنها من الأسماء الريادية في قطاع المال والأعمال.

في الواقع، قادني رأيها إلى التفكير في هذه المسألة، عندما بدأت تتحدث عن زميلاتها في العمل، ومدى ارتباطهن الأسري تجاه أطفالهن، تقول:" على المرأة العاملة أن تعي حقيقة، أنها لن تستطيع الحصول على كل شيء في آن معاً: أسرة وأطفال وعمل"، مشيرة إلى أنها تتابع زميلاتها عن كثب، وترى حجم الوقت الذي يقضينه في الحديث عن أطفالهن، وتحضير جدول مواعيد لأطفالهن مع غيرهم من الأطفال ليلعبوا معاً، والاتصالات الهاتفية التي تجريها العاملة ببيتها، للتأكد من أن الخادمة قامت بالأمور التي أُوكلت إليها.

إنها ترى أن هذا الحال غير منصف للمرأة العاملة ولبيئة العمل أيضاً؛ لما يترتب عليه من تشتيت ذهني يؤدي بها - في كثير من الأحيان - إلى الشعور بالإحباط وعدم الرضى عن أدائها تجاه أطفالها وأهلها، والتقصير تجاه وظيفتها.

وأثناء الحوار الذي دار بيننا، كان ثمة صديقة ثالثة، متزوجة ولديها طفل، وتعد من الأسماء اللامعة في مجال عملها لدى شركة عالمية، كما أنها مثال ناجح على المرأة التي استطاعت أن تبدع في بيتها وفي عملها، من خلال حسن إدارتها لوقتها. وفوق ذلك هي لا تنكر أن تأنيب الضمير الذي تشعر به باستمرار، هو ذاته دافعها إلى ذلك الإبداع. تقول: "أضاعف إنتاجي في البيت أثناء وجودي فيه؛ لأني أشعر بشيء من الندم على كل ساعة أقضيها بعيدة عن أسرتي". لكنها- في الوقت نفسه - تدرك تماماً أهمية دورها الوظيفي ومسؤولياتها، فتضاعف أيضاً من إنتاجيتها في العمل لتحقق مهامها بشكل تام وبراحة ضمير.

مما لا شك فيه، أن هناك تنظيماً أو فوضى؛ أي علينا أن ندرك تماماً مدى حاجتنا إلى خلق التوازن، الذي لن يكون بغير استثمارنا الناجح لأوقاتنا، وتضحيتنا بما هو ثانوي لصالح المهم والجوهري من الأشياء، لرفع إنتاجيتنا في البيت وفي العمل، وذلك ليس بالأمر السهل أبداً.

من ناحية أخرى، هل المؤسسات والشركات تعين المرأة فعلاً على تحقيق التوازن المطلوب بين خصوصية حياتها وبين عملها؟ فهناك مؤسسات ترفض تعيين المرأة الحامل، وأخرى تحرمها من المكافآت التي توزع في نهاية العام لغياباتها المتكررة، أو بسبب غيابها عن العمل في (إجازة وضع). فأين الإنصاف هنا؟ على الرغم من أن المؤسسة تنظر إلى الأمر بمنظور الأرباح والعوائد (وهو أمر طبيعي).

يقودني الأمر إلى طرح سؤال: هل هناك جهة حكومية تؤدي دوراً منظّماً وداعماً في الشركات الخاصة أو الحكومية، فيما يتعلق بإعطاء المرأة حقوقها كافة أثناء فترة الوضع مثلاً، كمدة الإجازة والأجور المستحقة. ومن ناحية أخرى تحفيز هذه الشركات وتعويضها، كما هو حاصل في الكثير من الدول المتقدمة؟

إن مثل هذه المسائل تحتاج منا النظر بجدية أكثر، إلى النتائج المترتبة على انخراط المرأة في سوق العمل قبل اعتباره واقعاً وحسب، لتدرك المرأة ماذا ينتظرها في هذا المجال. كما نحتاج إلى أسس واضحة، تحفظ حقوق الشركات والمؤسسات وحقوق المرأة العاملة أيضاً.

*رئيسة تحرير مجلة (فوربس- الشرق الأوسط)