تسأل المعلمة بنتاً في التاسعة من عمرها وهي على مقاعد الدراسة، كيف قضيت إجازتك، وما هي القصص التي قرأتها، وماذا فعلت؟
فتجيب بصدق: "قرأت (النظرات) و(العبرات)، والآن شرعت في قراءة (الفضيلة)، ومررت على كتب إخوان الصفا، فلم أفهم منها شيئاً".
هكذا كان أول عهدي بالقراءة، لم أذهب إلى مكتبة لأشتري كتباً بل بدأت بقراءة ما هو موجود في مكتبة والدي رحمه الله. فكيف لمن هم في عمري آنذاك، أن يستوعبوا كتابات مصطفى لطفي المنفلوطي من قصص ومقالات وخواطر وترجمات.. وغير ذلك، أو حتى يمرّروا أعينهم على أدبيات الفكر الماركسي والليبرالي والقومي؟
لا أنكر أنها كانت تتطلب مني الكثير من الجهد والوقت لأفهم جزءاً يسيراً منها، بعد معاودة قراءتها لمرات ومرات.
بداية التعلق بمطالعة الكتب كان سببها مكتبة صغيرة، صفحات كتبها صفراء كأنها تحيا خريف العمر، وتفوح منها رائحة حادة ومؤثرة على نحو جميل - لا سيما في الذاكرة - وقد نشأت هذه العلاقة الحميمة منذ الطفولة، فكانت بداية للبحث عن كل شيء جديد ووسيلة للتشبه بالكبار، فوجود الكتاب بين يدي كان حافزاً كافياً ليشعرني بأنني شخص مهم، شأني شأن أصحاب هذه المؤلفات؛ ودليل ذلك أن ماركيز كان يعيش بين أوراقي، والمنفلوطي أفكاره تحوم حولي، وطه حسين ينتظرني، غير أن نجيب محفوظ لم يستهوني بالرغم من أنني حاولت، لكنني أدركت لاحقاً أن هذا الرائع كُتب لنشاهده لا لنقرأه.
في ذاك الحين لم أكن أفهم محتوى الكتب التي تتوافر بين يدي، أو نوع العلوم التي تحتويها أو تقدم لها. كما لم أدرك حينها بأنه ينبغي لي أن أملك فكري الخاص الذي يؤهلني لأن انتقي ما يصح لي منها وما لا يصح، فالمرء - في آخر الأمر- لا يحسن به أن يثق بكل ما تقع عليه عيناه. لكنها كانت تجربة غنية في الأحوال جميعها بل خلطة غريبة من الأفكار التي يهدم بعضها بعضاً أحياناً، أو يتكامل أحياناً أخرى، حفزتني إلى البحث عن فكر ألتزم به منهجاً حياتياً، لأنهي قصة البحث في عالم الأفكار. لقد مررت-حتى الآن- على الكثير من المحطات الجديدة، والتي لم تعلمني بشأنها مكتبتنا القديمة، وفي الحقيقة يبدو أن رحلة البحث لن تنتهي أبداً ما دامت الحياة مستمرة في تعاقب الليل والنهار.
هنا - ولسبب ما - تستحضرني رواية باولو كويلو:(الخيميائي)، وبطلها الراعي الإسباني سنتياغو، الذي رأى حلماً راوده لأكثر من مئة مرة، يرى فيه كنزاً مدفوناً، فقرر البحث عنه في كل مكان. وبعد رحلة البحث الطويلة والشاقة عن هذا الكنز، والتي تعلم فيها الكثير من الدروس والعبر، عاد ليجد أن مكان الكنز المدفون هو المكان نفسه الذي كان يرعى فيه أغنامه.
إن المعاني التي تنطوي عليها هذه القصة كثيرة، ولكن ما يهمني هنا، أن الكنز هو (البيت) الذي نتعلم فيه (أول) كل شيء، ثم ننطلق منه في عملية البحث الشاقة لنعود إليه مرة أخرى.. البيت، الأم، الأب، الأسرة، هم مرادفات كنزنا الحقيقي؛ فمنهم تتشكل حياتنا وتتكون أفكارنا.
وبعد هذا، فأنا أتساءل عن أنواع الكتب التي لديك على رفوف مكتبتك العائلية، بناء على أن لديك مكتبة في بيتك أساساً!
ستظل مكتبة والدي (رحمه الله)، هي أساس انطلاق الرحلة، وإن كانت مليئة بكتب الفلسفة والفكر، أكثر منها إلى الاقتصاد وعلوم الواقع، لكنها أسهمت - دون أدنى شك - في ترسيخ علاقتي الأولى بعالم الكتاب..
*رئيس تحرير مجلة فوربس العربية
1
Nasser AL
2013-03-07 00:52:41مقال رائع جدا جدا !!!
2
نوال السعودية
2013-03-06 21:37:53لماذا لاتزود إدارة التعليم المدارس بالكتب علي غرار الجامعات لماذا لاتكون هناك مكتبة في كل مدرسة وهناك آلاف الكتب التي توسع آفاق الطلبةوالطالبات في شتي المجالات الثقافية لتوسع آفق المعرفة مثل كتب مبسطة عن الادب الانجليزي مثل ملخصات لمسرحيات عالمية او موسوعات مبسطة في العلوم والاختراعات وكذلك قصص ادبية ذات مغزي اخلاقي الخ وتكون هناك حصة للمطالعة في المكتبة ثم يكتب الطلاب ما استفادوه او مناقشة ماقرئوه مما ينمي فيهم الكثير
3
فنتاستك
2013-03-06 19:11:38يجب علينا كآباء وأمهات مسلمين ان نحرص على غرس حب قراءة القرآن في نفوس اولادنا وبناتنا ونحثهم على تدبره وفهم معانيه لأنه هو الباب الذي يجب الدخول من خلاله الى عالم القراءة الواسع وهو الأساس الذي يجب ان تبنى عليه الثقافة
4
موسى العجرمي
2013-03-06 18:07:28ينبغي لنا أن نحيي الكاتبة على أمرين: أولهما أنها أضاءت زمن الطفولة في نفوس القراء، وتلك الذكريات الجميلة والبريئة. وثانيهما أنها اشارت إلى مدى أثر البيئة المحيطة في تنشئة الجيل؛ وأهمية ذلك في تكوين ذاته وشخصيته حتى يمكن صقلها وتطويرها بعد ذلك.
5
ساره عبدالله أخصائيه اجتماعيه
2013-03-06 17:45:40قرأتي للكتب خارج اطار الدراسه بدأت من صف رابع ابتداىي كتب للوالده عن علم النفس والفلسفه وكتب الدين والكتب العلميه وحينما كبرت اصبحت اختار كتب انا اريدها وارغب في قراءتها مثل كتب الخدمه الاجتماعيه كتب تطوير الذات المتنوعه امتلئت مكتبتي بها وصقلت شخصيتي بها والحمدلله
6
azizsmno
2013-03-06 17:45:07هذه المقالة هل هي من باب تعلم كل شيء عن شيء ما لتكون مثقف
او تعلم شيء ما عن كل شيء لتكون عالم؟
الآن اصبح القارئ يناقش ويجادل الكاتب واصبح سقف الثقافة لدى القارئ مستع بحكم ما يدور في الشبكات العنكبوتية او المرئية وجميع وسائل الاتصال التي تختلف السابق،الجيل السابق كان امكانياته عن اذاعة "مونت كارلو الدولية"وما يدور في الصحافة العربية جيل ما بعد ازمة الخليج جاءت له ثقافة دون قيد او شرط بسبب الانفتاح السريع.. في السابق كنا نسمع بمقولة امة اقرأ..
الآن نود معرفة هل يفهم كل ما يقرأ؟
7
ابو عبدالرحمن
2013-03-06 17:02:25اللهم ارحم والدي و والديك وجميع المسلمين الاحياء منهم والاموات
8
awlama2007
2013-03-06 14:49:09القراءة فن نتعلمه من البيت ويحسنه المجتمع وتطورة المدرسه وتدعمه الحكومه اذا اردنا ان نكون امه واعيه
9
سعد الحوشان
2013-03-06 14:30:19لا عجب أن تلك البداية قادت إلى فكر عميق كفكرك ما شاء الله. للأسف، البيئة هنا غير مشجعة على القراءة، فيحتاج المرء إلى دافع ذاتي خاص لا يتوافر سوى لدى القلة، فيما البقية يحتاجون إلى حافز غير موجود، حيث لا تبرز قيمة القراءة والكتب في تحسين فكر المرء وحياته هنا.
10
طعيس
2013-03-06 14:14:52مقالك يا سيدتي موجه لطبقة ما فوق المتوسطه التاريخيه.. اذا كان والدي لا يعرف القرائه فهل تعتقدين اننا كم نحتاج جيل لتكون في بيتنا مكتبة..
11
متعب الزبيلي
2013-03-06 10:47:52شي وخاصة انني توقفت عند قصة الراعي الاسباني، سنتياغو، والذي تحمل المشقه والبحث عن الكنز في كل مكان، واخرتها يطلع الكنزالمدفون حوله وحواليه، في نفس المكان الذي يرعى فيه اغنامه، شف ه الحظ، ماخلا مكان الا وراح له، ليته بدا في الحورفه حواليه،
اوردتي عزيزتي الكاتبه الفكرالماركسي والليبرالي والذي اجدك تقولين الاجابة بمظمون الموضوع لايحسن بكل ماتقع عليه عيناه وهذان الفكريين هما فعلآ مما يفترض ان لاتقع عليهماعينان أي شخص مسلم،فهمامتعارضان مع ماتعلمناه من تعاليم اسلاميه