عندما يلاحظ الطلاب ملامح جدية ومثابرة على زميل يسمونه الدافور.

الدافور جهاز للطبخ. يعمل بالكاز ومازال يباع بشكل قريب من تصميمه القديم ولكنه يوقد اليوم بالغاز. لا اعرف ايهما سبق الآخر الكولة ام الدافور. صاحب دخوله البيت السعودي مع بداية تحديث ادوات الطبخ كأول بديل عصري عن الحطب والفحم. صادف زمن دخوله المطبخ السعودي تدفق عدد كبير من الشعب الفلسطيني البائس إلى الرياض. عملوا في كثير من المهن اليدوية بينها صيانة الدوافير. كانوا يجوبون الحارات وينادون (مصلح دوافير الكاز) ولأن الناس في ذلك الزمن لا تفرق بين الفلسطيني والسوري واللبناني. صار الجميع (اشوام). فارتبطت صيانة الدوافير بالاشوام.. في حال الرغبة في التعيير او التخاصم بين طفل سعودي وطفل شامي كان يناديه يا مصلح الدوافير ثم تطورت إلى الدافور فقط. عيارة سلبية ولكنها خفيفة لا تتضمن أي شكل من اشكال الاحتقار.

كان الاعتقاد السائد آنذاك أن عيال الاشوام اشطر من السعوديين واكثر جدية بطبيعتهم. اما حقيقة الأمر فتتعلق بثقافة البيت. كان معظم آباء زملائنا الطلاب الأشوام في ذلك الزمن على قدر من التعليم يفوق آباءنا وبالتالي كان أولاد الأشوام يحصلون على مساندة منزلية أكثر منا وفي اغلب الاحوال كان عيال الاشوام يحصلون على مساندة لا نحصل عليها ابدا. شيء طبيعي ان يصبح عيال الاشوام اشطر من السعوديين في الفصل. كان الطلبة السعوديون اللعابون والكسالى يحاولون الانتقاص من زملائهم السعوديين الجادين بتعييرهم بالدوافير. لا يمكن ان يعيرونهم بكلمة شامي. كلمة شامي كانت ومازالت كلمة إيجابية لا تصلح أن تكون عيارة فتحورت إلى دافور. فأصبح كل سعودي مجتهد أو يحصل على متابعة من منزله يعتبر دافورا. سألت ابنائي فاكتشفت انهم لا يعرفون لها اصلا يبدو انها افلتت من تاريخها وأصبحت تتحرك وحدها.

سمعت مرة مديرا في احدى الدوائر الخدمية يقول لاحد مرؤوسيه (لا تخلي كل من هب ودب يدخل). من الواضح ان كلمة (هب ودب) ترسخت في الاستخدام اليومي حتى فقدت معناها الظاهر على سطحها بوضوح. الكلمتان هب ودب لا يمكن أن تصفا حركة الإنسان. الإنسان لا يمكن ان يدب على الأرض فضلا عن ان يهب. الكائن الذي يهب هو الكائن الذي تحركه الريح كالهوام والحشرات. جمعهما معا يشي أن المقصود بهما وصف الحثالة من الناس.

يقودني هذا للحديث عن مصطلح شائع الاستخدام واظن كثيرا ممن يستخدمه لا يعرف اصله الحقيقي. تسمع الشباب يرددون بكل سهولة يا شيخ (اسحب عليه). سمعت مرة شابا يقول لزميله سحبت على الوالد.

هذا التعبير من اسوأ التعابير وأكثرها بعدا عن الذوق. من الواضح أن كثيرا من الشباب لا يعرف حقيقته. بدأ هذا التعبير كتعبير قاس وغير محترم ولا يتلفظ به الناس المحترمون. سأترفع عن شرح مصدره. أنصح قبل ان تستخدمه أن تتحقق من اصله. تذكر انه يتصل بالحمام.