اهتم العرب غاية الاهتمام في الأعراس، فكانوا على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يقيمون الحفلات ويطعمون الناس ويحضرون المعنين لاحياء الحفلات الغنائية في الأعراس لقد استوى اهتمام الناس جميعاً بالعرس فالأغنياء والفقراء كل يحتفل على طريقته ووفق استطاعته.

ولعل من أقدم الصور التي بين أيدينا عن الاهتمام بالعروس ما رواه أبو الفرج الأصفهاني عن تزويج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لبنت جندب الدوسي التي خلفها عنده وقال له قبل ذهابه إلى الشام للجهاد: إن وجدت كفؤاً فزوجه بها، وإلاّ فامسكها حتى تلحق بدار قومها.

يقول أبو الفرج: فكانت عند عمر واستشهد أبوها فكانت تدعو عمر أباها، وكان يدعوها ابنته، فإن عمر على المنبر يوماً يكلم الناس في بعض الأمر، إذ خطر على قلبه ذكرها، فقال: «من له في الجميلة الحسيبة بنت جندب، وليعلم امرؤ من هو»؟!

فقام عثمان رضي الله عنه فقال: أنا يا أمير المؤمنين فقال عمر: «انت لعمر الله، قد زوجتكما، فعجل صداقها، فإنها معدة».

ونزل عمر من المنبر فجاء عثمان رضي الله عنه بمهرها فأخذه عمر في ردنه فدخل به عليها، وقال لابنته حفصة:

«يا بنتاه!! أصلحي من شأنها وغيري قميصها، واصبغي ثوبها».

ففعلت حفصة ما أمرها أبوها ثم ارسل بها مع نسوة إلى عثمان.

على ان عمر صاحب القلب الذهبي الكبير لم يستطع ان يقبع في بيته بعد ان فارقته ابنة جندب والتي كانت عنده لما حدى بناته.. فإذا هو يخاطب نفسه ويقول: انها أمانة في عنقي، أخشى ان تضيع بيني وبين عثمان، فلحقهن فضرب على عثمان بأبه ثم قال: خذ أهلك بارك الله لك فيهم.

فدخلت على عثمان فأقام عندها مقاماً طويلاً لا يخرج إلى حاجة.

فانظر إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يرى الصغير والكبير من شؤون البنت التي زوجها فيهتم باصلاح شأنها وتغيير قميصها، وصبغ ثوبها، ولا يكتفي بذلك، بل يوصلها بنفسه إلى زوجها.

أسوق هذه الحكاية لأولئك الذين يضيعون بناتهم ويحجرون عليهن ويعضلونهن ولا يبحثون لهن عن أكفاء لهن.

فما أكثر الآباء الذين يظلمون بناتهن.. لغاية في نفس يعقوب وخاصة إذا كانت للفتاة موظفة أو معلمة ليستفيد من راتبها.

لقد اختفت وللأسف القدوة الصالحة من حياة الكثير من الناس وخاصة الآباء فلم يعودوا قدوة صالحة لأبنائهم فكانت هذه الفجوة الكبيرة الواسعة والمسافات البعيدة بين الآباء والأبناء.. والسبب في الدرجة الأولى يعود للآباء الذين لم يحسنوا تربية أبنائهم وشغلتهم أموالهم عن بيوتهم وأسرهم.