يساهم تفاعل الشعوب مع قضاياها في تحديد شخصيتها إلى حد ما، فالشعوب مثل الناس السلوك والشخصية هما ما يميز كل شخص عن الآخر، في الأسبوع الماضي ظهرت قضية وهي ليست بجديدة ولكن مع كل قضية من هذا النوع يفتح الملف نفسه ويطل علينا برأسه طلباً للحل، حيث تعرضت فاطمة الشهري ذات السادسة والعشرين لضرب موحش من زوجها الستيني أودى بها أن تبقى طريحة السرير الأبيض في أحد المستشفيات لعدة أيام، ولن أتحدث هنا عن دور الجهات المدنية والحقوقية في التعامل مع هذه القضية، فالواقع يؤكد بالنسبة لنا أن ما يهتم به الشعب ينعكس على الجهات، فبعض الجهات لدينا تسير وفقا لسير الشعب وليس العكس، وهذا السير ليس مبنيا على أنظمة وقوانين وإنما يسيره العرف الذي يتحول لنظام غير مكتوب مع تقادم الزمن، فلماذا لم تحل قضية العنف الأسري أو غيرها من القضايا الإنسانية بشكل كبير ولن أقول بشكل جذري رغم كل الأنشطة من محاضرات وندوات تخدم هذا الجانب ؟ أتصور أن اهتمام الشعب لا ينصب في خدمة هذه القضايا والتعاطي معها، صحيح هناك تعاطف كبير مع هذه القضية والقضايا المماثلة لها ولكنه تعاطف وقتي، والتعاطف حركة وجدانية بحتة بينما القضايا تحتاج لفعل يحول الحركة الوجدانية لفعل، هذه الفعل نراه بقوة وبشكل متواصل في قضايا أخرى على سبيل المثال عندما تفتح مسألة قيادة المرأة وقيادة منال الشريف / واقعة فتاة الأفالون، رغم اختلاف الحالتين، إلا أن التعامل معهما كان بنفس الهمة والنشاط، حتى وإن تخللها أفعال مقززة منافية للإنسانية لما نتج عنه من تشهير وإلصاق تهم بأسماء فتيات وأسر كل ذلك جاء بزعم المحافظة على العفاف والفتيات والمجتمع، هذه الفئة الفاعلة صاحبة الصوت المجلجل استطاعت أن تصعد قضاياها حتى أثرت على الجهات المعنية وسحبت لقائمتها أعدادا كبيرة ساندوها في الحركة والفعل بعد أن أشبعتهم بجدوى وأهمية وصلاح قضيتها ونشاطها، بصرف النظر عن نتائج هذا الفعل، ففضح الفتيات وأذاهن وأذى أسرهن لا يزعج هذه الفئة فهي ترى أن هؤلاء عبرة لغيرهن، والغاية تبرر الوسيلة، والغاية حسب قولهم واعتقادهم أسمى وهو الحفاظ على عفة المجتمع !! ومع أن قضية فاطمة وأمثالها قضية إنسانية بحتة إلا أن هذه الفئة لا تحضر في الدفاع عنها بنفس قوة حضورها في القضايا التي ذكُرت سلفاً !!كما أن حركتهم أيضاً لا تحضر في قضايا الفساد بنفس القوة والهمة وكأن همتهم ونشاطهم سُخر للقضايا التي يجدون فيها فرصة لفضح النساء !! بينما الصوت الآخر الذي يتعاطى مع القضايا الإنسانية ويدافع عن الحقوق أصواتهم منخفضة وتفاعلهم وجداني بحت وحركتهم محددة بوقت القضية فقط وأنشطتهم مغلق عليها أبواب القاعات.