أمر طبيعي أن تختلف ردود الأفعال بين الأفراد تجاه موقف واحد، وهذه الردود تبين لك البواطن النفسية لكل فرد.

العنف لا يتمثل فقط في الصوت العالي والصراخ والضرب هذه صورة متقدمة جداً في العنف، صور العنف كثيرة ومتنوعة، عندما أرى بعض التعليقات على الأخبار التي فيها تعد من شخص على شخص آخر بالضرب أو الشتم أو التحقير وكيف يكون حجم التأييد للفاعل وإعطاءه مبررات سامية ونبيلة تبيح له هذا التعدي مثل محافظته على الأخلاق أو الدين أو الذوق العام ،أستغرب لماذا العنف يجد منا كل هذا القبول والترحيب؟! ولماذا يأخذ العنف صورة الرغبة في المحافظة على أمر آخر يبدو أنه سام ونبيل وعلى الجميع المحافظة عليه؟! المؤيدون لا يعرفون الفاعل وقد لا يعرفون القصة وخلفياتها ومع هذا يتفاعلون بحماس عال لتأييد العنف.

في مجلس يعتبر أنه مجلس ثقافة قصت لنا سيدة نقلاً عن زوجها الذي شهد موقف طرد شاب من المسجد من إمام المسجد كون الشاب يلبس بنطال (طيحني) كانت المرأة في منتهى السعادة والتأييد لتصرف الإمام وهي تماثل زوجها بهذا الشعور كونهما يريان أن الإمام حافظ على قدسية المسجد واحترامه!! ما الفخر والسعادة في موقف مثل هذا؟ ما هو تأثير هذا الفعل على الشاب الذي اتجه للمسجد ليصلي لرب العباد وطرده من يمثل التسامح والوعي الديني في نظره؟ ما السعادة في موقف تعدى فيه شخص على آخر كونه في نظره تجاوز الأدب أو الأخلاق؟ ألا توجد طرق مؤدبه مهذبة إنسانية لتغيير السلوك أو الاعتراض على سلوك الآخرين؟ المؤيدون لمثل هذه التجاوزات دائماً ما يستشهدون بالحديث من رأى منكرا فليغيره بيده، اليد في نظرهم هي الأولى ثم يأتي اللسان وللأسف أن اللسان قد يخرج منه بعض الأحيان البذاءة بهدف تغيير المنكر، الذي قد يكون هناك اختلاف عليه في الأصل، وفي نظرهم لا يتغير إلا بالبذاءة !!عرفت فيما بعد أن المرأة التي نقلت لنا قصة الإمام هي زوجة مهانة من زوجها بكل الصور اللسان واليد والتهميش، وزوجها نفسه كان يعيش حياة تعيسة مع والديه خاصة والده الذي كان لا يعرف سوى العصا في التفاهم معه، لم أكن أحتاج التأكيد في هذه المسألة فيكفيني نبرة سعادتها وفخرها لأعرف وغيري من الحضور ما تعيشه أو عاشته في السابق من حياة قاسية مختلطة بالشتم والضرب والإقصاء.

كثير من هذه الفئة لم تستطع التخلص من مشاعر الإهانة والذل التي مورست عليهم أو مازالت تمارس لذا يجدون لذة وسعادة عندما يرون غيرهم يذوق نفس الطعم، طعم الإهانة والتحقير، هي عملية إسقاط غير شعورية في أحيان كثيرة ومرضاة للنفس التي لم تستطع علاج ذاتها، قليل جداً أن تجد شخصاً سوياً على مستوى حياته وعاطفته يحبذ العنف بأي صورة كانت، ولا تستغرب إن رأيت شابة في مقتبل العمر أو سيدة تجاوزت الستين لديهما نفس مشاعر السعادة والفرحة عندما يرون أي صورة للعنف تمارس على الآخرين فالسبب يكمن في طريقة الحياة وليس العمر.

لينظر كل شخص مؤيد للعنف كيف مشاعره وحياته، لو كنا قريبين من أنفسنا لاكتشفنا لماذا نؤيد العنف بصوره المختلفة، الفجوة تكمن أننا لا نعرف أننا نساند العنف ونؤيده نحن نعتقد أننا نؤيد الهدف السامي من خلف هذا الفعل !!