لا أظن أن قضية فردية واحدة نالت اهتماماً شعبياً وحملات تعبئة منظمة كما جرى مع طالب مبتعث إلى أميركا يجري تداول اسمه بكثرة هذه الأيام.

هناك عشرات القضايا الفردية لسعوديين في الخارج. وكثير منهم لم يدن أو انتهت قضيته، وتحتاج إلى جهد قليل لاستعادته إلى بلاده وذويه. لكن لماذا لم ينل هؤلاء ما ناله المبتعث الأخير رغم صدور حكم قضائي محسوم في أمره؟

لعله جائز طرح إجابتين في صيغة استفهام حول الخلفيتين الاجتماعية والدينية في حالة المبتعث، وغيابه في حالتي مبتعثين آخرين في أميركا أيضاً، أحدهما تورط في جريمة قتل مع شخصين آخرين، لكن والد الضحية تنازل عن حقه، فخرج رفيقاه من السجن قبل سنوات، لأنهما فرا إلى السعودية، وبقي هو سجيناً لتناقضات قانونية، والمبتعث الآخر مشتبه في تورطه في عمل إرهابي؛ لمجرد أنه اشترى مواد كيميائية، وليس المجال هنا لتبرئته. لكن ما الحال لو لم يكن المبتعث المثار وضعه متدين المظهر ويملك واسطة؟ وما وضع المبتعثين الآخرين لو كانا متدينين ويملكان الواسطة؟

لا أحد ينكر العمل المنظم والمحترف في تحريك الرأي العام تجاه المبتعث المحكوم، ولا أنكر حقه في العودة إلى بلاده، ليستكمل ما تبقى من الحكم. لكني لست مع حملات التبرئة عن بعد، والتعاطف المثير، والإيمان الخالص بمظلوميته، وتحويله إلى بطل.

وربما أن منظمي الحملة لم يبتغوا تلك النتيجة، التي وصلت إليها حملة استعادته. من الواضح أن الهدف في بداية الحملة قبل سنوات كان لأجل تحقيق البراءة من التهم. وبعد أن انتهى كل شيء وأصبح الحكم نهائياً، فكان المقصد الاستعادة، وليس التبرئة.

العمل المنظم واللافت لأفراد من أسرة المبتعث المثير إعلامياً واجتماعياً ساعده على الأرض العاملان الاجتماعي والديني. فمن خلال النفوذ الاجتماعي كان تحرك المؤسسات الرسمية المعنية بكل قوتها، وبواسطة العامل الثاني كان التحرك الشعبي والحملات الإلكترونية.

ومن يتمكن من فتح أدراج السفارات السعودية سيجد عشرات القضايا لسعوديين في حالات مختلفة. قصص كبيرة وأخرى صغيرة. ولأن الواسطة داخل الحياة الإدارية في بلادنا بمثابة العمود الفقري، فحال السفارات من حال البلاد. لا تتفاعل كثيراً عندما تكون الواسطة دون المستوى، أو يغيب الإعلام.

ولكل سفارة مستوى من الواسطة مطلوب. فالواسطة عند سفارة مانيلا ستكون بلا فاعلية عند سفارة واشنطن. والحضور الإعلامي المكثف للحادثة محرك إضافي عند المسؤولين. فالقصة التي تغيب عن الإعلام لن يتحرك لأجلها المسؤول التنفيذي شخصياً. وللأسف، ففي ذلك تعميم، وللأسف أنه موجود، والأكثر أسفاً أن التفاعل الشعبي مقتصر على فئات ثقافية ودينية محددة. وهي حقيقة، للأسف أيضاً.

ما الحل أمام أسرتي الطالبين الآخرين؟ إذا لم يملكا الواسطة الكبيرة، فعلى الأقل، هناك شيء ذاتي يمكن الاعتماد عليه. فقط، أن يدفعا ابنيهما إلى الاشتغال على الشق الثاني من الحكاية.