خمسة أشهر مضت على الحدث السوري، صاحَبها غضب شعبي على الحكومات العربية في صمتها، الذي توقف أخيراً، نوعاً ما.

لكن غضب الشعوب هذه المرة لم يتحول إلى فعل على الأرض. كانت حملات إلكترونية ونداءات لإنقاذ الشعب السوري، من دون رصد لمظاهرات عارمة في المدن العربية والإسلامية، كما كان يجري عند سقوط العرب بأسلحة إسرائيل، أو في تعذيب مساجين في العراق، أو إهانة المصحف في غوانتانامو.

ما الذي جرى للعرب الحماسيين دائماً؟ هل كان تغيراً في صفة الجاني هذه المرة، أم ملوا من مظاهرات الشارع واختاروا الإنترنت وسيلة حضارية للضغط؟

للأسف، فعشاق المظاهرات في عالمينا العربي والإسلامي لا تتحرك مشاعرهم عندما يكون الجلاد من بني جلدتهم. لا يستفزهم سوى الإسرائيلي أو الغربي عموماً. فيما الإهمال يكون نهجهم التقليدي عندما يكون الجاني مسلما أو عربيا.

ما تفعله الآلة السورية على مدى خمسة أشهر فاق ما فعلته إسرائيل في غزة وفي لبنان، وعدد ضحايا النظام السوري على مدى أربعة عقود فاق عدد الذين سقطوا في مجازر إسرائيل، لكن رد الفعل يختلف.

هل يمكن مقارنة إبادة الآلاف من البشر برسم كاريكاتوري في الدنمارك قصد به الاستفزاز؟ قياس رد الفعل على الأرض يأتي بنتيجة معاكسة. تحرك العالم الإسلامي أمام رسم كاريكاتوري، وحمّل بلداً كاملاً، حكومة وشعباً، سلوك فرد واحد. شهدنا المظاهرات والمقاطعة الاقتصادية والتحريض وحملات الكراهية. لكن في حالة النظام السوري كانت المظاهرات محدودة، وفي بلدان موصوفة بالهدوء السياسي، فيما غابت بلدان الشعارات، التي تتحرك عند أول نقطة دم يرتكبها إسرائيلي، أو مشهد إهانة سجين في معتقل أميركي.

أملي أن يكون العرب الحماسيون قد ملوا فعلاً المظاهرات والسلوك الفوضوي على الأرض، واختاروا الإنترنت وسيلة لإيصال صوتهم ، والضغط على الأنظمة والمنظمات الدولية، وذلك خير وأبقى. فمظاهرات الشوارع تتجاوز الحرية إلى التهريج، ولم تحقق مكاسبَ لصالح القضايا المشروعة، التي يعتقد المتظاهرون أن نزولهم إلى الشوارع كان لأجلها.

وبين مظاهرات التغيير في عالمنا العربي ومظاهرات الاستنكار، المقصودة هناك فرق..