كثيراً ما نعوّل على الوقت لحل أمورنا الشخصية أو الاجتماعية وهي ثقافة بشرية منتشرة في كثير من أنحاء الأرض خاصة العربية ، فهناك اعتقاد أن الوقت كائن حي يتحرك في بعض المواقف بدلاً عنا لحل المشكلات، ويمتاز بأنه أكثر حكمة منا ، وقد تكون كلمة (يصير خير) دون تحديد خطة للعمل هي عبارة لا شعورية اعتدنا عليها نقصد منها أن الوقت سيتولى الأمر وسيتعامل معه بمعرفته !! البعض يستشهد بفاعلية الوقت في تحقيق بعض التغيرات الاجتماعية التي شهدها المجتمع مرجعين قبول المجتمع لما كان مرفوضاً بفضل عامل الوقت، ولا أعرف كيف يستشهد هؤلاء بجدوى الوقت ولولا القرار السياسي لما كان الوقت ذا نفع سواء قصر أم طال !! فهل يذكر أحد قضية اجتماعية اختلفنا حولها ثم حصل اتفاق عليها ؟!

التغيرات الاجتماعية والحلول لقضايانا كانت بفعل القرار الإنساني أي ما كان مصدره إنساناً وهو مايسمى بالقرار السياسي ، فنحن عندما يدخل إلينا الجديد ننشغل به، ويصبح قضيتنا وفي الغالب تكون كيفية رفضه ومنعه من التطبيق هي القضية حتى يأتي القرار السياسي بالقبول ثم يبدأ الناس يتعايشون مع هذا المرفوض حتى يصبح أصلاً في الحياة ، ولنا من الواقع شواهد كثيرة بدءاً من السيارة والراديو وتعليم البنات وغيرها ، كل هذه التجارب الماضية لا نستفيد منها ! في كل مرة نتعامل مع الجديد بنفس السيناريو مع علمنا أن المعترض عليه اليوم مهما كانت صور الاعتراض على بشاعتها فلن تكون مختلفة عما سبقها، ومع هذا نكرر نفس الموقف ونفس الكلام فالأسباب التي ذكرت لرفض دخول الراديو وتعليم البنات هي ذاتها الأسباب التي تستعمل لمعارضة قيادة المرأة للسيارة !! نعود لمشكلة الوقت معنا ، نحن نأمل من الوقت أن يحل مشاكلنا التي نتناقش بها اليوم ، ونقول ما يرفضه البعض اليوم بسبب التغيرات والحاجة سيقبلون به غداً، ولكن المشكلة أننا ما نؤجله للغد ليتولى الوقت حله يتحول بقدرة قادر إلى ثوابت فيصبح الحديث عنها من المحرمات ، فما هو متاح اليوم لنا نقاشه والأخذ والعطاء فيه غداً يجعله الرافضون له من ثوابتنا التي يحرم الاقتراب منها !! فيصبح الغد أعقد من اليوم وأصعب ، فمسألة اجتماع الجمهور على رأي واحد هي من المستحيلات خاصة أننا لا نتناقش بل نتقاذف ونتحارب !! بعض الأطراف لا تعبر عن رأيها إلا بقذف ورجم الطرف الثاني بأقذع الشتائم والتهم البذيئة التي حرمها الشرع قبل أن يرفضها الأدب والذوق العام لذا كان القرار السياسي هو المنقذ الوحيد للوضع ، فعلاوة على أن القرار السياسي يحل المشكلة فهو يحمي العبث باسم الدين فالمعارض يعترف في بعض الأوضاع أنها قضايا حياتية بحتة لا علاقة للدين بها ولكن عندما يتحدث فهو يحاول أن يلبسها لباسا دينيا وهكذا تصبغ على القضية الصبغة الدينية ..

نحن اليوم متأكدون من أنه أمر دنيوي لا يستحق كل هذا الأخذ والرد وأمر يرجع إلى القناعات المساندة.