ذكر المفكّر مصطفى ملكيان وهو أستاذ فلسفة ، وفلسفة أخلاق ، وفلسفة الدين في كتابه الشوق والهجران الذي تناول إشكالية علاقة الدين بالعلم والفلسفة، مخالفته لبعض الطرح الذي يؤيد أولوية التنمية الاقتصادية على حساب التنمية السياسية ، كما خالف أيضاً من يقول إن التنمية السياسية أولى من التنمية الثقافية ؛ حيث يعتقد أن التنمية الثقافية أهم وأولى من التنمية في الحقل السياسي والاقتصادي، ورأى أن مقولة التنمية السياسية والاقتصادية أولى من التنمية الثقافية مخالفة للآية القرآنية (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) مفسراً أن كلمة ما بأنفسهم تعني الأنفسية ، أي النفس للناس وهي ما يعبر عنها في هذا الزمان بالأمور الثقافية ، انتهى .
وهذا الرأي يتوافق إلى حد بعيد مع رؤية رئيس مجلس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد عندما قال لن يصلح الوضع الاقتصادي حتى يصلح الوضع الاجتماعي ، والوضع الاجتماعي هو وجه من وجوه الثقافة ، أي متى ماتحسن وصلح وعي الناس وثقافتهم انعكس هذا الصلاح تلقائياً على كل شيء في الحياة بما فيها الاقتصاد والسياسة .
معظم الدول التي تتمتع بنهضة اقتصادية ووعي ونشاط سياسي نجد لديهم وعي عام ملفت في مناحٍ مختلفة في حياتهم ، قد لا يعلمون عن العالم من حولهم، ولكنهم على معرفة تامة بمجتمعهم المحلي من انفتاح قوي على أنواع الثقافات في حياتهم العامة الكتاب / المسرح / السينما / وسائل الإعلام ، وهذا الانفتاح الثقافي جعل الحياة تفاعلية منجزة تسير للأمام مهما اختلفت الآراء وتعددت ، وكلما زاد الانفتاح الثقافي سار الوعي معها بشكل طردي ، وعليه إذا رأيت مجتمعاً يتشنج ويثور لمجرد تعدد الآراء فاعرف مباشرة أنه يعيش أزمة ثقافة..
كثير من الأمور لا تحلها القوانين مهما بُذل من جهود ، مثلاً التعصب رغم نهي الدين الإسلامي له بشكل صريح ومباشر إلا أننا نعايشه كل يوم في صور متنوعة ، الظلم حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده والقوانين لم توضع إلا لتحمي الإنسان من أخيه الإنسان ومع هذا يومياً نرى مشاهد ظلم نقف أمامها عاجزين ، لذا ليس هناك نجاة من هذه الأوضاع سوى ثقافة المجتمع والفرد فحسب ثقافاتهم تكون السلوكيات ، ولا أقصد بالثقافة مخزون الجمل والعبارات الرنانة التي تُردد ظاهرياً ولكن السلوكيات في الظاهر والباطن ، ولو تأملنا قليلاً لرأينا كيف أننا نتغنى بسلوكيات الغرب ودائماً تحضر جملة الشيخ محمد عبده الشهيرة رأيت إسلاماً ولم أرَ مسلمين ، ورغم أن هؤلاء غير مسلمين إلا أن لديهم ثقافة تسيّر حياتهم بشكل جُمع فيه حسن الخلق ، والإبداع ، وسهولة الحياة ، وفهم الذات ، والقدرة على التعايش مع الآخر مهما اختلف معه ، بينما نحن نعيش في أزمات متواصلة للتعامل مع بعضنا رغم كل العوامل التي تجمعنا ، وكل أمر يخالفنا نتشنج في التعاطي معه، وليس فقط نتشنج بل ليس لنا سبيل للتعبير عن رأينا إلا القوة والعنف وهذه الوسائل العملية تثير الشك حول ما ندعيه من ثقافة ووعي ، على سبيل المثال حملة (بالعقال)، وحملة (أصدمها) والتي جميعها ضد حملة قيادة امرأة للسيارة ، وحملة (بالجزمة ، يكرم القارئ ) وهي للرد على حملة (بالعقال ) من العناوين تعرف أزمة الثقافة، والوعي الذي نعيشه ، وأزمة العجز عن التعبير عن الرأي وإيضاح الفكرة ، وأزمة تقبل مخالفة الرأي ، فكل الحملات المضادة لقيادة المرأة تستعمل القوة ، لان هناك ثقافة كامنة في النفوس منتشرة بين الرجال والنساء بأن المرأة كائن ضعيف تستطيع السيطرة عليه وقمعه بالقوة والعنف ، وعلاوة على مسألة القوة والعنف حالة إلغاء العقل واستعمال العضلات للتعامل مع الكائن الأضعف ، فلم أجد في الحملات ما يشير إلى وجود العقل الذي مُيز به الإنسان عن الحيوان ، فللإنسان لسان يترجم من خلاله ما يدور في عقله ، والحيوان لا عقل له وإنما فعل عفوي حيواني يظهر أحياناً بشكل هجوم وافتراس !!
ومن صور أزمة الثقافة لدينا فرض الرأي الواحد وهي أزمة تسيطر علينا بشكل مخيف ، فالنساء اللائي رفعن خطاباً يقلن فيه إن المرأة السعودية لا تريد قيادة السيارة كيف سمحت لهن ثقافتهن ووعيهن أن يتحدثن بلسان ملايين النساء من السعوديات ؟ ولماذا حتى اليوم لم تستوعب هذه العينة من الناس مسألة الاختيار التي هي حق لكل الناس، وأنه لا يوجد إجبار لتفعل ما لاتريد !! وكيف وهن يعرفن فن الخطابات فات عليهن أن تعدد الخيارات في المجتمع الواحد ظاهرة صحية لأفراده ؟
يا علماء النفس والاجتماع هذا زمنكم ، نريد أن نقرأ أنفسنا قبل أن يقرأنا غيرنا..
1
عبد الرحمن التميمي
2011-06-06 03:29:27تفسير للآيات بعيد
2
نسيم نجد
2011-06-06 00:52:31مقال رائع..
مادام التعصب للفكر والرأي هو مبدأ النقاش لدينا..
فلن نرتقي الى اقل قدر من الثقافه..
شكرا لك اخت امل..
3
فنتاستك
2011-06-05 19:18:06ياأمل حسين النساء اللآئي رفعن خطابآ وقلن فيه ان الأكثرية لاترغب ولا تؤيد قيادة المرأة هؤلاء لم يجدن مساحة في صحفنا
يعبرن من خلالها عن رأيهن مثل مافتح للرأي المضاد (الرأي الأوحد) ثم انهن لم يقلن غير الحقيقة فلماذا الغضب من الحق؟
أليست المسألة أخذ وعطاء ومداولة للرأي الحر ؟؟ ام ان الحرية
مزاجية ؟
4
محمد بن حسين
2011-06-05 16:51:22وعليه إذا رأيت مجتمعاً يتشنج ويثور لمجرد تعدد الآراء فاعرف مباشرة أنه يعيش أزمة ثقافة..
لايود مجتمع لايتشنج
...
السلوكيات مفتاح التقدم
5
ابتسام من جدة
2011-06-05 16:29:36فعلا لابد أن نغير أنفسنا وإلا لن تتغير أحوالنا وأن نحترم بعضنا وأول تغيير هو في الأفكار المتطرفة والمتعصبة، وقيادة المرأة للسيارة لن تكون بأمر سماوي لكن من الشعب.. والشعب يريد ذلك ولايضره فئة رافضة للموضوع فمن لاترغب لاتسوق ولن يجبرها احد.. حق المرأة لايمنع لأن البعض لايريد تطبيقه لسبب ما
6
فارس
2011-06-05 15:25:13خلوهم يسوقون والله ابرك من السواقين الي مالين البلد على الاقل بنت البلد وكلنا اخوان ياناس وين المشكلة.
7
إنتفاض فارس السعدي
2011-06-05 14:06:22محمد عبده تلميذ اللورد كرومر الذي ضمن له البقاء مفتياً لمصر ما بقيت بريطانيا العظمى ليس غريباً أن يهيم بأسياده.
قيادة المرأة للسيارة هم ليبرالي تقاطع بعض الفرق الخارجة على الإسلام وتم تصعيده في هذا الوقت بالذات برعاية قناة العالم الإيرانية بعد محاولة سابقة لإيجاد إنشقاق اجتماعي أفشلت.
8
هند
2011-06-05 13:19:19( أجمل ما قرأت )
عندما كنت أقرأ تعليقات البعض بخصوص هذا الموضوع كنت أتعرف على طريقة تفكير كاتبها،كنت أستغرب حتى ولو كتبت بإسم مستار فلن أسيء لأحد، التعبير بتلك الصوره هو صورة لأخلاق كاتبها،لذا أقرأ للكتاب دون أن أقرأ للمعلقين فمن أساء فقد أساء لنفسه ومن أحسن فهو كذلك.شكرا لك
9
عبدالله محمد بن نصار
2011-06-05 12:18:22حملة (بالعقال)، وحملة (أصدمها) والتي جميعها ضد حملة قيادة امرأة للسيارة، وحملة (بالجزمة، يكرم القارئ ) وهي للرد على حملة (بالعقال ) من العناوين تعرف أزمة الثقافة، والوعي الذي نعيشه، وأزمة العجز عن التعبير عن الرأي وإيضاح الفكرة، وأزمة تقبل مخالفة الرأي
لان هناك ثقافة كامنة في النفوس منتشرة بين الرجال والنساء بأن المرأة كائن ضعيف تستطيع السيطرة عليه وقمعه بالقوة والعنف
للإنسان لسان يترجم من خلاله ما يدور في عقله
أن تعدد الخيارات في المجتمع الواحد ظاهرة صحية لأفراده ؟
10
عبدالله محمد بن نصار
2011-06-05 12:11:30رؤية رئيس مجلس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد عندما قال لن يصلح الوضع الاقتصادي حتى يصلح الوضع الاجتماعي، والوضع الاجتماعي هو وجه من وجوه الثقافة، أي متى ماتحسن وصلح وعي الناس وثقافتهم انعكس هذا الصلاح تلقائياً على كل شيء في الحياة بما فيها الاقتصاد والسياسة.
كلما زاد الانفتاح الثقافي سار الوعي معها بشكل طردي
إذا رأيت مجتمعاً يتشنج ويثور لمجرد تعدد الآراء فاعرف مباشرة أنه يعيش أزمة ثقافة
لا أقصد بالثقافة مخزون الجمل والعبارات الرنانة التي تُردد ظاهرياً ولكن السلوكيات في الظاهر والباطن
11
بدراباالعلا
2011-06-05 10:06:30اللي بالقدر يطلعه الملاس !
يايا أمل بلدنا يباله من العمق تغييير جذري وجوهري ؟
في ألية طرح القضايا وحقوق الأحرين ؟
خاصه وفيه بشر تكيل للمرأة بمكيالين !
أمام عدسات,كمرات,مكرفونات الأعلام..,
يازينة والمرأة بعينة محفوظة ويااادهينة لا تنكتين ؟!
وبداخل النفس الله يخارجنا..النقمة جمرة خبيثة !
يلت ويعجن ويطبخ كل أمر ونهي ,
ويحلل ويسوف ويوظف النية,
ويفرمت المعروف على هواء المصالحة !
ويقحمنا بالمنكر في كل شاردة وواردة ؟!
12
»»» عبدالله «««
2011-06-05 09:52:41ابدعتِ بمقالك القمة بروعته»^والرد على الجاهلات الالف~اللاتي اُجبرن على توقيع خطاب ويطلبن فيه بمنعهن من قيادة السيارة^الرد عليهن طال عمرك بتوقيع خطاب من10،000(عشرة الاف سعودية)10 اضعافهن~ومطالبة ولاة الامر بالسماح لمن ارادة قيادة السيارة~اما الحملات التافه فتدل ان القائمين عليها مازالوا يعيشون بغابة«