إن كانت لدينا مشكلة مع بعض المسؤولين فهي تتمثل في أن كل واحد منهم يسعى جاهداً لإرضاء رئيسه حتى لو كان بتضليله عن طريق المعلومات المغلوطة التي تصف الحال بأنه على أحسن ما يرام !! في مقابل هذا السعي الحثيث لإرضاء الرئيس يكون العكس مع الجمهور فهو يتعامل مع الناس بكبر وغرور وعنجهية، وتتأزم المسألة إن كان صاحب قرار مالي حيث يشعر أنه يعطي من جيبه الخاص ومن حر ماله ، فتكون الحقوق في نظره منحاً وعطايا تجود بهما نفسه على الناس، ولا يقتصر الوضع على مسائل الحاجة والفقر بل حتى في نطاق المشاريع والأنشطة فبعض المسؤولين التنفيذيين لديهم مقاييس خاصة لإعطاء الحقوق التي يرونها عطايا شخصية منهم.. من أهم هذه المعايير أن يكون صاحب الحق أو من سيأخذ المنحة الكريمة يحب ويقدر ويجلّ هذا المسؤول، ولو شعر المسؤول أن فلاناً لا يحبه، وإن كان يحترمه ومهما كان عمله ممتازا ومتكاملا لن يحصل على حقه، وسيتجاهله المسؤول وقد يحقره ويهينه وسيبخل عليه حتى بخمس ثوان من وقته المضغوط بالأعمال والمشاغل التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن !! ولو طلب الرئيس الأكبر هذا النوع من المسؤولين ولو في منتصف الليل لوجده على أتم استعداد لأن ينفذ الصعاب والمستحيلات !!

المشكلة أن كثيراً من هؤلاء يمثلون الفئة الواعية المثقفة في الظاهر كونهم المتحدثين بالجمل الرنانة في وسائل الإعلام ، وهم واجهات المحافل المحلية والدولية !! ويسقط هذا القناع بمجرد قربك منهم والتعامل معهم حتى إن البعض لا يحتاج الكثير من الجهد والوقت ليكتشف زيفه وتلونه ! ومن المؤلم أن هذه الشخصية تستطيع بقليل من الإخلاص والأمانة أن يتوافق الباطن لديها مع شيء من الظاهر، إلا أن بعض المسؤولين وصلوا مرحلة أن ضربوا حتى بالقليل عرض الحائط ! !

المشكلة الأخرى أن هذا النوع من المسؤولين يربي ثقافة الكذب والخداع والمماطلة لدى عامة الناس لذا لا تستغرب ولا تتهم بالسوداوية من تسمعه يقول عندما يسمع تصاريح بعض المسؤولين (ما عندهم إلا الحكي) هذه الفكرة زرعها وسقاها المسؤولون أنفسهم ، وهي تنم عن الثقة التي أضحت مفقودة بين الناس والمسؤول ، وأن الجمهور لم يعد يحترم ويصدق ما يقرأه ويسمعه على ألسنة هؤلاء العينة من المسؤولين ! وعرف الناس أن هذه التصريحات المثالية ما هي إلا لشد انتباه المسؤول الأعلى وكسب ثقته ورضاه ! متناسين أن كل فعل هو عبارة عن طاقة وسلوك ينتشران في المكان مهما كبر حجمه وترامت أطرافه، لذا فهناك مسؤولون بمجرد أن تسمع أسماءهم تعاجل بكلمة (والنعم) ، وهناك من المسؤولين ما أن تسمع ذكرهم حتى تستعيذ بالله، وتدعوه سبحانه أن لا يجعل قضاء حاجتك في أيديهم ، ومع كل التحولات والعبر التي نعيشها في الوقت الراهن وتخص المسؤولين وكوارث استغلال المناصب إلا أن هناك من يصر على إغلاق كل حواسه فلا يتعلم ولا يتعظ .

وبسبب انعدام الإخلاص والأمانة والعنجهية لدى بعض المسؤولين أصبح الناس يتوجهون للمسؤول الأكبر مباشرة لتيسير أمورهم وحلها ، وعندما يتعقد الأمر مع المسؤول الأكبر بدون سبب منطقي يكون اللجوء إلى المسؤول الأكبر مقاماً وهكذا ، وبسبب هذا الوضع انتشرت بين الناس ثقافة مفادها أن المسؤول الأكبر مقاماً هو الملجأ الأول لحل المشكلة دون مماطلة وتعرض للإهانات ، والغريب الجميل أن بعض الناس قد منحهم الله نعمة الأخلاق فكلما ازدادوا علواً في المناصب ازدادوا تواضعاً وإخلاصاً .