عندما أكون في الشارع في أي مدينة (الرياض أو لندن أو صنعاء). أتأمل في وجوه البشر. أحاول أن أعرف شيئا عن دورهم في الحياة. لا أملك في كثير من الأحيان سوى قليل من المؤشرات. أكثرها مضلل. كم واحداً من هؤلاء يؤثر في مسيرة آخرين؟ ترى كم عدد هؤلاء الرجال والنساء الذين يقودون البشرية ويحركونها إلى الأمام ( آنشتاين)، أو إلى الخلف (القذافي)؟!

أقدر عدد قيادات العالم من مجموع البشرية بأنه يصل إلى 10% وإذا تشاءمت قدرتهم ب 5% والباقي يمكن أن يكونوا أي شيء. قمرة القيادة لا تضم فقط الزعامات والمشاهير التي تؤثر في العالم على مستوى تاريخي.

مديرو الشركات, رجال الأعمال، ( الكتّاب!! ) كبار الموظفين ، المهندسون ، الدعاة، هؤلاء يقودون العالم في محيطهم. الباقي بشر طيبون أو أشرار، ونسبة معقولة منهم يمكن أن نسميهم صغار عقول أو حطبا. كل واحد منا في يوم من الأيام وصف آخر بهذه الصفة. تختلف المواصفات من شخص لآخر. صغر العقل مثل كبر العقل حالة من الصعب قياسها. يمكن تطوير معيار لتحديد ماهية صغير العقل. إذا بدأتَ من أسفل ربما نختلف لكن لو بدأت من فوق يمكن أن نتفق.

من يعرّض نفسه للتهلكة مجانا صغيرُ عقل. نتفق جميعنا على هذا. من يعرض نفسه للتهلكة من أجل مجد الآخرين أو مصالحهم صغير عقل أيضا. إذا بقيت العبارة الأخيرة مجردة بهذا الشكل سنتفق عليها لكن إذا دخلنا في الأمثلة أو في التفاصيل سنفترق.

نعود للقذافي مرة أخرى. من الواضح أن كل شيء في ليبيا أصبح واضح المستقبل إلا إذا حصلت معجزات. ثمة رجال يقاتلون مع القذافي بإخلاص بعيدا عن المصلحة والانتماء القبلي والعائلي. رجال يؤمنون أنه القائد. هؤلاء المخلصون هم صغار العقول. حتى لو افترضنا أن القذافي سوف ينتصر. يبقى السؤال: لماذا أقاتل من اجل مجده وأعرض نفسي للقتل ليصبح هو بطلًا؟! هذا المثال واضح ونتفق عليه لكن إذا دخلنا أكثر والتبس الأمر مع فكر أو وطنية أو دين سيختلف الأمر. في الثمانينيات من القرن الماضي فكر أحد زملاء العمل بالانضمام إلى حرب الأفغان. كان في غاية الحماسة. اعتاد أن يذهب إلى مساجد معينة يستمع للتحريض. صار يحفظ معظم القصائد التي مجدت تلك الحرب ويردد خطابات دعاة الكاسيت بحماسة. سألته هل الشيخ الذي يخطب عليكم أو الشاعر الذي يحرضكم أو مؤلف الكاسيت سيذهبون معكم؟ حاولت أن أشرح له أن الشيخ الذي يخطب عليكم عنده أبناء في سنك، وصاحب الكاسيت يكسب مئات الألوف من كاسيته ولا يقل عنهما مصلحةً الشاعر الكبير. يرسلونك للقتال ويحققون من تجنيدك مكاسب محلية وأنت تموت في أرض غريبة. رفض محاججتي ومنطقي رفضا قاطعا ولم يعد في حاجة إلى نصائحي. في الأخير هجرني. دون شك عدد من القراء اختلفوا معي في هذه اللحظة وانتصروا له. مهما كان الموقف فدخول العامل الفكري يغير طريقة عمل العقل أو يطفئه. لا يعاني صغير العقل من نقص في الذكاء دائما، ولكنه يعاني من نقص في الاستقلال ويفتقر إلى الاعتزاز بالذات..