لو لم أختر مجال الجينات لاخترت ... مجال الجينات ! كيف يلومني القارئ وأنا أرى بأم عيني في مختبري ومختبرات علماء الأبحاث الآخرين ما يعقد اللسان من أسرار بديعة في خلق الله . أقول هذه الكلمات وأنا في غمرة الفرحة إذ أزف للقارئ الكريم اكتشافا جينيا في غاية الأهمية من شأنه أن يقلب موازين الأبحاث في مجال الشيخوخة . إن من المعلوم من سنوات عدة أن الجزء الطرفي من الصبغيات (الحامض النووي والذي يحمل الشفرة الوراثية مقسم إلى ست وأربعين صبغية) ينكمش كلما تقدمت الخلية في العمر حتى نصل إلى حد معين تعلن الخلية فيه أنها أنهت مشوار الحياة وبات عليها أن تموت وتتلاشى ، ولهذا السبب فأنا أحب أن أطلق على هذه الأجزاء الطرفية "عداد الحياة" حيث إن انكماش هذه الأجزاء ليس فقط مؤشرا إلى اقتراب ساعة الموت وإنما يؤدي كذلك إلى تغيرات خلوية جمة نسميها في الجملة "شيخوخة" . نعم ، الإنسان يشيخ لأن خلاياه تشيخ وما نرى من تغير في طراوة الجلد أو انخفاض القدرات العقلية والبدنية مع تقدم العمر ليس إلا نتاج شيخوخة الخلايا المكونة للأعضاء المختلفة . كانت الكثير من أبحاث الشيخوخة منصبة على طريقة تمنع الانكماش السريع في الأجزاء الصبغية الطرفية حيث إن الفرضية السائدة كانت أن عداد الحياة لا يمكن أن ينعكس أبدا . وكما هو الحال دائما في العلوم ، فالعالم لا يستسلم لفرضية سائدة بل يحاول أن يتحداها بالأسلوب العلمي وهذا تماما ما قام به فريق علمي من كلية هارفارد الطبية في بحث مذهل نشر في مجلة نيتشر العلمية العريقة اليوم الثلاثين من نوفمبر 2010 وياله من يوم مشهود !
بدون الدخول في التفاصيل ، قام الفريق العلمي بتسريع انكماش الأجزاء الطرفية (أي إنهم سرعوا عداد الحياة بعبارة أخرى) ، وكما هو متوقع فقد نتج عن ذلك فئران شاخت مبكرا فضمر دماغها وقلت خصوبتها وماتت في سن مبكر . المفاجأة كل المفاجأة كانت حين قام الفريق بتطويل الأجزاء الطرفية عن طريق هندسة مبتكرة للجين المسؤول عن هذه الوظيفة (أي أنهم عكسوا عداد الحياة) فما كان من هذه الفئران إلا أن استعادت خصوبتها ونما مخها حتى عاد لأيام شبابه بل واستعادت قدرتها على اجتياز اختبارات عقلية أثبتت أن حجم المخ الذي نما من جديد قادر على تنفيذ المهام كما كان في الأيام الخوالي !
طبعا من المبكر جدا أن نقول أننا وضعنا يدنا على إكسير الشباب وأن نقول إن قول الشاعر "ألا ليت الشباب يعود يوما" بات من نسج الماضي القديم ، ولكن ما لا شك فيه أن النتيجة قلبت الموازين رأسا على عقب وأثبتت أن الخلية المصابة بالشيخوخة يمكن أن تعود لشبابها وهذا ما سيدفع للمزيد من الأبحاث في هذا الاتجاه ، ولعل اليوم الذي سنرى فيه عقاقير الشباب ليس ببعيد !
(رسالتي : أتمنى من كل قلبي لو اهتم إعلامنا بتثقيف الناس وتنويرهم بمثل هذه الاكتشافات التي تلهم الأجيال الشابة لحب العلم والعلماء بدلا من توافه الأمور) .
*كبير علماء أبحاث الجينات واستشاري
مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث - الرياض
1
صالح الساوم
2010-12-20 04:16:22زاد العلماء من حربهم على عوامل الشيخوخة , بالامس زوجوا الفأر المسن بأنثى شابة فإرتفع لديه هرمون الذكورة وزانت أموره , واليوم سيعيدون الذي انكمش من جينات الكروموزومات ليعكسوا مسار اتجاه الحياة , ليعود الشيخ لصباه وينال الذي تمناه , عندما قال [ ألا ليت الشباب يعود يوما ,فنخبره بما فعل المشيب ].
2
قريب شايب
2010-12-20 03:07:55أخي الدكتور فوزان
وفقك الله لكل ماهو نافع
ولكن كيف نستفيد منهذا الإكسير الذي ذكرت ونحن على مقتبل الشيخوخة.. وهل انكماش الأجزاء الطرفية يمكن إسترجاعه قبل الشيخوخة أم بعدها..وهل هذا الإكتشاف بدأ تطبيقه على الإنسان..
3
ترانيم الوفا
2010-12-19 17:42:29هل هذا صحيح ؟!!
فيما معنى حديثه صلى الله عليه وسلم انه قال كل داء له دواء الا الهرم ؟!!
4
أبو فارس
2010-12-19 16:20:14فعلآ ,, رسالتك ضرورية فلابد من تنوير الناس وتثقيفهم ,
لكن لو سمحت لي ,,
لماذا تطلب تنويرنا من جامعة هارفرد , ولا تنورونا أنتم يامركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل , بأبحاث تخصنا وتهمنا , ومبنية على دراسات تطبق علينا , لننور أنفسنا بمعرفتنا لأنفسنا ثم نتنور ببحوث جامعة هارفرد ؟!
لك خالص ودي..
5
أبوعابد1
2010-12-19 14:22:35يعطيك العافية وموضوعك شيق وآخر كلمة أنا معاها قلبا وقالبا وأبحاث التيلومير كانت تشدني جدا منذ إكتشاف علاقته بعمر الخلية وكنت أتمنى العمل بأبحاث السيتوجيناتكس لأنها مثمرة وتعلم الإنسان الصبر
6
»»» عبدالله «««
2010-12-19 07:40:18صباحك تفاؤل وابداع»ابدعت طال عمرك بشرحك الرائع الجميل_الذي تمنى ان يتحقق قريبا ليس للعيش للابد_ولكن للتمتع بالحياة بدون امراض الى ان يحين وقت اليقين_فالموت حق علينا جميعا^واتمنى طال عمرك بان تجروا ابحاث عن اكسير التفاؤل^فأصبح اكثر من اقابلهم واعرفهم متشائم من لاشئ_رغم انهم يملكون جميع وسائل السعادة«