في المتحف الوطني في مدينة الرياض وقف الجميع يتفرجون على مجموعات الطلاب القادمين من المدارس الحكومية والخاصة لزيارة المتحف وقد لفت نظرهم كيف أن وفود المدارس الأجنبية الخاصة لهم زي موحد وأساتذتهم حولهم وجميعهم في حالة نشاط ويسألون عن كل ما يشاهدونه، بينما المدارس الحكومية في حالة فوضى بعضهم يلبس ثيابا والبعض الآخر يلبس ملابس رياضية والغالبية في حالة رثة، كما أن الطلاب كانوا في حالة صمت رهيب وكأنهم لايشاهدون شيئاً، يقودهم الأستاذ كما القطيع، يسيرون وراءه لا يلتفتون يمنة ولا يسرة، وربما لو أن أحدهم حاول أن يشاهد شيئاً لنهره، وقد يقول له "خلك ورا ربعك". قال لي أحد من كان يراقب هذه الصورة "السوريالية" أنه مشهد يعبر عن الواقع المرير للتعليم في بلادنا، فالمدارس الأجنبية تتطور ويطلب منها "اعتماد أكاديمي" بينما نفس الوزارة لا تطلب شيئاً تقريبا من مدارسها الحكومية وتكرس تعليم "الاتجاه الواحد" الذي يبدو أنه لن يتغير في يوم. طلاب المدرسة الحكومية كانوا في حالة يرثى لها ويبدو على وجوههم التأفف، مقارنة بحالة البهجة التي كان عليها طلاب المدرسة الأجنبية حتى أن الجميع توقف عن مشاهدة المعروضات وصاروا يتفرجون على الطلاب ويتندرون على هذه المفارقة المثيرة، فالأمر لم يكن عاديا. كانت المقارنة ممتعة لأنها تكشف عن الوضع المتردي الذي يصنعه التعليم لدينا على مستوى الوعي، فطلابنا كانوا مغصوبين على زيارة المتحف ولم يكترثوا بما كانوا يشاهدونه ولم يسألوا عن شيء لأنهم لم يتعلموا على السؤال بل لا يملكون الجرأة على مواجهة أساتذتهم والتحاور معهم. هذا النوع من التعليم يكرس حالة السكون "العقلي" و"المعرفي" الذي يصنعه التعليم عندنا، فمن المعروف أن "الفضول" المعرفي هو البداية الحقيقية للاكتشاف والإبداع. المشهد كان يتحدث عن نفسه لكنه أثار لدي كل الشجون التي تجعلني أشعر بإحباط شديد.
التفاصيل اليومية في المدرسة تثير الأسى، فهي حالة تكرارية تلقينية ينتظر فيها الطلاب فترات الاستراحة لأنها تخلصهم من حالة الملل التي يصنعها البقاء في الفصل الدراسي وعندما يصل الانسان إلى هذه المرحلة من الملل لا نتوقع أنه سيتعلم شيئاً
أنا شخصيا مؤمن بمقولة "كن فضولياً تصبح عالماً"، والفضول هنا ليس بمعناه "الشعبي" فعادة ما نصف الفضولي بأنه "ملقوف" والحقيقة أن "اللقافة" في العلم والتعلم شيء محبب فلولا لقافة "كريستوفر كولمبوس" لما تم اكتشاف أمريكا، ولولا "لقافة" كثير من العلماء لما تطور العلم ولما تشكلت المعارف، لذلك فإنني أنصح بتعليم أبنائنا "اللقافة" وتشجيعهم عليها، فالعقل العربي يوصف بأنه ساكن، لأنه عقل "مؤدب" أكثر من اللازم، فعلى مر التاريخ لم يحاول اكتشاف الثقافات الأخرى ولم يحاول أن يتعرف على ما يجري حوله إلا في فترات تاريخية محدودة جدا وبالتالي لم نستطع أن نغير العالم رغم تفوقنا العسكري والثقافي لقرون طويلة. "اللقافة" المعرفية هي بداية تغيير التعليم، وهذه "اللقافة" تعني تغييراً في أسلوب التعليم وليس فقط "المناهج"، وتعني بالدرجة الأولى تغيير في علاقة الاستاذ مع طلابه وتحول كبير في معنى "الفصل الدراسي" الذي يجب أن يتحول إلى "ورشة عمل" للتواصل والأسئلة ومن ثم الاكتشاف بدلا من أسلوب التلقين باتجاه واحد، الذي يبدو أن وزارة التربية لا تستطيع التخلص منه. اللقافة هنا تعبر عن "إبستمولوجيا التعليم" التي تعني البحث عن تطور المعرفة من خلال طرح الأسئلة حتى لو كانت هذه الأسئلة مجرد "خيال علمي"، فلو أن أحد طلابنا سأل سؤالاً خيالياً فأنا على يقين أن أستاذه سوف ينهره وربما يخصم بعض درجاته بحجة أنه يضيع الوقت فيما لا طائل منه.
لقد جعلني مشهد المتحف الوطني أتساءل عن "حقوق الطلاب" لدينا، فهل يعرف الطلاب ماذا يحق لهم بدلا من هذا الزخم من الأوامر التي تتلى عليهم، وهذا "التأديب" الخارج عن الحد الذي تمارسه المدرسة وأساتذتها عليهم. هل تتلى عليهم حقوقهم، وهل يوجد لهم حقوق اصلا، أم أن المدرسة "تهذيب وإصلاح"، ولعلي هنا أسأل القارئ الكريم، هل رأى أحد أبنائه مبتهجا وهو يذهب للمدرسة، وهل شعر في يوم أنه متلهف على بدء العام الدراسي، وهل سمع أثناء الاجازة الصيفية أوغيرها من إجازات أن ابنه يتمنى انقضاء الاجازة وبدء الدراسة. أعتقد أن المدرسة لم تستطع أن تشكل عالماً مثيراً وجذاباً للطلاب وهذا في حد ذاته إخفاق أهم بكثير من إخفاق المناهج الذي أثير مع سمو وزير التربية في لقاء هيئة الصحفيين، في اعتقادي أن الأمر مرتبط بشعور "التطفل" المعرفي المفقود لدى طلابنا، وهذا ناتج أصلا من السياسة العامة للتعليم التي تصنع بيئة تعليمية جامدة ومملة. والذي يظهر لي أن المدرسة لم تفلح في تحقيق شراكات معرفية، فهي لا تؤكد على صناعة الفريق والعمل المشترك؛ إذ يندر أصلا وجود مشاريع تعليمية لأن فلسفة التعليم قائمة على علاقة الاستاذ بالطلاب "صفيا" وهي علاقة فردية محضة لا تصنع علاقات معرفية بين الطلاب، وفي حالة أي نشاط لا صفي، كما شاهدناه في المتحف" يساق الطلاب سوقا. التفاصيل اليومية في المدرسة تثير الأسى فهي حالة تكرارية تلقينية ينتظر فيها الطلاب فترات الاستراحة لأنها تخلصهم من حالة الملل التي يصنعها البقاء في الفصل الدراسي، وعندما يصل الانسان إلى هذه المرحلة من الملل لا نتوقع أنه سيتعلم شيئاً.
كنت أستغرب من نتائج الدراسات التي تقول إن التعليم يساهم أحيانا في تراجع معدل الذكاء عند الانسان، خصوصا "الذكاء الفطري" العفوي، وقد أكدت بعض الدراسات أن الطفل قبل دخوله المدرسة يكون منطلقا و "فضوليا" وتبدأ المدرسة في تقليم أظافره و"تؤدبه" وتضيق أفقه وتجعله "منتظما" حتى في اسلوب عمله الذهني. طابور الطلاب الذي شاهدته في متحفنا الوطني كان يبعث على الاسى، فأنا على يقين أن هؤلاء الطلاب كانوا في قمة الفضول قبل دخولهم المدرسة، كما هم كل الاطفال، وتحجم فضولهم في المدرسة حتى أنهم تحولوا إلى كائنات مدربة على السير في مسار واحد دون أن تلتفت عيونهم لمشاهدة ما يحيط بهم. في ذلك المشهد لم أر الاستاذ توقف لمرة واحدة ليتناقش ويحاور طلابه حول ما يشاهدونه، ولعل هذا نابع اصلا من أن الاستاذ نفسه ربما لايعرف قيمة ما يشاهده. فالمشكلة مركبة تبدأ بالبيئة التعليمية الساكنة والمناهج البالية التي لا تحث على تعلم مهارات تمكننا من التعلم الذاتي، ومعلمين لا يملكون أي مهارات تعليمية، ويفتقرون للثقافة العامة ومهارة التواصل.
1
مشعل هاواي
2010-12-12 07:58:49شكرا سعادة الدكتور
بالفعل هذاما لحظتة انا بنفسي اثنا تواجدي بهاوي بالولايات المتحدة العام الماضي لهدف الدراسة وقمت بالتنسيق مع الجامعه لاجل القيام بزيارة لااحدي افضل عشر مدارس بامريكا والتي تخرج منها الرئيس اوباما كممثل للنادي السعودي في هاواي ذالك الوقت لعلي اطلع بشي قد يعود على بخير او على وطني الغالي في حال اتيحت لي الفرصه(لم تحن بعد لاكثر من سنة) في خدمتة. فوجدت ان الطلاب قد استفادوا مني اكثر وكانهم زاروا السعودية لما لقيتة من كم هائل من الاسئلة عن بلادي اثناء التقائي بهم فوجدت منهم (اللقافة
2
قيصر
2010-12-12 06:42:43لو ارسل وفد المدارس الحكومية لنادي بدوري زين كان احسست بالفرق - فالتعليم الحكومي لدينا اغلب وقت الحصة 40 دقيقة عن طرد محمد نور وانبراشة هوساوي بينما بالتعليم الاجنبي يتناولون طرق تحفيز الطالب وتوجيهه ليكون طبيبا او مهندسا او مفكرا
3
عيد بن شاكر
2010-12-12 06:14:19هي بس على مدارس التعليم العام..
حتى الجامعات والكليات فيها تكميم لأفواه الطلاب واستهزاء من الدكتور لأن الطالب يحاول يتعلم..
مع أن الطالب في الجامعة لا يقل عمره بأي حال من الأحوال عن 19 سنة.
4
الحقاني
2010-12-12 03:16:16بصراحه ابدعت أ.مشاري على ابداعك وطرحك المميز وامنتي انك تستمر بكتابة مثل هذه المواضيع الهادفة
5
aldossari
2010-12-11 21:23:09انا ما ابالغ ولا اهول من الموضوع بس ذي حقيقه انا طلعت من المدارس الحكوميه بمرض نفسي اتعالج منه للان واثر علي تحصيلي العلمي الا وهو الخوف المرضي معلمات لايخافون الله يتفننون في ترهيب الطالب ماعندهم لا أخلاص ولا حب للعمل ولا خوف من الله وذا اهم شئ في المعلم تحس بالكره من تدخل الفصل قبل لايعرف عنك اي شئ يهزئك ومن الصبح تهزئ بالطابور صافين تهزئ صفو زين ومعبسه ومعقده حواجبها ياجعل كل مدرسه تعقد طالبه من الدراسه تتعقد في حياتها عقده مايفكها لا أطباء نفسين ولا مشعوذين بعد يارب
6
محمد الخميس
2010-12-11 20:11:25المدرس في المدرسة الأجنبية يتعامل مع 18 طالب في الفصل
والمدرس في المدرسة الحكومية يتعامل مع 60 طالب خلال 45 دقيقة كيف تريد منه ان يسمع سؤال؟؟؟
وش رايك تتبرع بالتدريس ليوم واحد ثم تكتب المقال مرة ثانية لتقف على الوضع وتعايشه بنفسك وترى مستوى نظافة دورة المياه
7
محمد أمين آشي
2010-12-11 19:45:29لا توجد حصة للتربية الفنية في المرحلة الثانوية ؟؟؟ !!!
8
مقهووورة
2010-12-11 18:57:05ابني راح رحلة مدرسية لحديقة الحيوان
ويوم رجع سألته:هاه انبسطتوا؟!
قال : لا والله راح الوقت وهم كل شوي يعدوننا !!
أيضاً تخيل:عند إقامة صلاة الظهر يجبرون الطلاب على النزول من الفصل بدون أحذية حتى لا تجتمع الأحذية عند المصلى
هذا وهي مدرسة أهلية
حقيقة بعض المدارس إحنا نبني في البيت وهم يهدمون.
9
سعود الرماحي
2010-12-11 18:40:03د. مشاري
وضع التعليم لدينا مزري فالطلاب اصبحوا كخزانات المياه!!
تعبأ من المعلمين..
والمدارس اصبحت كالسجن!! فما الذي تغير في تعليمنا منذ عشرات السنين؟؟
سبع حصص!! 45 دقيقة!! ربع ساعة فسحة!! اسكت لاتتكلم!!
خلك عريف على الفصل!! حصة الرياضة بالثياب!! المعامل غير مجهزة!! المكتبة غبار!! حصة النشاط نوم!!
10
أسامه برهمين
2010-12-11 18:18:55أسرد لك يا دكتور حكاية طالب ثانوي درس في أحد المدن الكبيرة قبل أكثر من (ربع قرن) في مدرسة نموذجية كانت تحوي ملعب كرة قدم مزروع بالنجيله الطبيعية وملعب أخر للكرة الطائرة واليد، ومع ( تقدم) التعليم لدينا في فترة لاحقة هل تحسن مستوى المدارس الحكومية الأخرى ؟؟ بالعكس تلك المدرسة أخذت منها (مساحة) الملعب وزرع مكانها (مبنى) إداري، معامل اللغة العربية (ألغيت) بدل تحديثها، هل وضع المدارس قبل 30سنة أفضل ؟؟
11
عبدالله بوشليبي
2010-12-11 17:39:14اسعد الله صباحك وصباح مع اني ليس متزوج الا اني احمل هم تعليم ابنائي في المستقبل كيق سيتلقون تعليمهم في وصعنا الحالي، لااني عشت تجربة مريرة اثناء كنت طالبا في المدراس الحكومية جعلتني اعيش في صراع داخلي يشكوا من النقص المعرفي ,,, شاكرلك
12
منصور الرويلي
2010-12-11 17:21:44"خلك ورا ربعك"
ههه
اضحكتني اضحك الله سنك في هذا الصباح الجميل.
ليت هالعبارة هي عنوان المقال فإن وراء الاكمة ما وراءها.
أحسنت فالصورة الحية تنبئك عن الواقع اكثر بكثير من مشاهد مفبركة او اختبارات... وما خفي كان اعظم
سأناقش هذا المقال مع ابنائي بإذن الله.
ولك جزيل الشكر.
13
saad
2010-12-11 16:57:08رغم الميزانيه الضخمه المخصصه للتعليم الا ان الطلبه محشورين في الفصل مثل الساردين تصدق ان عدد الطلاب في الفصل الواحد 60 طالب في مدارس حي الشفاء
14
Ahmedsh
2010-12-11 16:48:55ربما لأن الطلاب ماديا مرتاحون!يخشونهم المدرسون! مع فرق أنهم للإنجليزية مبكراً يدرسون!!وغالبا ينجحون لأنهم يدفعون!؟ وفي النهاية يتخرجون وأغلبهم لايفقهون ثم يتوظفون في مكان ابن البلد لأن الغالبية غير سعودييون!أصلا متجنسون!وبعض الكتاب لا...؟!
15
أشووواق
2010-12-11 15:15:56وقد أكدت بعض الدراسات أن الطفل قبل دخوله المدرسة يكون منطلقا و "فضوليا" وتبدأ المدرسة في تقليم أظافره و"تؤدبه" وتضيق أفقه وتجعله "منتظما" حتى في اسلوب عمله الذهني.)) ايوا الله المدرسه قلمت عقل اخوي وهو للحين ماصار له سنه فيها بس واضح الفرق..
ليش مايقبلونا في المدارس الاجنبيه نبي نتعلم زيهم حرام والله
16
خالد
2010-12-11 15:02:47صدقت يا دكتور ,, التعليم لدينا يعيش في القرن الماضي
17
احمد الهليل
2010-12-11 14:56:09"كن فضولياً... تصبح عالماً"
الفضول مغذ للعقول!
18
rdtt1000000
2010-12-11 14:46:09مااشوف فيه فرق بينهم سعيد اخو مبارك
هذي دعايه مبطنه للمدارس الخاصه
19
غالب الشمري
2010-12-11 14:42:43يا دكتور،إذا صار الراس خاوي ماذا تتوقع للتعليم،أناس يديرون التعليم وهم ليسوا متعلمين وليسوا متخصصين وليس لديهم أصلا الرغبه في التعليم،من يدير التعليم من الكبير إلي مدير المدرسه إلي المدرس يجب أن يكون هاويا محبا مولعا في هذا العمل النبيل،التعليم رساله كرسالة الأنبياء،إن هؤلاء الطلاب هم نتاج هؤلاء!!
20
سعيد بديه
2010-12-11 14:40:16كلام عسل توحيد الملابس مطلوب ويوجد بعض الجامعات توحد الملابس في بعض الكليات مثلجامعة الدمام على سبيل المثال
21
غالب
2010-12-11 14:00:25المدرسة عندنا هي السبب الرئيسي في الاحباط و كره العلم و كره الكتب و القراء، من عنده قوة ذاكرة يكون طالبا مميزا، و من لا يعرف ان يحفظ فهو طالب فاشل. مدرسين معوزين و محبطين و هم اصلا لا يحبون الدراسة و لكنهم يمتهنون التدريس لاجل الراتب. مدارس جافة و كريهة كانها سجن، حتما سوف تخرج اخشاب مسندة.
22
أم فيصل
2010-12-11 12:40:02كلام في الصميم دكتور مشاري
إن ذلك يثير الأسى،ويبعث اللوعة،إذ أن المليارات التي تصرف لم تجعل طالبا في مدرسة حكومية شغوف أو محب للمدرسة،نحتاج أن نستفيد من بيوت الخبرة الأجنبية.وأقول لك أستاذ مشاري أننا في جامعة الإمام وفي مرحلة الدكتوراة لازلنا نساق،ولازلنا يجب أن نقول كلام الدكتور..
23
عبدالعزيز الفوزان
2010-12-11 12:31:05حاجه تضيق الصدر
تعليمنا مجرد اداء وظيفي للمعلم
يداوم ويطلع باخر الدوام
24
د.الثروه
2010-12-11 11:11:10عادي اخي الكريم في ظل عدم المساوات والفقر والطبقية التي تعيشها المملكة جعلتنا ننظر الى هذه الشريحة الكبيرة بعين الاستخفاف والتكبر ولكن الله كريم.