المتتبع لمراحل التطور التنموي بمختلف مناطق المملكة يلحظ بأن قواتنا العسكرية انّى وجدت كان لها دور تنموي محلي، وشواهد ذلك نلحظها في تبوك وخميس مشيط والطائف وغيرها. وهذا أمر طبيعي أن نجد القواعد العسكرية تشكل رافدا تنمويا محليا مهماً، مثلها مثل الجامعات والمدن الصناعية الكبرى وغيرها. لقد سعدت بخبر نقل مقر كلية الملك فيصل إلى منطقة حائل، لأن ذلك يأتي امتدادا لمساهمة وزارة الدفاع في التنمية المحلية بالمناطق المختلفة، فحائل ليست منطقة حدودية تتطلب وجود قاعدة عسكرية لكن ذلك لم يمنع فكرة نقل الكلية الجوية إليها. مما يعني نقل عدد من الوظائف إليها ويعني تنشيط الحركة التجارية والسكنية حولها ويعني نشوء بعض الخدمات المساندة مستقبلاً حولها، وهكذا ستتحول الكلية من مجرد كلية إلى خلية تطوير تنموي.

ريادة الفكرة تجعلني أناشد باتباع نفس الأسلوب في التفكير بالنسبة لمشاريع أخرى، وبالذات المشاريع المشابهة. فما المانع أن نرى كلية تنتقل لمنطقة الجوف أو القصيم أو نجران ، وكلية أخرى للباحة أو الدوادمي أو غيرها من المناطق والمدن؟ أختار مثالا القطاعات العسكرية التي يمكن أن تقوم بذاتها في مناطق بعيدة وليست بالضرورة تتطلب البقاء داخل المدن الكبرى بحكم أن طبيعة الوظيفة العسكرية تفرض على العسكريين العمل في مختلف البيئات والظروف. بل إن تلك الكليات بعضها يكاد يختنق داخل المدن الكبرى ويصبح غير قادر على إجراء تدريباته ومناوراته بشكل كاف لضيق المساحات الممنوحة وازدحام المدن. وهذا ما أدركته كلية الملك فيصل الجوية وأدركه قادة وزارة الدفاع وعلى رأسهم سمو ولي العهد وزير الدفاع حفظه الله.

ولعلنا نشيد هنا كذلك باستعداد منطقة حائل نحو استقبال هذه الكلية التي صرح سمو أميرها ، الأمير سعود بن عبدالمحسن "بأن الكلية ستكون رافدا اقتصاديا كما هي القطاعات الحكومية والعسكرية المختلفة المنتشرة في بقية مناطق المملكة، التي تعتبر محركا اقتصاديا رئيسا ومهما للوطن والمواطن" كما تواصل سموه مع الأمير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية لإيصال الخدمات إلى موقع الكلية، والتوجيه بتكوين فريق عمل من الجهات المختصة في المنطقة برئاسة وكيل إمارة المنطقة لتذليل أي عقبات حيال إيصال الخدمات إلى موقع الكلية، بما يسهم بالإسراع في تنفيذها تحقيقا لتطلعات ولاة الأمر.

من هنا يجدر ببعض إمارات المناطق وبالذات تلك التي تعاني من نقص المشاريع التنموية الكبرى بها أن تبادر بالتواصل مع الجهات الحكومية الكبرى مثل القطاعات العسكرية والصناعية والتعليمية للبحث عن فرص تناسب مناطقها مثل تلك التي حدثت في موضوع كلية الملك فيصل الجوية. بل هي دعوة كذلك للمدن الكبرى المكتظة بالسكان والمؤسسات المختلفة أن تبحث إخراج بعض المشاريع الكبرى إلى مناطق أخرى للمساهمة في تقليص الازدحام والضغوطات السكانية والخدمية بها. ففي النهاية نحن بلد واحد وقوة مناطقنا في تكاملها وتعاضدها، وليس في استئثار منطقة واحدة بجميع مقرات المؤسسات الحكومية. والعبرة النهائية تكمن في تقديم ما يفيد الوطن ككل ويساهم في تنميته بشكل متوازن، ولنا في ما فعلته وزارة الدفاع والطيران أسوة.