على الرغم من اختصاصي في مجال الوراثة البشرية الذي أنا غارق في حبه حتى النخاع إلا أنني مغرم بالاطلاع على آخر إنجازات أهل العلم من التخصصات الطبيعية الأخرى إذ أنها تعمق شعوري بأني ما أوتيت من العلم إلا قليلا وتزيدني انبهارا بما أنعم الله على الإنسان به من عقل يسبر أغوار هذا الكون ، وكم تدين البشرية لأهل العلم هؤلاء الذين سخر الله بعلمهم أدوية لا تكاد تحصى وابتكارات لا تكاد تعد يسرت حياة الإنسان . كنت أقرأ العدد الأخير من مجلة ساينس العريقة التي يحلم كل عالم أن ينشر بحثه فيها و أسرتني دراسة في علم النفس آثرت على كثرة مشاغلي أن يعرف عنها القارئ العربي الكريم الذي أعترف سلفا بتقصيري الشديد في تثقيفه في مجال اختصاصي . الدراسة مدارها على اكتشاف نوع جديد من الذكاء أطلقت عليه اسم الذكاء الجماعي . الكل يعرف أهمية التشاور في اتخاذ القرارات وحل المشاكل فكما يقول المثل الأجنبي "عقلان اثنان خير من عقل واحد" ولا يكاد أحد منا يفتقر إلى تجربة انسداد الحلول في وجهه حتى يتشاور مع آخرين فيرى الحل في صورة لم تخطر له على بال . الغريب من هذه الدراسة أنها ليست فقط الأولى التي درست هذه الظاهرة بهذا الشكل العلمي ولكنها أتت بنتيجتين لم تكونا على حسبان القائمين عليها بل وأكاد أجزم أنها لم تكن على حسبان القارئ الكريم كذلك . كنت كما غيري أعتقد أن الذكاء الجماعي (قياس قدرة المجموعة على حل مشكلة معينة) مربوط بذكاء أذكى عناصر المجموعة . بمعنى آخر ، متى ما كان في المجموعة فرد واحد عالي الذكاء فإن مجموعته ستكون الأقدر على حل المشاكل وبالتالي ستحصل على درجة ذكاء جماعي عال ، وكذلك ظن الباحثون القائمون على هذه الدراسة ، إلا أن المفاجأة كانت في أن ذلك غير صحيح على إطلاقه . أما المفاجأة الثانية فكانت في ملاحظة أن الذكاء الجماعي يزيد كلما زادت نسبة الإناث في المجموعة . العلماء طبعا لا ينبغي أن يكتفوا بهذه الملاحظة بل لا بد وأن يقدموا لها تفسيرا وبالفعل فقد وجدوا أن السر يكمن في ذكاء المرأة الاجتماعي (قياس قدرة الفرد على قراءة لغة الجسم والوجه للآخرين) الذي يفوق نظيره في الرجل ، بمعنى أنه متى ما تم تحييد هذا العامل في التجربة فإن الذكاء الجماعي يكون متقاربا بين المجموعات المختلفة بغض النظر عن نسبة الذكور و الإناث .
لعل القارئ الكريم فطن إلى السبب الذي دعاني للكتابة عن هذه الدراسة الهامة والذي هو في الواقع من شقين . الشق الأول أنني أريد أن أوصل إلى القارئ العربي أهمية التشاور في اتخاذ القرارات وهي ثقافة يؤسفني أن أراها تنسب دائما إلى غيرنا على الرغم من تراثنا العريق الذي يحث بنص القرآن على أهمية الشورى . وكما أدت ثقافة القائد الأوحد الذي لا يري غيره إلا ما يرى لقناعته بذكائه ، كم أدت إلى مآس عانى منها عالمنا العربي الأمرين هذا لو سلمنا بذكاء القائد الذي أثبتت الدراسة أنه لا يكفي بالضرورة للوصول إلى قدرة في حل المشاكل حتى مع التشاور فكيف إذا كان هذا القائد دكتاتوريا بل وكيف لو لم يكن ذكيا أصلا !
الشق الثاني يتعلق بما لمشاركة المرأة في الاجتماعات والتشاور من أهمية ، و أتمنى أن تكون نتيجة هذه الدراسة سببا لأن نترفع أن يكون الدافع من إشراك المرأة في هذا الدور الحيوي رمزا شكليا لذر الرماد في العيون و لإظهار أننا نحترم المرأة ، وإنما لقناعة داخلية في ذكاء المرأة الاجتماعي الذي يفوق ذكاء الرجل والذي أثبتت الدراسة أن من شأنه أن يقلب موازين النجاح لهذه الاجتماعات . فهل يأتي اليوم الذي تنتبه فيه مؤسساتنا كم تخسر في اجتماعاتها من فائدة كانت لتحصل لو تم إشراك المرأة فيها ؟
*كبير علماء أبحاث الجينات واستشاري
مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث - الرياض
1
زهرةالسوسن
2010-10-25 07:53:19هاذا البحث ردعلى أصحاب المثل اللي يقول شاوروهن وخالفوهن أوصاحب المثل واللي يعملون فيه خسرانين100%
2
العسكر
2010-10-25 05:41:03كلامك جميل يابن بصيص ويختصر مااريد ان اقوله
3
بنت البلد الحر
2010-10-25 05:37:15لولم تكن المرأة ذا رأي وحكمةوذكاء لما نالت في الدول الأخرى مقاعد ومناصب ومسؤليات سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها وكانت عجلت تحرك تساند الرجل في تطوير بلدها ومجتمعها،بل يكفيها أنها قادرة على تدبير شؤون أولادها ومنزلها لتجعله في حالة توازن مع التطور والتجدد المستمر وصعوبة الحياة.
4
اميره*
2010-10-25 01:03:09احاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)جميعها تثبت استشاره المرأه, وليس توليها القرار والمنصب, وياليت نجعل قدوتنا حبيب الامه نبينا محمد
5
الجوهره
2010-10-24 17:49:46والاحداث كثيره على ان راى المراه له دوره في حل الازمات نذكرمنها السيده خديجه ورائها في فك الاحرام عندما لم يتمكن المسلمون من دخول مكه.وكذلك رأى ملكه سبا في اجتناب الحرب.وشجره الدر وانقاذ مصر من الهزيمه. وغيرهن من سيدات العصر الحديث التي اصبحن مضرب مثل
( وانا اخو نوره)
6
خطيب
2010-10-24 16:23:21شكرا لهذه الترجمة خاصة انها من مرجع يستحق الاطلاع ونحن في حاجة ماساة لفتح افق صحفي للجميع
يعزز مثل هذا التوجة العلمي الذي صار يرتبط بالضرورة الخالصة لمواكبة صيرورة المجتمعات المتقدمة.
لك التحية.
7
نوره40
2010-10-24 14:38:56مقال جميل جزاك الله خير
8
البصيص
2010-10-24 13:49:30وكذالك الموسسات التي فيها عنصر نسائي تستشار المرأة كالتعليم والطب...
فمن قال ياأخ فواز انها فرص ضائعة
الا اذا كان المقصود فرصة حضورها طاولة الأجتماع بشخصها للأستشارة !!! فهذا غير
فالسؤال كيف نستشير المرأة "في المؤسسه"وليس في الأستشارة ؟
9
البصيص
2010-10-24 13:36:34ان في تاريخنا مايثبت استشارة المرأة في كثير من الأمور
-اخذ النبي صلى الله عليه وسلم راي ام سلمة في قصة الحديبية
-عمر واستشارته لحفصة في مدة صبر الزوجة عن زوجها
-استشارة ابن الزبير لأمه اسماء في الحجاج
وهناك من يستشير أمه أو اخته او زوجته..
فهذا موجود وليست المرأة مغيبه عن الأستشارة
10
خلود 99
2010-10-24 09:33:52موضوع رائع
استفدت منك كثيرا استاذ فوزان
شكرا