لا شك بأن الوساطة التي تحدثت عنها والتي اعتمدت في مقالي السابق وهذا المقال أيضاً على ورقة عمل مجهولة الكاتب بعنوان ( تجربة المملكة المتحدة في الحلول البديلة لفض النزاع ) .. بالإمكان استنساخها وإعادة تطبيقها لدينا في المملكة العربية السعودية إن اطلعنا على بقية التجربة البريطانية القضائية في الأخذ بها :
شهدت الوساطة في بريطانيا تطوراً كبيراً خلال العشر سنوات الأخيرة في الفترة الأخيرة حيث طالبت 60 محكمة صغرى السماح لها بدفع أطراف النزاع للجوء إلى الوساطة قبل اللجوء إليها كجهة تقاضي .. معتمدين في ذلك على تجربة محكمة لندن السباقة في هذا المجال واضعة برنامجاً خاصاً لها .. ولإنجاح التجربة فقد اعتمدت محكمة لندن على دراسة أكاديمية متخصصة قامت بها إحدى المراكز البحثية حول طريقة إنجاح الوساطة .. وبعد هذه الدراسة انتهت المحكمة إلى الاستعانة بمركز الحل الفعال للنزاعات حيث أصبحت تحيل عليه وثائق القضايا القابلة للوساطة.
مركز الحل الفعّال للنزاعات حل اختياري ولم يكن إجبارياً خصوصاً في بداياته .. ومن يلتجئ إلى الوساطة يكون راضيا عن نتائجها .. حيث شاركت أطراف متعددة في إنجاحها على خلاف ما هو عليه الأمر في التقاضي العادي.
الهدف من تبني فكرة الوساطة هو تسهيل الإجراءات على المتقاضين وتبسيطها وقد سهّلت وزارة العدل البريطانية ذلك عن طريقها وضعها لثمانية برتوكولات تعرّف الأطراف على مختلف المراحل التي تقطعها الوساطة ، والتي يمكنهم اتباعها.
سعت وزارة العدل البريطانية منذ سنوات إلى إلزام السلطة القضائية بإلزامية الوساطة عوض اللجوء إلى التقاضي .. ولتحقيق هذا الهدف فقد وضعت الوزارة برنامجا لحث الأطراف على الوساطة وتوجيههم نحوها، علما أنها غير إلزامية ويمكن للأطراف رفض اللجوء إليها إذا أرادوا ذلك إلا أن الشخص الذي يرفض اللجوء إلى الوساطة يعاقب بتحمله لمصاريف الدعوى .. إذا لم يبرر موقفه بمبرر مقبول.
في إطار الجهود المبذولة من طرف وزارة العدل البريطانية فقد قامت بتعيين موجهين ومرشدين للوساطة يعملون بشكل مستمر لهذا الغرض .. كما أنجزت مطبوعات ومطويات إعلامية توزع على المواطنين لتوعيتهم بأهمية الوساطة .. كما وضعت رقما موحدا للاتصال عبر الهاتف أو الانترنت.
تتولى محكمة الاستئناف بلندن البت سنوياً في (3500) قضية ويلجأ إلى الاستئناف بناءً على موافقة من قاضي الموضوع.
الخطوة الكبيرة التي دفعت بالوساطة هي توصية وزير العدل البريطاني بحل مشاكل الإدارات عن طريق الوساطة منذ سنة 2001 م وبإنشاء هذا النظام تم حل عدة مشاكل مكنت الدولة من اقتصاد مبالغ مالية هامة.
في إطار الحث على الوساطة فإن كل نزاع يقل عما قيمته 300،000 ريال تأمر المحكمة بالوساطة فيه ويؤدي كل طرف ما قيمته 1200 ريال كرسم لشركة الوساطة ويدفع المركز بدوره للوسيط ما أخذه من الأطراف .. ومعدل الوساطة 8 ساعات أما الوساطة عن طريق المحكمة فمعدلها 3 ساعات ويحدد المركز الأتعاب التي تدفع بالنظر لأهمية وقيمة النزاع .. ويؤدي الوسيط الذي يرغب في عضوية هذا المركز ما قيمته 18000 ريال عن خمسة أيام من التدريب ونجاح المتدرب مرهون بالرأي الذي يبديه الوسيط الذي يشرف على تدريبه .. وجودة التقرير الذي ينجزه في نهاية التدريب في الموضوع.
من أسباب نجاح الوساطة مساندة رجال الأعمال والتجار لها إضافة إلى التعاون مع مكاتب المحامين .. وكذلك الخبراء الذين تفرضهم المحكمة على الطرف الذي يرفض اللجوء إلى الوساطة وقد ساهم ذلك في ارتفاع نسبة الإقبال عليها كما تشير إلى ذلك الأرقام التي أخذت تتصاعد ابتداء من سنة 96 إلى 2003 م.
رغم كل الانتقادات الموجهة إلى الوساطة من الضغط على الأطراف للجوء إليها .. فإن أرقام النجاح في الوساطة فاقت حدود 70 % مع العلم بأن الوساطة في بريطانيا تشمل كافة المجالات المدنية قبل وبعد وصولها إلى المحكمة.
من أجل مزيد من الضمانات للوساطة كحل بديل للنزاع فإن الاتفاق الذي يقوم به الوسيط تتم مراجعته من طرف المحامي أو نقابة المحامين .. وتم استحداث صندوق تأميني لتغطية الأخطاء التي تصدر عن المحامين وذلك لجبر الضرر.. كما أن القضايا التي لا يكون فيها الأطراف حاضرون أمام الوسيط يمكن مراجعتها من طرف القاضي كما هو الشأن في قضايا الإيجارات.
قضاؤنا الذي يحقق الإنجازات ويخضع لمرحلة تطويرية رائعة حالياً .. خليق بأن يبدأ بهذه التجربة البريطانية الناجحة .. والذي بدأ الأردن بتطبيقها بنجاح فائق حتى في الأحوال الشخصية.
*قانوني
1
عند الله تجتمع الخصوم
2010-10-11 16:59:06مقال رائع ومفيد
جزاك اللله خير