(و) كعادته .. مستعجل دائماً .. ورغم المشاكل التي يقع في غمارها دائماً نتيجة استعجاله .. إلاّ أنه ما ينفك يخرج من واحدة ليقع في أحضان الأخرى .. المشكلة طبعاً ..؟!

ولذا لم يكد يدخل مكتب العقار.. والمعتاد على ارتياده دوماً.. حتى رأى ذلك الرجل الأشيب والذي يعرف حتماً بأن لن يبيع تلك العمارة التي تدر عليه دخلاً ممتازاً .. قياساً على القيمة السوقية لها الآن .. فضلاً عن عمرها الذي جاوز العشرين عاماً .. ولذا أرخى أذنيه .. وأغمض عينيه .. بشدة .. وهو يسمع الرجل يتبادل حديثاً حول بيع (العمارة ) بسعر بخس .. لا يكاد يصدّقه .. ولذا أطلقها مدوية من فوره .. ( اشتريت .. كم حدّك ..؟! ) .

العجيب أن ( و ) لم يعرف أن مفردات اللغة العربية من مصطلح ( عمارة ) يشمل كل ما ضم تحته من وحدات سكنية مستقلة .. حتى لو كانت عمارة شعبية .. لا تحوي سوى .. 3 شقق .. متهالكة .. كان قد دفع العربون .. وتوقف عقله وريقه أمام كاتب العدل .. بعدما رأى الصك قبل الإفراغ .. طلب الإقالة .. فهناك حتماً خطأ .. ( أراك في المحكمة .. وستدفع المبلغ رغماً عن أنفك .. ) .. كان هذا آخر ما سمعه قبل أن يبدأ مشوار جلسات المحكمة ..!

تأتي ‏المعاملات المالية على أساس التراضي بين الطرفين – كما يقول علاّمة فقه المعاملات محمد تقي المدرسي- ويعني‏ التراضي ابتناء رضا طرف على الطرف الآخر .. هذا التراضي يقوم على‏حقائق ثلاث:

1 عقد العزم والإرادة، فأحد أركان التراضي هو وجود إرادة جازمة عند كل طرف بالالتزام بأثر العقد الذي يتراضيان عليه.

2 توافق الإرادتين لدى الطرفين هو الآخر ركن من أركان‏ التراضي ، فلو اختل هذا التوافق فقد العقد جوهره. "فلو كان أحدهما ‏يشتري محلاً تجارياً بينما البائع يبيعه بيتاً سكنياً فلا يقع العقد لعدم ‏توافق الإرادتين".

3 الباعث لدى الطرفين "نية الطرفين" هو أيضاً من مكونات ‏توافق الإرادتين، فإن مجرد توافق الإرادتين لا يكفي في صحة العقد.

إذاً فإن إرادة المخطئ والذي يكون في حالة تحمل على توهم غير الواقع .. فيريد شيئاً فيغلط .. إنما تكون غير مكتملة لما قاله .. وبالتالي لا يقع التراضي .. ولهذا فإن الغلط في العقود ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

  • ما كان يفقد أصل التراضي.

  • ما كان التوافق موجوداً فيه بنسبة معينة .. فإنه قد يصحح العقد بالإجازة اللاحقة .. كما إذا اشترى بيتاً باعتباره في حي ( أ ) .. فإذا هو في حي ( ب ) .. فإن للمتضرر حق فسخ العقد كما له الحق في‏ إمضائه .. والمعيار هو وجود خلل غير أساسي في إرادة أحد الطرفين .." فلو كانت عشرون شقة بمواصفات واحدة في عمارتين معروضة للبيع .. فاشترى أحدهم الشقة رقم 5 في العمارة الأولى، بينما باع المكتب‏ العقاري الشقة رقم 5 في العمارة الثانية، فالتوافق هنا موجود بنسبة معينة .. إذ الاختلاف ليس إلاّ على هذه العمارة أو تلك .. فباستطاعة المشتري الإصرار على ما كان يريد وفسخ المعاملة .. أو الرضا بما وقع‏ وإمضائه".

  • وقد لا يكون مضراً بالعقد لأنه لا يشكل أي خلل في توافق ‏المتعاقدين .. وإنما في أمور خارجة عنه .. كما لو كانت هناك صفة باعثة لطرف على إجراء العقد ولكنها لم تكن ضمن التراضي .. "مثلاً اشترى ‏أرضاً بتصور أن البلدية سوف تشق شارعاً يمر أمامها .. ثم تبين غير ذلك .. فإن هذا النوع من الغلط لا يوجب بطلان العقد ولا جواز فسخه فإن هذا الغلط لا يؤثر على سلامة العقد لأنه لا مدخلية له في توافق‏ الإرادتين وحصول الرضا".

ولذا انتبه عزيزي القارئ .. فإن القضاة في أحكامهم لا يعتمدون في إبطال العقود إلاّ إلى ما يسمّى ب ( الغلط الحاسم ) : والذي لولاه لما وافق من وقع فيه على التعاقد .. فالعبرة قضاءً ليست بسبب الغلط .. إنما بدرجة تأثيره على رضاك ورضى الطرف الآخر ..!

  • قانوني