كررت الكتابة (في الأعوام 2001 ، 2002 و 2004م ) عن البحث العلمي وبالذات المتعلق بالمجال الصحي والبيولوجي وفي كل مرة أشير إلى ضرورة وجود نظام يتعلق بأخلاقيات البحث العلمي والتأكد من عدم إضراره بالإنسان والحيوان والنبات والبيئة ، وكذلك التأكد من عدم تعارض المصالح في قبول دعم جهات تجارية تؤثر في نتائج البحث وتسهم في توجيهه نحو مصالح خاصة، مثل دعم شركات الأدوية للبحوث التي تخدم مصالحها وتروج لمنتجاتها.. إلخ من الضوابط. ليس ذلك فقط، بل إن أبحاث الخلايا الجذعية والجينات تمثل تحدياً أخلاقياً وأمنياً على المستوى الوطني، سواء الأمن بمفهومه العام من ناحية إمكانية تصنيع أسلحة بيولوجية وجرثومية ، أو الأمن الصحي والدوائي والمعرفي حين تتمكن جهات أجنبية، على سبيل المثال، من التحكم في مصادر المعلومات المتعلقة بالأمراض المنتشرة في المجتمع السعودي والتركيبات والشفرات الجينية والوراثية ذات العلاقة...

لقد صدر الأمر السامي الكريم (عام 1422هت) بتشكيل اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية التابعة لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وكان من ضمن المهام الموكلة إليها وضع التشريعات الوطنية لتنظيم البحوث الطبية على الإنسان وخاصة السريرية، ونوقش مشروع نظام في هذا المجال في مجلس الشورى وغيره من الجهات ذات العلاقة ، لكنه لم يصدر شيء حتى الآن. اللجنة المشار إليها تشارك في المحافل الدولية ذات العلاقة ، ومن ضمن مشاركتها ترؤسها للجنة الحكومية للأخلاقيات الحيوية التابعة لمنظمة اليونسكو.

أليس غريباً أن نترأس لجنة دولية تضم دولاً ذات قوانين في هذا الشأن ونحن لم نستطع إعداد النظام الوطني المناسب في هذا الشأن؟

هناك فرص استثمارية واعدة في مجال البحث العلمي المتعلق بالتقنيات الحيوية والبيولوجية بما في ذلك الأبحاث الجينية ومايتعلق بالشفرات الوراثية والخلايا الجذعية بل إنه تجرى بعض الأبحاث في هذا الجانب بالتعاون مع شركات وجهات أجنبية دون ضوابط واضحة.

للأسف هذا الأمر تهمله حتى الجامعات التي تتبنى كراسي علمية وأبحاثا متنوعة في مجالات سريرية وبيولوجية وتقنية دون أن توجد لديها لجان أخلاقيات بحوث واضحة المعالم والأنظمة تطبق على الجميع، بل وحتى لائحة أو نظام البحث العلمي المطبق على الجامعات لايوجد به نصوص تجبر على تكوين مثل تلك اللجان أو تؤكد على أهمية حفاظ البحث العلمي على سلامة الإنسان والبيئة والحيوان والنبات.

لا أدري مبررات تأخر صدور مثل ذلك النظام، وهو نظام مصادره متوفرة وإعداده ليس معقداً إذا ماعلمنا بأن هناك أنظمة مشابهة في جلّ دول العالم وتوجد مرجعيات عالمية في هذا الشأن، بل ويوجد تجارب محلية وإن كانت محدودة لدى بعض المؤسسات الصحية المتقدمة...

الموضوع يتعلق بأكثر من جهة ولا ندري أيها كانت سبباً في تأخير مشروع نظام البحوث الحيوية والطبية ، وأيها يفترض أن يتولى زمام المبادرة بشكل جدي: هل هي وزارة الصحة، وزارة التعليم العالي، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الجامعات، مجلس الشورى، هيئة الغذاء والدواء، مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ، وزارة الزراعة، أم غيرها من الجهات؟ بل إن هناك تنافسا غير معلن حول من يملك حق إنشاء والتحكم في بنوك الخلايا الجذعية يدور بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، وزارة الصحة وجهات بحثية وتعليمية أخرى، والأمر يتطلب قوانين واضحه وصريحة في هذا الشأن...

إذاً نرجو المسارعة بإصدار التشريعات المناسبة في شأن البحوث الطبية والبيولوجية، ومساءلة أسباب التأخر في هذا الأمر كل هذه السنوات...