بعد أن حجب حضور البابا يوحنا بولس الثاني الاستثنائي ضعف موقع الكنيسة الكاثوليكية وسط عالم متحول، سيواجه خليفته رهانات هائلة مرتبطة بتطور السلوك الاجتماعي ومنافسة الديانات الاخرى وتراجع حركة الانخراط في السلك الكهنوتي.

وان كان البابا فويتيلا نجح في نشر رسالة الكنيسة بشكل غير مسبوق على الصعيد العالمي، غير ان وفاته ستكشف نقاط الخلل في المؤسسة وستحرك المتطلبات المتضاربة والتطلعات المتناقضة لدى مليار من الكاثوليك عبر العالم.

وبالرغم من الصورة الظاهرية التي تعكسها الكنيسة الكاثوليكية، فهي اليوم اكثر ضعفا منها في بداية بابوية يوحنا بولس الثاني قبل 26 عاما، حيث بات 17٪ من سكان العالم ينتمون الى هذه الطائفة مقابل 17,75٪ عام 1978 فيما عدد المعمدين يزداد بنسبة اقل من تزايد عدد الولادات.

وفي المقابل، يشهد الاسلام والتيارات الانجيلية المنبثقة عن البروتستانتية انتشارا فيما يزداد ايضا عدد الملحدين وغير الملتزمين.

ويقيم 75٪ من الكاثوليك اليوم خارج اوروبا، القارة حيث انتشرت اساسا الديانة الكاثوليكية فيما تسجل فيها اليوم انحسارا.

واوضح الكاردينال البرتغالي جوزيه ساراييفا في صحيفة جورنال دي نوتيسياس ان «كل المشكلات تقريبا» التي يطلب فيها تدخل الكنيسة «تنشأ في اوروبا ولا سيما في ما يتعلق بالمبادئ الاخلاقية في مجال علم الاحياء».

وتنشط التيارات الكاثوليكية المعارضة بصورة خاصة في اوروبا، ثم في اميركا الشمالية بقدر اقل.

وتبدي هذه التيارات ومنها الحركة الالمانية «فير زيند كيرشي» (نحن الكنيسة) مخاوفها ازاء تزايد التباعد بين الكنيسة الكاثوليكية والمجتمع الحديث ولا سيما في الشؤون الاجتماعية مثل الطلاق ووسائل منع الحمل فضلا عن المبادئ الاخلاقية في المجال الاحيائي.

وتندد هذه الحركات «بسلطوية» المؤسسة الكنسية و«مركزيتها»، وتنتقد منع رسم النساء والرجال المتزوجين والتردد في الحوار مع الطوائف المسيحية الاخرى.

وسيتسلم البابا المقبل بهذا الصدد ملفا صعبا، حيث واجه الكاثوليك مرارا بعد عودة حرية المعتقد الديني الى الامبراطورية السوفياتية السابقة اتهامات من كنائس اوروبا الوسطى الارثوذوكسية بالمبالغة بالتبشير.

غير ان قسما كبيرا من الكهنة واتباع الكنيسة الكاثوليكية ولا سيما في القارات التي تواجه منافسة اديان وطوائف اخرى، يبقى متمسكا بخصوصية هذه الديانة وهو التشدد الاخلاقي ومنع رسم النساء ومنع زواج الكهنة وتعليق اهمية كبيرة على الطقوس والشعائر الدينية.

غير ان حيوية الكنيسة الكاثوليكية في القارتين الآسيوية والافريقية لم تعد تعوض عن تراجع طالبي الارتسام كهنة في القارة الاوروبية التي كانت في الماضي قارة المنصرين، حيث انخفض عدد الكهنة من 416329 عام 1978 الى 405450 عام 2003.

وقد يسعى مجمع الكرادلة ازاء هذه الرهانات والتحديات الى اعطاء حيوية جديدة للكنيسة باختيار بابا متحدر من القارات «الفتية»، اميركا اللاتينية وآسيا وافريقيا.

غير ان بعض اعضاء كنيسة الفاتيكان يشيرون الى ان ميزة الكرادلة الاوروبيين هي انهم يعرفون جيدا «البيت» الفاتيكاني ويفكرون منذ زمن بعيد من منظار دولي.

ورأى الكاردينال البلجيكي غودفريد دانيلز الأحد انه لدى اختيار خلف ليوحنا بولس الثاني «يجب ان نتوقع البحث عن توازن جديد».

لكنه حذر من انه «إذا أمكنني اسداء نصيحة الى البابا المقبل، فهي الا يسعى لتقليد» يوحنا بولس الثاني بل ان «يكمل ما انجزه ويقوم بجهود افضل».