تزخر بلادنا الحبيبة بالكثير والعديد من المعالم الأثرية والتاريخية البارزة وكذلك الأطلال القديمة التي لها تاريخ عريق وماضي جميل .. وبيوت الطين لاشك هي في الواقع جزء من تراث ماضي الآباء والأجداد فقد تم بناؤها في ماضي السنين وطريقة بنائها الجميل يدل على حب الآباء للعمل السليم والاعتماد على النفس .

وبيوت الطين في الواقع تختلف في بنائها وعناصرها وموادها التي تبنى منها وأشكالها التقليدية التي فرضتها طبيعة بلادنا الجغرافية في كل منطقة ، وكانت في ذلك الزمن الجميل هي البيوت السائدة والمنتشرة ، وتعتمد في عملية البناء على مادة أساسية هي مادة الطين الذي تجود بها طبيعة المنطقة ولأنه قوي ويتحمل الحرارة وشدة البرودة والأمطار ومتوفر وسهل الاستخدام والتشكيل الرائع على واجهة جدران بيوت الطين التي لها في قلوب الناس عشق ومحبة .. وكذلك لها ذكريات جميلة وأحداث متنوعة وحنين للأيام الجميلة ومشاهد لا تنسى في حياتنا ومن القصائد الشعرية التي تتحدث عن بيوت الطين في الماضي وجمالها وعشق الناس لها تلك القصيدة التي هاضت بها قريحة الشاعر سعد الخريجي التي يتحدث فيها عن عشق الأطلال ومنها قوله :

يا ناس ذاك البيت لا تهدمونه

خلوه يبقى للمحبين تذكار

خلوه حب سنين خلفه ودونه

في داخله قصة مواليف وأسرار

من يعشق الأطلال دمعه يخونه

لا صارت أقدامه على سكة الدار

عش الحمام اللي بعالي ركونه

رمز الوفاء .. رمز المحبة .. والإصرار

وكان الأجداد يعملون لبيوت الطين رسوماً وأشكالاً جمالية وكان ذلك يتم باليد لواجهة المنزل مثل المثلثات والمربعات وما شابهها كي تبدو الدار في شكلها النهائي جميل المنظر .. وفي وصف جميل وتعبير عن مشاعر شاعر عاشق للأطلال والماضي يقول الشاعر علي بن محمد القحطاني :

شاهدتها صدفة على باب دكان

في سكةٍ بين البيوت القديمة

في حارةٍ ماكن حيٍ بها كان

ما باقي إلا آثارها مستقيمة

محا الزمن عنها الزخارف .. والألوان

تحطمت من عقب ما هي سليمة

والمواد التي تستخدم لسقوف منازل بيوت الطين القديمة كانت عبارة عن خشب من جذوع النخيل أو الأثل أو السدر الذي يوضع فوقه جريد النخل المبعد عنه سعفه ثم يوضع فوقه الطين المخلوط بالتبن كي تتم عملية التسقيف فيظهر المنزل بشكله الجميل الرائع من الداخل والخارج ، ولاشك أن الماضي له ذكريات خاصة في قلب كل إنسان وكذلك الشعراء والشاعر شجاع بن نايف القحطاني يتحدث في هذا الشأن بهذه الأبيات الرائعة :

عسى الله يذكر وقتنا اللي مضى بالخير

ويذكر هذاك البيت الابيض ومنهوله

زمان الطفوله مرّنا في ذراه عصير

وقمنا نتلاعب تو بابه ومن حوله

وطال الزمان وصار وقت الليالي غير

فرقا الولايف خلّت الكبد معلوله

وكانت العادة في الماضي أن يتم بناء بعض بيوت الطين داخل المزارع للقرب من المزرعة والاهتمام بها أكثر وهناك من كان بيته بعيد عن مزرعته الخاصة ، ودائماً يكون للمكان عشق وحنين داخل أعماق الناس خاصة الشعراء فهذا الشاعر المشهور سليمان بن حاذور (يرحمه الله) عندما مر في أحد الأيام على أحد المنازل وسأل عن أهل الدار فوجدهم قدر رحلوا فتذكر الماضي ثم فقال :

مريت بيتٍ للمحبين مقفول

جابتني القدرة على حد بابه

ونشدت جيرانه عسى البيت منزول

قالوا حبيبك راح لا واسفا به

له مدةٍ بالسوق ما شيف له زول

وبابه عليه من السوافي ترابه

وهلت دموع العين والقلب مشغول

وعند الفراق اللي حصل في غيابه

واقفيت واللي بين الاضلاع مجهول

حبٍ درسته غيب ماهو كتابه

وتتميز بيوت الطين عن غيرها بجمال التصميم وقوة أبوابها وكانت تغلق بالمزاليج وتعمل من خشب الأثل أو من جذوع النخل وتوضع قطع الخشب بشكل طولي بجوار بعضها ويتم تثبيتها بقطع من الخشب توضع بالعرض مخرمة ليصل بينها وبين خشب الباب سيخ من الحديد ذي طبعة كبيرة على شكل دائري من جهة ومدبب من الأخرى ليتم ثنيه لتثبيت الخشب .







ويختلف بيت الطين من منزل لآخر على العديد من الأجزاء المميزة ومنها :

• المجلس ويسمى (القهوة) و ( المشب ) وهو محل استقبال الضيوف وعناية صاحب البيت حيث يحتوي على الدولاب ( الكمار ) الذي يوضع فيه الدلال والأباريق ويحتوي أيضاً على الوجار ( المكان الذي تشب فيه النار ) كي تعد فيه القهوة والشاي وعادة الرجال هم الذين يتولون مهمة عمل القهوة للضيوف .

• الدهليز وهو الممر من المدخل الرئيسي إلى بقية الدار ، ويكون مستطيل الشكل .

• الحوش ويكون في فناء الدار وحوله مجموعة من الغرف ، ويوجد في أحد أركانه غالباً بئر ماء ونخلة أو نخلتين وشجرة رمان وما شابهها .

• غرف الدار وتختلف في أعدادها حسب عدد الأسرة ، وتخصص غرفة للنوم وغرفة للطبخ وغرفة لتخزين المواد الغذائية وكذلك غرفة لتخزين علف الماشية .

•الدرج وهو السلم الذي يؤدي إلى الدور الثاني ، ومعظم بيوت الطين مكونة من دورين وسطح .

•سطح الدار ويكون ذو جدار مرتفع لاستخدامه في المبيت ليلاً وقت الصيف .

• الروشن وهو غرفة واحدة تقع في سطح المنزل لحفظ الحبوب ومفارش النوم .

ختاماً .. بيوت الطين وأيام الطفولة والحارة .. حقيقة هي صور جميلة جداً .. ودائما تبقى ذكرياتها بحلوها ومرها لا تغيب عن البال وإن طالت السنين وتغيرت ملامحها .. والأجمل في هذه الذكريات عندما نترك العنان لخيالنا نجده ينطلق في سماء الماضي الرحب ويذكرنا بأيامه الخوالي فأجمل شيء هو الحديث عن أسرار الماضي وذكرياته الحالمة .. ومن خلال موضوع هذا اليوم ربما أذكركم أحبائي القراء بالماضي وأحداث الذكريات التي لا تنسى في حياتنا الماضية .. وكذلك الحنين للأيام الجميلة كما قال الشاعر فيصل اليامي من خلال قصيدته التراثية ومنها :

ياليت الزمن يرجع ورا ولا الليالي تدور

ويرجع وقتنا الاول وننعم في بساطتنا

زمان اول احسه فيه صدق شعور

نحب .. ونخلص النيه .. وتجمعنا محبتنا

زمن مافيه لاغيبه .. ولاحتى نفاق .. وزور

ياليته بس لو يرجع ونسترجع طفولتنا

صغار قلوبنا بيضا نعيش بعالم محصور

ولا نعرف ابد اغراب مغير عيال حارتنا