يعتبر مهاجم الهلال الراحل رجب عبدالله خميس (رحمه الله) اول لاعب يقود فريقه للفوز بأول بطولة في تاريخ النادي الأزرق بعد أربعة اعوام فقط من تأسيسه على يد رائد الحركة التأسيسية للرياضة في المنطقة الوسطى الشيخ عبدالرحمن بن سعيد.

وتجلى ذلك في نهائي كأس جلالة الملك لموسم ١٣٨١ه عندما التقى فريقا الهلال من الرياض والوحدة من مكة المكرمة في ملعب الصايغ بالعاصمة عصر يوم الجمعة الموافق ٢٠/٨/١٣٨١ه بحضور معالي وزير المعارف آنذاك الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ (رحمه الله).

وكان نجم تلك المواجهة التاريخية والذهبية الأولى للهلال.. هدافه الكبير «رجب خميس» الذي صال وجال في ارجاء ملعب الصايغ التاريخي في أول مباراة كأس كبرى على مستوى المملكة يشهدها هذا الملعب العريق في تاريخه.

واربك (رجب) فرسان مكة مستغلاً الرقابة اللصيقة على اسطورة الهلال مبارك عبدالكريم والمفروضة من قبل قائدهم ومدافعهم الكبير عبدالرحمن الجعيد (رحمه الله) الذي كان في تلك الفترة ابرز مدافع بالمملكة وتقلد قبلها شارة قيادة أول منتخب سعودي في النصف الثاني من حقبة السبعينيات الهجرية إبان مشاركته في الدورة العربية بلبنان عام ١٩٧٥م.

مهاجم فدائي

نعود لمسيرة النجم الراحل رجب خميس فنقول: تميز هذا المهاجم الرشيق بمهاراته العالية وقدراته الفائقة في هز الشباك من اصعب المواقع بجانب فدائيته في الدخول للاستحواذ على الكرة.فضلاً عن سلوكه الرفيع الذي اكسبه علاقات واسعة مع الجميع.

أول هاتريك تاريخي

قاد الهلال للحصول على أول بطولة في تاريخه بفضل تسجيله ثلاثة اهداف «هاتريك» كأول لاعب ينجح في احراز ثلاثة اهداف في نهائي بطولة رسمية بتاريخ الكرة السعودية.

(رجب) وسط الصورة يؤدي مع زملائه تحية الهلال التاريخية لجماهيره عام ١٣٨١ه ويبدو في اللقطة مع الحارس ناصر الموزان وحامد عباس

امتاز النجم الراحل بطوله الفارع وقدرته على المراوغة وامتلاك تقنية مهارية عالية.

شكل مع رفيق دربه مبارك عبدالكريم رقماً صعباً في تاريخ «الزعيم».. وكان ما يميز الهداف الكبير رجب خميس علاقته الطيبة مع الادارة الهلالية التي كان يتزعمها انذاك الشيخ عبدالرحمن بن سعيد وزملائه اللاعبين وحتى مع الحكام.

الانتقال للنصر

مثَّل الهلال حتى موسم ١٣٨٣ه وعقب مجيء فترة الانتقالات (الفترة الحرة) التي استحدثت آنذاك وكانت تسمح بانتقال اللاعب لأي ناد يرغبه خلال فترة ١٥ يوماً ليشد الرحال الى الجار (النصر) قبل صعوده لمصاف اندية الكبار.. لفترة محدودة بعدما ترك «رجب» ذكرى جميلة في مسيرة وتاريخ الكيان الهلالي باعتبار انه سجل اول بطولة لنادي الهلال ثم توالت بعد ذلك البطولات الزرقاء حتى وصل رقمها اليوم الى (٤٨) بطولة وهو رقم يصعب تحقيقه أو منافسة الهلال عليه على المدى القريب!!

احترف التدريب في قطر

وبعد اعتزال خميس المبكر فضل خوض تجربة اخرى في ميدان التدريب مستفيداً من خبرته الفنية التي اكتسبها في معترك حياته الرياضية اذ اشرف على تدريب فريق الشاطيء «الترجي حالياً» بالقطيف وكذلك اشرف على تدريب فريق التعاون احد اندية الدرجة الأولى في قطر الشقيقة ويعتبر بذلك أول مدرب سعودي يحترف مهنة التدريب في الخليج.

وجاء اختيار نجمنا الراحل في تلك الفترة لتدريب احد الاندية القطرية تجسيداً لقدراته التدريبية البارعة.

مبارك عبدالكريم اسطورة هلال الثمانينيات (يسار الصورة) مع النجمين الكبش وكريم المسفر ١٣٨٣ه

الرحيل بصمت!

وقبل ما يزيد عن عقد من الزمن لقى نجم الهلال وهدافه الكبير رجب خميس وجه ربه الكريم ورحل تاركاً في الذاكرة الزرقاء اجمل الذكريات الريادية للذهب الهلالي في مسيرته الناجحة وليبقى اسم المهاجم الراحل رجب خميس علامة بارزة في تاريخ زعيم الاندية السعودية والآسيوية كواحد من الأسماء اللامعة التي خدمت مسيرة الهلال بكل اخلاص وتفان وغادرت الحياة بهدوء!

مبارك: (رجب) صادق وطيب

ولإلقاء الضوء على جوانب اخرى من حياة هذا النجم العملاق الراحل «رجب خميس» لم نجد لاعباً هلالياً اقرب من زميله الكابتن مبارك عبدالكريم (٧٢ سنة) اسطورة الهلال في الثمانينات الهجرية.. يقول مبارك:

«كان رجب «رحمه الله» يتميز بفدائيته في الملعب والاخلاص والتضحية.. انسان طيب على نيته.. صادق لا يعرف الغش ويصدق كل ما يقال له مما جعله صيداً سهلاً لمن اراد ان يمرر عليه معلومة كاذبة!

وكان التحاقه بصفوف الهلال عن طريق زملائه محمد كامل الكوش وصالح جابر اللذين احضروه من مكة المكرمة على ما أظن أواخر السبعينيات الهجرية.

مطعم الصومالي

ومن الذكريات الظريفة عنه انه كان يذهب لأبو مساعد ليقول له:

«يا عم عبدالرحمن.. نروح للصومالي اليوم علشان نتغدى عنده؟!»

والصومالي هذا كان يملك مطعماً وفوضه رئيسنا عبدالرحمن بن سعيد بأن يقدم لنا وجبات الغداء على حسابه الخاص وكان موقعه في شارع الظهيرة بالقرب من عمارة سكنية يملكها الشيخ سعد بن سعيد رحمه الله والد مؤسس الهلال. وكنا اثنين وحين سمع ابو مساعد طلب رجب اجابنا: اقول لكم كل يوم روحوا تغدوا وتعشوا فيه.

وكان طعام الغداء مكوناً من وصلة لحم بالصلصلة مع مكرونة التي يجيد الصوماليون طبخها بنكهة خاصة.

الشيخ عبدالرحمن بن سعيد ١٣٩٩ه

يومه التاريخي

وحين اتذكر مباراتنا التاريخية على أول كأس للملك المفدى أمام وحدة مكة عام ١٣٨١ه التي حسمناها لصالحنا بثلاثة اهداف احرزها رجب (هاتريك) وتشرفت خلال تلك المباراة بقيادة الفريق الهلالي ككابتن.. لا انسى ان رجب في تلك الموقعة الذهبية كان هدافاً بارعاً.. بالرأس وكلتا القدمين.. مهاجم عملاق وحريف تسديداته ماكرة وتخدع الحارس المقابل.

ضربة وحداوية

في تلك المباراة تعرض خميس لضربة قوية على رأسه وسقط على الأرض بعدما سجل هدفه الثالث دون ان يعلم بذلك فجئته وقلت له:

«قم يا رجب جاء هدف» فنسى (رحمه الله) آلامه ونهض مسرعاً ولم يصدق ان كرته المشتركة مع احد المدافعين الوحداويين اصابت الهدف.

واتذكر ان هدف خميس الأول جاء من كرة جهزتها له.

أين مبارك؟!

ومن الذكريات الخالدة في ذاكرتي عن تلك المباراة التاريخية ونحن في الملعب قبل انطلاقة المباراة كان مدافع الوحدة وكابتنها العملاق عبدالرحمن الجعيد يسير وسط زملائه ويسألهم: «وروني مبارك عبدالكريم».. ذلك اننا لم نكن نعرف لاعبي الوحدة وفي المقابل هم ايضاً لا يعرفوننا.. فأشار عليَّ أحدهم بهدف فرض رقابة لصيقة من قبل الجعيد للحد من خطورتي وعندها قلت لزميلي سلطان مناحي:

شوفوا.. انا يمكن يمسكونني او يلعبوا معي بخشونة.. عندكم (رجب) قدما تقدرون..أي كورة ارسلوها مباشرة لرجب وفعلاً زي ما حصل وسجل (رحمه الله) اهدافنا الثلاثة في تلك المباراة التاريخية وتوجنا بأول كأس للملك على مستوى المملكة بعد اربعة اعوام فقط من تأسيس نادينا الحبيب الهلال».

الفترة الحرة وحسن سلطان

تسألني كيف ترك رجب الهلال وانتقل لصفوف النصر إبان الفترة الحرة التي طبقت لأول مرة عام ١٣٨٣ه وكان مدتها (١٥) يوماً. واعتقد ان مدرب النصر آنذاك المرحوم حسن سلطان الذي دربنا قبل النصر وهو من اقنع رجب خميس بالانتقال من الهلال.. لكنه لم يستمر طويلاً مع النصر اذ سرعان ما اخذ مستواه في الهبوط واختفى بعدها كلاعب وانتقل للمنطقة الشرقية حيث سمعت انه درب فريق الشاطئ هناك ومنها ذهب للتدريب في قطر.

وبعدها انقطعت اخباره.. رحمه الله.

ودع الهلال قبل وفاته.. وما سر دموعه في آخر زيارة لمقر ناديه؟

ضوئية لتقرير دنيا الرياضة عن زيارة المرحوم رجب خميس لمقر الهلال قبل ٣٠ عاماً

نشرت (دنيا الرياضة) قبل ثلاثة عقود تقريراً مقتضباً عن النجم السابق رجب خميس "رحمه الله" حول آخر زيارة قام بها المهاجم الهلالي الراحل لمقر ناديه القديم.

وذرفت عيناه بالدموع وهو يتجول داخله غريباً لا يكاد يعرفه أحد.. أو ربما وهو يرى التطور الهائل الذي اجتاح النادي الازرق بعد تلك السنوات الطويلة من الغيبة.. أو أنها دموع الوداع الأخير لعشقه الأول "الهلال" في آخر زيارة لمقره قبل وفاته.

تقرير دنيا الرياضة جاء فيه:

حينما دخل مقر نادي الهلال ذرفت عيناه بالدموع.. تعجب الحضور.. وزادت علامة التعجب حينما عرف ان هذا الشخص الأسمر مدرب كرة قدم، وازداد التعجب اكثر حينما عرفوا أن هذا المدرب يدرب احد فرق الدرجة الأولى في قطر الشقيقة، ولعل علامة التعجب وصل إلى ذروته حينما علموا أنه سعودي الجنسية.

"رجب عبدالله خميس".. اسم قد لا يذكره الا قليلون وربما لا يذكره بالتأكيد حتى اصحاب نجوم الكرة في ملاعبنا، ولكن باسترجاع قائمة لاعبي اوائل الثمانينيات الهجرية نجد ان "رجب خميس" يحتل مركزاً مرموقاً فهو احد اعمدة فريق الهلال بالرياض.

"رجب" واصل حياته الرياضية الكفاحية واخذ يشق طريقه فيها بكل عصامية بعيداً عن الأضواء والهالات الصحفية وغيرها وركز جذوره واستطاع ان يثمر بعد مشقة سعيدة ليصبح مدرباً يشار إليه بالبنان.

درب فريق الشاطي في القطيف وانجب عدد من اللاعبين ذوي المستويات الجيدة امثال شمروخ - رحمه الله - وعثمان مرزوق وغيرهم. وهو الآن يدرب فريق التعاون بقطر الشقيقة رجب خميس لا احد يمكن ان ينساه وبالذات الذين سعدوا بمشاهداة مباراة البطولة بين الهلال والوحدة على كأس الملك ١٣٨١ه حيث سجل "رجب" وحده اهداف المباراة الثلاثة لفريقه الهلال.

"رجب" كان في الرياض قبل مدة.. جاء غريباً.. وذهب غريباً مع الأسف.. اللهم الا من بعض زملائه عشاق الهلال القدامى.

"دنيا الرياضة" تزف الى لاعبنا الكبير ومدربنا القدير اجمل التهاني نيابة عن الجمهور الرياضي في المملكة عموماً والهلال خصوصاً بمناسبة زاواجه على احدى الاسر الكريمة بجدة.

املنا لعريسنا ومدربنا ولاعبنا رجب بحياط رياضية وزوجية سعيدة.