في كل مجتمع سلبيات وإيجابيات وكلما قلت السلبيات تعززت الإيجابيات ودل ذلك على أن المجتمع يسير في الاتجاه الصحيح.. ولا شك أن لدور الفكر ومراكز التعليم ومؤسساته المختلفة اليد الطولى في سبيل تحقيق ذلك.. كما أن الانضباط والوعي واحترام النظام من أهم مقومات نجاح الخطط والاستراتيجيات التي توضع من أجل الوصول إلى نتيجة مرضية.. ان التسيب واللا مبالاة ومحدودية الثقافية وقلة الوعي هي البذور الأساسية لكل السلبيات وهي العدو اللدود لكل الإيجابيات.
إن أهم مقومات التقدم في المجتمعات المعرفية الانضباط أو قل الانصياع للنظام واحترامه طوعاً نتيجة الوعي أو خوفاً من العقاب..
إن الوعي والإدراك يقود إلى الاهتمام بالمصلحة العامة وهذا هو بيت القصيد في العمل الجماعي المثمر والمفيد..أما الجهل والتسيب فهما من أهم مقومات الإحباط والتخلف.. إن نشر الوعي يتطلب عدم جلد الذات وتكبير السلبيات والتقليل من كفاءة المجتمع وفي نفس الوقت الاعجاب بما لدى الآخرين إلى درجة الانبهار والتأقزم أمامهم.. نعم لدينا سلبيات كأي مجتمع لكننا نؤمن بأن الغالبية العظمى من أبناء هذا الوطن تتمتع بالوعي والإدراك وكذلك الانضباط مع العلم أن الإيجابيات دائماً تحتاج إلى مزيد من التعزيز.. لذلك فإننا متفائلون وواثقون بأن هذا المجتمع لديه من الإيجابيات ما يؤهله وبكل جدارة لأن يتحول إلى مجتمع معرفي خصوصاً إذا تضافرت جهود وخطط المؤسسات المعرفية وتكاملت في هذا الوطن العزيز.
من هذا المنطلق تقوم جامعة الملك سعود بحراك كبير يتمثل في إنشاء مجموعة كبيرة من البرامج والمراكز والمعاهد المعرفية التي تصب في خانة تحويل المجتمع إلى مجتمع معرفي قادر على القيام بمسؤوليات مجتمع المعرفة بكل اقتدار.
ولعل برنامج مجتمع المعرفة التابع لوكالة الجامعة لنقل التقنية والتبادل المعرفي واحد من تلك البرامج المهمة والواعدة والتي أنشأت من أجل الوفاء بدور الجامعة نحو المساهمة في بناء مجتمع المعرفة.. وذلك انطلاقاً من أن كفاءة أي مجتمع من المجتمعات تعتمد في المقام الأول على ما يقوم به ذلك المجتمع من نشاطات معرفية ويشمل ذلك المجالات التطبيقية والإنسانية.. وهذه النشاطات تشمل تحفيز الحس المعرفي وتحقيق وسائله والعمل على استيعاب المعرفة ومن ثم افرازها من خلال البحث والتطوير ومن ثم الإنتاج والإشهار والاستفادة والاستخدام..
ولاشك ان تكامل تلك النشاطات تجعل المجتمع أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق تنمية مستدامة قوامها العلم والمعرفة.
وبما أن التنمية تشتمل على طيف واسع من الفعاليات والبرامج والأنشطة التي يأتي في مقدمتها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية فإننا نستطيع أن نقول إن أهم المحاور والفعاليات والنشاطات المنوطة ببرنامج مجتمع المعرفة في جامعة الملك سعود تشمل على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
❊ تحفيز الحس المعرفي وتشجيعه: وهذا يأتي من خلال مجموعة من الأنشطة للتعريف به من ناحية وترسيخ مفاهيمه من ناحية أخرى.. ولاشك أن تحفيز الحس المعرفي يعتبر من أبجديات مراحل التعليم ومراكز التدريب المختلفة وذلك من خلال ربط مقررات التعليم بواقع الحياة المعرفية السائدة والتي تتنافس الأمم والشعوب من أجل تحقيق قصب السبق في الاستفادة منها.. إن المقررات التي تدرس حالياً تكسب الطالب معلومات عامة أما إذا ربطت بواقع الحياة من الناحية التطبيقية والممارسة اليومية فإنها تصبح وسيلة لخلق ما هو أفضل منها لأن تحويل المعلومة إلى فكرة ومن ثم إلى ابتكار هو الأساس الذي يقوم عليه مجتمع المعرفة.. من هذا المنطلق فإن التواصل بين برنامج مجتمع المعرفة في الجامعة والقطاعات ذات الاهتمام بالتعليم والتدريب ورعاية المواهب والإبداع وكذلك العاملة في الجهات الاقتصادية والاجتماعية له أهمية كبرى في تحفيز الحس المعرفي وذلك لأن هذا النشاط له سمات تكاملية.. وفي هذا السياق لا يمكن أن ينسى دور الإعلام، كما أن تحفيز الحس المعرفي يمكن تنميته أيضاً من خلال المحاضرات ووسائل الإعلام وكذلك من خلال ورش العمل والندوات والمؤتمرات.
❊ أسس وقواعد المعرفة: للمعرفة قواعد وأسس تقوم عليها في كل مجتمع من المجتمعات ومدى نجاح ونضوج تلك القواعد والأسس هو الذي يحدد نوع المعرفة المتوخاة، لذلك فإنه لا يمكن الحصول على معرفة متميزة دون وجود تعليم متميز سواء كان ذلك في مراحل التعليم العام أو العالي أو الفني أو في مراكز التدريب وإعادة التدريب.. فهذه المؤسسات هي المسؤولة بدرجة أساسية عن وضع وتأسيس المقومات والقواعد التي يرتكز عليها مجتمع المعرفة.. فلا معرفة بدون تعليم متميز وتدريب متجدد.. أما الرأي العام وحشده خلف ذلك الهدف فإن اليد الطولى له في يد الإعلام الذي يجب أن يكون التأسيس لمجتمع المعرفة جزءاً لا يتجزأ من رسالته.. لذلك يسعى برنامج مجتمع المعرفة إلى التفاعل مع الإعلام بوسائله المختلفة من أجل تحقيق ذلك.
❊ إنتاج وتوليد المعرفة: مما لا شك فيه أن إنتاج وتوليد المعرفة يأتي نتيجة عدة فعاليات تسبقه تتمثل في بناء قواعد المعرفة على أساس سليم ونشر الحس المعرفي وتحفيز واستيعاب المعرفة وإدراك كنهها وكذلك إيجاد التسهيلات التي تساعد على تحويل الأفكار إلى ابتكارات وتعمل على تشجيع أصحاب المواهب والإبداعات من خلال التبني وتحقيق مبدأ التواصل مع مراكز الإبداع العالمية.
إن توليد وإنتاج المعرفة له أبواب ومسائل عديدة يأتي في مقدمتها البحث والتطوير وهذا وغيره من الفعاليات ذات العلاقة تحتاج إلى الانفتاح العلمي على الآخر والتعاون معه من خلال تبني البرامج المشتركة والتي تسعى جامعة الملك سعود إلى تنفيذها مثل إنشاء الكراسي العلمية والمعاهد البحثية ومراكز التميز والتوأمة ووادي الرياض للتقنية وتعزيز ذلك من خلال ورش العمل والمؤتمرات ودعوة المتخصصين لإلقاء محاضرات في مجالات عمل كل من الفعاليات السابقة الذكر.
إن المعرفة المتاحة عى المستوى المحلي لأي بلد من البلدان تظل محدودة ولكنها تصبح واسعة وممتدة إذا تواصلت مع المعارف العالمية المتراكمة والمستجدة من خلال التعاون وبناء الشركات العلمية والتي يساعد على تحقيقها وسهولة الاستفادة منها التقدم الهائل في مجال الاتصال والثورة المعلوماتية المتأججة.
إن توطين المعرفة واستيعابها ومن ثم توليدها وإنتاجها وكذلك تطويرها هي الوسائل الرئيسية التي يمكن أن يلج منها كل من يريد صنع غد أفضل ويريد امتلاك موضع قدم يحفظ له هيبته ومكانته واستقلاله في هذا العالم المضطرب الذي يعتمد على المعرفة كوسيلة لبلوغ مبتغاه وفرض هيمنته.
إن توليد المعرفة كأي جهد إنساني لا يمكن تحقيقه دون دعم مادي ومعنوي ودون قرار سياسي يوجهه ويحدد أهدافه وزمن الحصول عليه. ولذلك تعمل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله على تشجيع الجامعات من خلال وزارة التعليم العالي على تبني البرامج التي تعجل عملية الوصول إلى مجتمع المعرفة القادر على توليد المعرفة ونشرها والاستفادة منها. ولا شك أن برنامج مجتمع المعرفة في جامعة الملك سعود واحد من تلك البرامج الواعدة وهو يحث الخطى من أجل بناء مرتكزاته وبلورة خططه وأهدافه للوفاء بتوجهات الجامعة التي تسعى إلى تحقيق رؤية الملك عبدالله حفظه الله في صنع مستقبل أفضل مبني على قواعد العلم والمعرفة وتحقيق الريادة العالمية.
❊ توظيف المعرفة واستخدامها: إذا توفرت المعرفة أصبح بالإمكان إنتاجها وتوليدها وإذا تحقق ذلك فلا بد من توظيف واستخدام معطياتها في تحقيق التنمية المستدامة. وهي دائماً تهدف إلى إرساء قواعد الارتقاء والرفاه للإنسان الذي هو المحور الأساسي الذي تدور حوله وله جميع المعطيات والنشاطات المعرفية. إن الاستفادة من المعرفة يحفز استمرار انتاجها وتطويرها. فالمعرفة تشبه الماء الجاري المتجدد، وهي إذا ركدت تقادمت وأصبحت كالمعلومة المعلبة التي تنتهي صلاحيتها قبل استعمالها وذلك لأن المعلومة تتقادم بمجرد ظهور ما هو أفضل منها.
إن أهم مظاهر استخدام المعرفة الثورة المعلوماتية وما تبعه من تسهيلات وكذلك التطور الهائل في تقنية النانو وما سوف تحققه من إنجازات غير مسبوقة ناهيك عن بروز الاقتصاد المعرفي وما يرافقه من تحولات جوهرية ناهيك عن التحولات المعرفية في المجالات الاجتماعية والإنسانية. إن المعرفة قوة لا يستهان بها إذا أحسن استيعابها ومن ثم توطينها وبعد ذلك توليدها واستخدامها.
❊ نشر المعرفة وتعميمها: وهذا جزء لا يتجزأ من نشاط تحفيز الحس المعرفي ونشاط إرساء قواعد المعرفة وقد اشرنا إلى أن نشر الحس المعرفي يتم بعدة وسائل لعل من أهمها على الاطلاق مراحل التعليم المختلفة وماكز التدريب ووسائل الإعلام والمؤسسات ذات العلاقة مثل مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهبة والإبداع وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات وورش العمل ناهيك عن المحاضرات والمسابقات ورصد الجوائز وتوسيع دائرة الاتصال والتواصل مع العالم الخارجي في كل ما يخدم المعرفة ويشجع على نشرها وإشهارها بين أفراد المجتمع. وهذا الهدف من أهم مقومات برنامج مجتمع المعرفة.
❊ تكامل فعاليات ونشاطات المعرفة: من البديهي أن الفعاليات المختلفة لأي نشاط أو عمل لا يمكن أن تؤتي أكلها دون وجود تكامل وتتام بين الجهات والبرامج والمؤسسات التي تعمل على إنجاز تلك المهمة. فمراحل التعليم المختلفة ومراكز التدريب والبرامج والجهات الأخرى التي تعمل في مجال المعرفة ومفرداتها يجب أن تكون متكاملة حتى تستطيع أن تنجح في أداء المهمة الموكلة إليها وبرنامج مجتمع المعرفة في جامعة الملك سعود يتجه إلى التكامل مع جميع القطاعات المعرفية وذلك لتحقيق الأهداف المنوطة به. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن تكامل النشاطات المعرفية ذاتها توليداً ونشراً وتوظيفاً، والعمل على تفعيلها يؤديان إلى بناء ثروة خصوصاً في المجالات العلمية والتقنية وهذا يشكل بيت القصيد للوصول إلى الاقتصاد المعرفي ولا شك أن الاهتمام بالثروة البشرية وتأهيلها معرفياً وتوظيفها يسرع وتيرة الوصول إلى هذا النوع من الاقتصاد بالإضافة إلى تحقيق التنمية الاجتماعية.
إن التكامل في مجال النشاطات المعرفية وتفعيل الاستجابة المعرفية المفيدة في جميع مجالات الحياة هدف يسعى برنامج مجتمع المعرفة في جامعة الملك سعود إلى تبنيه والمشاركة في تحقيقه.
ولا شك أن برنامج مجتمع المعرفة في جامعة الملك سعود وهو الفريد من نوعه على مستوى المملكة يعمل بكل جهد من أجل الوفاء بالتزاماته وتوجهاته الاستراتيجية التي تخدم توجهات جامعة الملك سعود نحو تحقيق الريادة العالمية وفي سبيل ذلك يسعى البرنامج إلى إنشاء «جمعية مجتمع المعرفة» وكذلك إعداد الدراسات الميدانية للبرامج الأكاديمية في مجال الدراسات العليا التي تهتم بمجتمع المعرفة ووسائل إرساء قواعده. والله المستعان.
1
أبو عبد الرحمن الشافعي
2009-05-22 19:09:42بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ومن إهتدى بهداه، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته: نسال الله العلي القدير خالق الإنسان ومعلمه ومفضله على كثيراً من خلقه، أن يزيدك علماً نافعاً وأن ينفع به الجميع؛ أنت ومعالي مدراء الجامعات والعلماء الأجلاء في القضاء وفي التربية والتعليم وجميع التخصصات.