وإذا نظرتَ الى أوزان الشعر التي ابتكرها الشعراء، وأهملها الخليل بن أحمد (رحمه الله) وهي ستة أبحر: المستطيل والممتد، والمتوفر، والمتئد، والمنسرد، والمطرد، وكل بحر من هذه الأبحر الستة، له شاهد من الشعر معروف لدى العروضيين، ونظرت الى الوزن الذي أطلق عليه الشاعر عبدالله الفيفي، اسم (المسحوب) يأتي هذا الوزن في القمة وزناً وإيقاعاً، وهو وزن نعدّه من المحاولات الجديدة التي ابتكرها الدكتور الفيفي وله الفضل فيها الذي لا ينكر.. وإذا كان أمير الشعراء الشاعر الكبير أحمد شوقي (رحمه الله) قد كتب ابياتاً من الشعر، قرأناها في مسرحية (مجنون ليلى) وسمّى أحد العروضيين المعاصرين وزنها: وزن (احمد شوقي) فإني اسمّي وزن قصيدة (يا وجءد قلء) للشاعر المبدع الدكتور عبدالله الفيفي وزن (عبدالله الفيفي).
وأبيات الشاعر الكبير (أحمد شوقي) هي:
زيادُ ماذاق قيسٌ ولا هما
طبخُ يد الامّ يا قيسُ ذقء مما
الامّ ياقيسُ لا تطءبخ السٌما
وانظر الأبيات في مسرحية (مجنون ليلى) صفحة (34) طبعة شركة الطباعة بمصر سنة 1954واقطع أبيات أحمد شوقي هكذا:
وإذا نظرنا الى ابيات أحمد شوقي نرى الزحاف قد لحق الأبيات الثلاثة فأصبحت الأبيات ركيكة، لا تستيغها الأذن (فزيادُ ما)، دخل القبض التفعيلة الأصلية (مفاعيلن) فأصبحت (مفاعلن) و (طبءخ يدل) دخل الخبن التفعيلة الأصلية (مُستفعلن) فأصبحت (متفءعلن) ونقلت الى (مفءتعلن) فلو وضعنا ما جاء به شوقي في اطار علم العروض لكانت الابيات الثلاثة من وزن يتكون من:
مستفعلن/فاعلاتن/مفاعيلن
وهو وزن يخلو من الإيقاع والموسيقى وأين هذا الوزن من الوزن الذي جادت به قريحة الدكتور عبدالله الفيفي
واستمع معي ايها القارئ الكريم الى بعض أبيات قصيدة الدكتور الفيفي وهي قصيدة تعهدها شاعرنا المبدع بالصقءل وقوّى فيها موهبة التصوير يقول شاعرنا لا فض فوه:
أطوي عناويني بأمسي لأمشي
في خطوتي شوقُ الندى للورود
ينتابني دربي ويمضي ببابي
في طلءعة الشيخ الضرير الكنودِ
كيف الوصول هل وصولي قفولي
انفقتُ وقتي في ابتداء المعيد
تدور ساعاتي بعكس المساعي
كم والدٍ أودى بدعوى الوليدِ
وأقطع البيت الأول هكذا:
ويدخل بعض أبياتها: (الخبءن):
وختاماً أحيي الأستاذ الدكتور عبدالله أحمد الفيفي، وأكثَر الله فينا مثله.
وقرأت للأخ الدكتور يوسف حسن العارف، مقالة في جريدة (المدينة) ملحق الأربعاء، منشورة في يوم 1429/3/25ه بعنوان: (قراءة بعءدية) يقول فيها الدكتور يوسف: هذه قراءتي الخاصة عن الملتقى، ملتقى النص الثامن، الذي أقامه نادي جدة الأدبي الثقافي، في يوم الخميس 1429/3/19ه .
وقد أراد الدكتور العارف، كما صرّح بذلك، أن يصوغ إعجابه بالملتقى شعراً، وكيف لا؟ وهو شاعر نوَّهت بشاعريته جرائدنا المحلية، فكتب ثلاثة أبيات فقط، يقول فيها:
يومانِ من عمءر الزمان قصيرةٌ
لكنّها عند التثاقف أشءهُرُ
يومانِ بل شهران بلء هي أشهرُ
سنواتُ ضوءءٍ لا تعدُّ ولا تحصرُ
مُزجت بماء علومكم فتثاقلتء
سحبٌ وسالتء في الأديم الأنهرُ
وقد وردتء في كتابة هذه الأبيات أخطاء مطبعية، فجاءت: كلمة (أشهر) منصوبة (أشهراً)، وصوابها (أشهر)، فتكتب الجملة: (لكنها عند التثاقف أشهرُ) برفع أشهر، وجاءت عبارة (بما علومكم) هكذا، والصواب: (بماء علومكم)، وهي أخطاء ترد كثيراً في جرائدنا الموقرة، فلا نلتفت إليها، وكنا ننتظر من الدكتور العارف، أن ينقل إلينا بعض النصوص التي استهوته، ويجلو لنا أسرار هذه النصوص، لنتوجها ملكة على عرش النصوص، ولا نرضى أن يكتفي بقوله: (ثم ها نحن نلقي عن كواهلنا ماض كنَّاه وعشءناه) وهو يريد أن يقول: (ماضياً) فرفع الكلمة، ولا أُجيز لها الرفع، لأنه شاذ غير متعارف عليه، وليس من شأني تمحّل الشواذ، وإن ورد هذا الشاذ في بيت الشعر للمتنبي، ولكن وروده ضرورة شعرية، وأما ما يأتي في الجمل النثرية من عبارات الكتّاب، فلا يجيزها أحد من علماء النحو واللغة، يقول المتنبي (رحمه الله):
ألا أذّنء فما ذكَّرت ناسي
ولا ليّنت قلءباً وهو قاسي
وكان الوجه أن يقول: (ناسياً) لأنه منصوب بالفعل (ذكَّرت)، لكنه حذفه للضرورة، فجاء به على قول من قال: (رأيت قاض). أو أنك إذا ناديت اسماً منقوصاً، فللنحويين في يائه اختلاف، فمذهب سيبويه إثباتها، لأنها احتمت بالنداء من التنوين، كما احتمت بالألف واللام، بالإضافة، ومذهب يونس بن حبيب حذفها، فعنده أن قولك: ياقاض، أوجه من قولك: ياقاضي، قال: لأن باب النداء باب حذف وتغيير، فهو مما كثر فيه التخفيف، بكثرة استعماله، فلذلك اختص به الترخيم، واتسع فيه حذف ياء الضمير، في نحو: ياغلام..
وأبيات الدكتور العارف، قد اكءتفى بها بالإشارة واللمحة والإيجاز، دون التطويل الممل، والتفصيل المخل، وكأنه بإيجازه هذا يشير إلى قول الشاعر:
لا خَيءرَ في حشءو الكلا
مِ إذا اهتديتَ إلى عيونِهء
وقد غاب عن ذهن حبيبنا الدكتور العارف، حين كتب أبياته الثلاثة، أن الشعر إبداع وفن، وهو من أرقى فنون القول. والشعر ليس محاكاة ساذجة لأحد الشعراء المبدعين. والشعراء الذين يريد الدكتور العارف أن يقلد شعرهم، كتبوا شعرهم في قوالب إبداعية جميلة، تآلفت فيها الألفاظ والمعاني وعلم النحو وعلم العروض، لأن الشعر فيض من النفس، يسطره الشاعر على الورق، عندما يتحرك شعوره وأحاسيسه إلى قول الشعر، فإذا خلا الشعر من هذا فسد الشعر، وجاء ركيكاً مصنوعاً يتحير أمامه القارئ وهو يقرأ هذا الشعر بألفاظه القلقة النابية التي تنحدر بالشعر إلى الحضيض.
فعلي الشاعر اذا أراد أن يكتب قصيدة (حَذَّاء)، بتشديد الذال المعجمة، فلا يخرج عن الصورة التي تشع جمالاً وبهاءً، وعليه أن يتعهد قصيدته بالصقل والتهذيب حتى يراها ذات معان مبتكرة، تعيها الآذان، وتتغنى بها الأفواه..
وأعود إلى قراءة الأبيات الثلاثة، التي جادت بها قريحة الدكتور يوسف حسن العارف، وأقرأ البيت الأول:
يومان من عمر الزمان قصيرةٌ
لكنها عند التثاقف أشهرُ
والصواب أن يقول: (يومان من عمر الزمان قصيران) ولكن ذلك يسوقه إلى كسر الشطر الأول من البيت، فأتجاوز عن هذا الخطأ، وأُغضي عنه، اقتداءً بما قاله العلماء (علماء النحو) عن بيت المتنبي:
حشايَ على جمرٍ ذكيّ من الهوى
وعيناي في روءض من الحُسن ترتعُ
فأبوالطيب قال: (عينايَ) ثم قال (ترتعُ) ولم يقل (ترتعانِ) فتجاوز علماء النحو عن هذا الخطأ، لأن المتنبي أخبر عن (العينين) بفعلِ واحدة، لأن العينين عضوان مشتركان في فعل واحد، وكل واحدة من العينين لا تكاد تنفرد بالرؤية دون الأخرى، فاشتراكهما في النظر، كاشتراك الأذنين في السمع، والقدمين في السعي، ويجوز للمتكلم أن يعبر عنهما بواحدة، فيقول: رأيته بعيني، وسمعته بأذني.
ومع كل ما اورده علماء اللغة والنحو (رحمهم الله) إلا انهم قالوا: لو قال المتنبي: (وعينيَ في روءض من الحسن ترتعُ) لكان جيداً.
ثم أقرأ للدكتور العارف، البيت الثاني الذي جاء هكذا:
يومان بل شهران بل هي أشهرُ
سنواتُ ضوءٍ لا تعدُّ ولا تحءصر
فيأتي البيت مكسورا، وهذا مما يؤسف عليه، لأن الدكتور العارف يعرف ما يكتبه، فلا أعفيه من الخطأ والدكتور العارف قد قرأ قصائد كثيرة (لا تعد ولا تحصر) من البحر الكامل التام، الذي جاءت أبيات الدكتور العارف على وزنه، وهو البحر الذي استخدمه الشعراء، لكل أغراض الشعر، وأكثر منه الشعراء قديما وحديثا، لأنه ذو جرس جميل، يميل اليه الشعراء، ولعل الدكتور العارف قد قرأ معلقة (لبيد): (عفت الديارُ محلّها فمقامها) ومعلقة (عنترة): (هل غادرالشعراء من متردّم)
والمعلقتان من محفوظاتنا أيام الطلب ، وأكاد أجزم أنهما من محفوظات الدكتور العارف.
وإني أدعو أبناءنا ممن يحملون الشهادات العليا في الاختصاصات النظرية، وأستثني الدكتور العارف من هؤلاء، لأنه يشتق طريقه في الشعر، وهو يحاول إدراكه وإنجازه، أدعو أبناءنا ان يتركوا (بارك الله فيهم) الشعراء المبدعين الذين يتنفسون الصعداء، وقد ضُيق عليهم الخناق، حتى غدا الشاعر الرابع الذي عناه الشاعر بقوله: (وشاعرٌ لا تستحي ان تصفعه) والشاعر الآخر الذي تغنى المغنون بشعره الغنائي الفج، هما الشاعرين اللذين يشار إليهما بالبنان، في ساحة مُلئت بشعر ركيك، خلا من الايقاع والجرس، وضوابط النحو واللغة، وهذا الشاعران، لهما معجبون، امتلأت القنوات الفضائية بهم، وكلهم ينادون بإسقاط سيبويه، وإحياء الشعر الشعبي، يريدون بعملهم هذا، ان يهمّشوا لغة القرآن، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وأعود الى بيت الشعر المكسور من الأبيات الثلاثة التي جادت بها قريحة الدكتور العارف، يقول العارف:
يومان بلء شهرانِ بل هي أشهرُ
سنواتُ ضوءٍ لا تعدُّ ولا تحصرُ
فيأتي الشطر الثاني مكسوراً، ويستقيم لو قال:
يومان بل شهران بلء هي أشهرُ
سنواتُ ضوء إنها لا تُحصرُ
ونقطع البيت، بشطريه الصحيحين، بعد أن أجريت التصحيح العروضي حتى يستقيم البيت، ونقطعه هكذا:
إن البحر الكامل إذا جاءت كل تفعيلاته مضمرة (متءفاعلن) بتسكين التاء، مثل (مسءتفعلنء)، اشتبه البحر الكامل ببحر الرجز، فتجري المعاقبة بين سين (مستفعلن) وفائها. ويجوز إما حذف السين وإبقاء الفاء، وإمَّا حذف الفاء وإبقاء السين. والمعاقبة هي: تجاور سببين خفيفين في تفعيلة واحدة، أو تفعيلتين متجاورتين، سلماً معاً من الزحاف، أو زوحف أحدهما، وسلم الآخر، ولا يجوز أن يزاحفا معاً..
وانظر إلى البحر الهزج، ووزنه:-
مفاعيلنء/ مفاعيلنء----- مفاعيلنء/ مفاعيلنء
تجد في كل تفعيلة سببين متجاورين (عيلنء)، فلا يجوز أن يزاحفا معاً، فإذا حذفت الياء بالقبءض، سلمت النون من الكف، فتأتي التفعيلة على (مفاعلنء)، فإذا حذفت بالكف، سلمت الياء من القبءض، فتأتي التفعيلة على (مفاعيلُ).
وقد حصر ابن عبدربه (رحمه الله) التعاقب في البحور الأربعة:-
الخفيف والرّمَل والمديد والمجتثّ
قال في منظومته:
يدخلُ في المديد والخفيفِ
والرمَلِ المجزوءِ والمحذوفِ
ويدخلُ المجتثَّ أيضاً أجءمعَهء
ولا يكون في سوى ذي الأربَعهء
وأختصر الحديث، ومن أراد التوسع لمعرفة المعاقبة بالتفصيل، فعليه أن يقرأ ما جاء عنها في كتب علم العروض، وهي كثيرة مفيدة.
ولقد قمت بزيارة خاصة، لمعالي وزير الثقافة والإعلام، الأستاذ السيد إياد أمين مدني، في مكتبه العامر بالرياض، وكانت زيارتي له، بدون موعد سابق، وكان معاليه في شغل شاغل بأعمال وزارته المنوطة به في يوم زيارته، إلا أنه (حفظه الله) رحّب بي كعادته مع زائريه، ودار الحديث معه، وكانت بيده أوراق يطالعها. فقال لي: كنَّا في قديم الزمان، نضرب المثل برداءة خطوط الأطباء التي لا يستطيع أن يقرأها إلا الصيادلة، ويأتي علينا زمان، يندر فيه من يُقرأ - بضم الياء - خطه، بدون مشقة وعناء..
وأنتهز هذه الفرصة، وقد سنحتء لي، لأطلب من معاليه وهو الرجل الغيور. ومن بيت أهله غُيُرٌ على تاريخنا وتراثنا. وأقول: (غُير) بضم الغين المعجمة وبعدها ياء مضمومة ثم راء، وهو الجمع الصحيح لكلمة (غيور)...
أطلب من معاليه أن يتصدَّى لكل من يريد أن يوجه سهامه إلى تراثنا ولغتنا العربية الشاعرة. ولعله (حفظه الله) يكبح جماح من برزوا في الساحة الأدبية، وارتقوا المنابر ليتكلموا بلغة يهمشون بها دور الفصحى، وينادون بالعامية المغرقة في المحلية، وإني لا أنادي بالتقعر في الكتابة واستعمال الكلمات الحوشية. وإنما أنادي بالمحافظة على لغتنا الشاعرة، لئلا يأتي علينا زمان (وهو قريب منّا) وتصبح لغتنا الشاعرة الجميلة غريبة عنا. وهذه الساحات الأدبية والعلمية، فقد امتلأت بكتب ومؤلفات ذات رطانة، ركيكة في أسلوبها، خالية من الإبداع. ومع ذلك وجدت هذه المؤلفات من يقرّظها، ويُضءفي على مؤلفيها، صفة الأديب النحرير، والشاعر الكبير.
1
saif salem
2008-07-31 23:20:53الكبير الأستاذ العبادي
حياك الله..
لله درك يا ناقد.. (ماهكذا يكتب الشعر) بل (هكذا يكتب النقد).
هناك تجارب تستلزم اضاءة اكثر كتجربة الدكتور عبدالله الفيفي في الوزن الذي سميته وزن عبدالله الفيفي.
وهذا الشاعر المبدع الحقيقة لم ينل حقه بعد من الدراسة،، وقصيدته المذكورة تدل على تخلي النقاد عن المتابعة الجادة وغير المزاجية او الانتقائية. العبادي هو الوحيد الذي ما زال يتابع بحياد اصيل ولا يرحم من يخرج عن جادة الصواب في الشعر لغة أو نحوا او عروضيا.
سلمت استاذنا ودمت...
سيف سالم