طالب الدكتور خالد بن مفلح آل حامد الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بإيقاف مشروع الاستمطار الصناعي لثبوت وجود الضرر في استخدام هذه التقنية على الأحياء من البشر والحيوان والنبات مشيراً إلى أن المواد المستخدمة في بذر السحب مواد سامة بحسب تصنيف المنظمات العالمية وقال: "لا يجوز شرعاً" واستعرض بالأدلة جهل القائمين على هذه العملية.

وتابع: "في بيان المراد باستمطار السحب عند أهل الاصطلاح، وبيان الطرق المستخدمة في ذلك فانه يقصد من الاستمطار أحد أمرين الأول تسريع هطول الأمطار من سحب معينة، فوق مناطق بحاجة إليها، بدلاً من ذهابها إلى مناطق لا حاجة بها إلى الماء، لظروفها الطبيعية الملائمة للإدرار الطبيعي، اما الثاني فعتبر زيادة إدرار السحابة عما يمكن أن تدره بشكل طبيعي منوها إلى أن اسم الاستمطار، أو الاستحلاب للسحب، ليس ترجمة دقيقة لعملية الاستمطار، فإن مصطلح ال (Cloud Seeding) هو (بذر السحب)، وليس استمطار السحب.

وأما الطرق العلمية للاستمطار وأكثرها شيوعاً تتلخص فيما يلي: رش السحب الركامية المحملة ببخار الماء الكثيف، بواسطة الطائرات، برذاذ الماء؛ ليعمل على زيادة تشبع الهواء، وسرعة تكثف بخار الماء، لإسقاط المطر، والثاني قذف بلورات من الثلج الجاف (ثاني أكسيد الكربون المتجمد)، بواسطة الطائرات في منطقة فوق السحب؛ لتؤدي إلى خفض درجة حرارة الهواء، وتكون بلورات من الجليد عند درجة حرارة منخفضة جداً، لتعمل على التحام قطرات الماء الموجودة في السحب وسقوطها كما في حالة المطر الطبيعي، اما الثالث رش مسحوق إيود الفضة (agj) بواسطة الطائرات، أو قذفه في تيارات هوائية صاعدة لمناطق وجود السحب، ويكون ذلك باستخدام أجهزة خاصة لنفث الهواء بقوة كافية إلى أعلى، ويعد إيود الفضة من أجود نويات التكاثف الصلبة التي تعمل على تجميع جزيئات الماء، وإسقاطها أمطاراً غزيرة على الأرض.

وطرح الدكتور بن مفلح الآراء ووجهات النظر في عملية استمطار السحب في المملكة، وهي تخلص في جملتها إلى رأيين: الرأي الأول وهو المؤيد لهذا المشروع، وقد قال به بعض أهل الاختصاص، وبعض الشرعيين، وقد أسندوا هذا الرأي إلى مستندات شرعية، وعقلية، من أهمها ما يلي: الاول أن الأصل أن كل ما في هذا الكون من مسخرات مباحة للإنسان، فهي تحت تصرفه، يفعل بها ما يشاء، ما دام أن عمله داخل تحت دائرة المباح، الذي لم يرد النص أو الدليل العام أو الخاص بالمنع منه، ويشهد لذلك قول الله سبحانه وتعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمء مَا فِي الءأَرءضِ جَمِيعاً" (البقرة:29)، وقوله سبحانه: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمء خَلائِفَ الءأَرءضِ وَرَفَعَ بَعءضَكُمء فَوءقَ بَعءضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبءلُوَكُمء فِي مَا آتَاكُمء" (الأنعام:165). وقوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمء مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرءضِ جَمِيعًا مِنءهُ) (الجاثية: 13).

اما الثاني فلأن العوامل التي شكلت مناخ المملكة أسهمت في وقوع أراضيها في ظل المناخ الصحراوي الجاف الأمر الذي جعلها مقفرة مائياً، علاوة على التذبذب بنزول الأمطار وقلتها، ونظراً لشح الموارد المائية وظروف التوسع السكاني؛ تبرز أهمية عمليات الاستمطار. فكان لزاماً أن يتدخل العلم في معالجة الجفاف المقدر، ومحاربة التصحر عن طريق استحلاب السحب.

فيما يتطرق المستند الثالث للمؤيدين إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، ومما يوجبه علينا ديننا الحنيف أن نستفيد من التقنيات الحديثة، التي تعود علينا بالرقي والتقدم في ديننا ودنيانا، واخيرا أن الإنسان مأمور بفعل الأسباب. منهي عن التعلق بها لذاتها، وإنما يعتقد بأنها أسباب عادية، رتب الله عليها حصول مسبباتها متى بوشرت على وجهها. والاستمطار سبب من الأسباب التي يستنزل بها المطر كدعاء الاستسقاء، تبعاً للتقدم والاكتشاف العلمي، ما دام ذلك فيه التزام بقواعد الشريعة، وعدم خروج على قواعدها العامة ومبادئها الأصلية.

من ناحية أخرى عرض الدكتور بن مفلح الرأي الثاني المعارض للاستمطار السحب والذي يستند فيه الي أدلة شرعية وعقلية من أهمها حسبما يذكر الأستاذ المساعد بقسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء: "أن الله قد اختص بإنزال المطر بجميع أطواره، فالله هو المنفرد بإنزال المطر، وهو الذي يعلم وقت نزوله ومكانه، ومقداره إذا نزل، وهو الذي يرسل الرياح، وهوالذي يشكل السحب، ويسوقها حيث يشاء، فلامدخل لأي مخلوق كان أن يؤثر في هذه الحقائق، وقد بين الله ذلك بيانا واضحا في آيات كثيرة منها: قوله تعالى:(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الءغَيءثَ مِنء بَعءدِ مَا قَنَطُوا وَيَنءشُرُ رَحءمَتَهُ وَهُوَ الءوَلِيُّ الءحَمِيدُ) (الشورى:28)، ويقول سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي يُرءسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبءسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيءفَ يَشَاءُ وَيَجءعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الءوَدءقَ يَخءرُجُ مِنء خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنء يَشَاءُ مِنء عِبَادِهِ إِذَا هُمء يَسءتَبءشِرُونَ وَإِنء كَانُوا مِنء قَبءلِ أَنء يُنَزَّلَ عَلَيءهِمء مِنء قَبءلِهِ لَمُبءلِسِينَ) (الروم:48-49)، وقوله تعالى: (أَوَلَمء يَرَوءا أَنَّا نَسُوقُ الءمَاءَ إِلَى الأرءضِ الءجُرُزِ فَنُخءرِجُ بِهِ زَرءعًا تَأءكُلُ مِنءهُ أَنءعَامُهُمء وَأَنءفُسُهُمء أَفَلا يُبءصِرُونَ) (السجدة:27) ، ويقول عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ عِنءدَهُ عِلءمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الءغَيءثَ وَيَعءلَمُ مَا فِي الءأَرءحَامِ وَمَا تَدءرِي نَفءسٌ مَاذَا تَكءسِبُ غَداً وَمَا تَدءرِي نَفءسٌ بِأَيِّ أَرءضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(لقمان:34)، ويقول سبحانه: "وَإِنء مِنء شَيءءٍ إِلَّا عِنءدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعءلُومٍ" وَأَرءسَلءنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنءزَلءنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسءقَيءنَاكُمُوهُ وَمَا أَنءتُمء لَهُ بِخَازِنِينَ) (الحجر:21-22)، ويقول -جل جلاله-: "وَأَنءزَلءنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسءكَنَّاهُ فِي الءأَرءضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ" (المؤمنون:18)، ويقول سبحانه: "وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنءشَرءنَا بِهِ بَلءدَةً مَيءتاً كَذَلِكَ تُخءرَجُونَ" (الزخرف:11)".

ونوه بن مفلح إلى أن الوسائل التي شرعت لنا من أجل إنزال المطر النافع محصورة في الدعاء والاستغفار والتوبة والطاعة، ومن ذلك قوله سبحانه على لسان هود عليه السلام: "وَيَا قَوءمِ اسءتَغءفِرُوا رَبَّكُمء ثُمَّ تُوبُوا إِلَيءهِ يُرءسِلِ السَّمَاءَ عَلَيءكُمء مِدءرَاراً وَيَزِدءكُمء قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمء وَلا تَتَوَلَّوءا مُجءرِمِينَ" (هود:52)، وقوله سبحانه على لسان نوح عليه السلام: "فَقُلءتُ اسءتَغءفِرُوا رَبَّكُمء إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرءسِلِ السَّمَاءَ عَلَيءكُمء مِدءرَاراً" (نوح:10-11) ، وقوله تعالى: "وَلَوء أَنَّ أَهءلَ الءقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوءا لَفَتَحءنَا عَلَيءهِمء بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالءأَرءضِ" (الأعراف:96) .فإنزال المطرلا يكون إلا بفعل العبادات التي تقرب إلى الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ومحاولة إنزال المطربهذه التقنية الحديثة مخالف لكل ذلك، ولأنه قد جاء التحدي من الله لكل مخلوق في أن ينزل المطر، وقد جاء ذلك في صورة السؤال الإنكاري، كما في قوله تعالى: (أَفَرَأَيءتُمُ الءمَاءَ الَّذِي تَشءرَبُونَ أَأَنءتُمء أَنءزَلءتُمُوهُ مِنَ الءمُزءنِ أَمء نَحءنُ الءمُنءزِلُونَ) (الواقعة:68-69)،

من اجل ذلك يؤكد الحقائق القرآنية في الآيات السابقة - والمؤيدة بالحقائق العلمية بينت أن الإنسان لا يمكن أن يكون له مدخل في إنزال المطر، إلا على سبيل التخرص والتكهن كما هو الحال في هذه التقنية الحديثة، فلا يصح أن يقال هذا من قبيل فعل الأسباب كحرث الأرض للزرع، وكالزواج لإنجاب الولد وغيرها من الأسباب التي تترتب عليها مسبباتها، فإن هذه أسباب مشروعة ومأمور بها، مع أن الله قد يقدر أن لا يحدث الإنجاب، أو الإنبات للأرض، أما إنزال المطر فلا سبيل لأحد إليه بأي وسيلة كانت سوى التقرب إلى الله بالعبادة. وبناء على ذلك، فإن محاولة استخدام هذه التقنية في إنزال المطر لا تخلو من العبث، والجرأة، والتكذيب، أما العبث فلأنه غير ممكن شرعا ولا عقلا ولا واقعا، وأما الجرأة فلأنه تجرؤ على أمر قد اختص الله به، وأما التكذيب، فلأن الإنسان بهذه التقنية الحديثة يدعي أن الله لم يختص بذلك. فتقنية الاستمطار تقول بلسان الحال أو بلسان المقال: نحن المنزلون! إذا نزل المطر كما يظهر ذلك من بعض التصريحات الصحفية، وإذا لم ينزل، قالوا: لم يأذن الله بذلك!!! فيجعلون لله ما يكرهون، ويجعلون لأنفسهم الحسنى، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وأوضح بن مفلح أن الاعتقاد باستمطار السحب اذا كان صحيحاً عند أحد من المسلمين فإنه لا يخلو من أمرين أولهما أن ينسب إنزال المطر لغير الله نسبة كاملة مطلقة، فهذا شرك أكبر من شرك الربوبية، ولا أظن أحدا من المسلمين يعتقد ذلك، وثانيهما أن ينسب إنزال المطر إلى سبب من الأسباب، كالأنواء، أو تقنية الاستمطار أو غير ذلك، مع اعتقاده أن المؤثر في ذلك هو الله وحده، فهذا يعتبر من الشرك الأصغر؛ لعدة أمور من اهمها أن تقنية الاستمطار سبب غير مشروع أصلا، كما أنه سبب قد أثبتت التجربة فشله، فهو سبب فاقد للمؤهلات الشرعية، والعلمية المبنية على التجربة، وإذا كان العلماء ينسبون الشرك الأصغر لمن اعتمد على الأسباب المشروعة وحدها إذا نسي المسبب لها، فكيف بمن يعتمد على سبب غير مشروع أصلا.

وأضاف الدكتور مفلح: "أنه قد دل الدليل على بطلان هذه التقنية من كلام أهل الاختصاص، وكلامهم في هذا أكثر وأشهر من أن يذكر، فإنه قد تقرر عندهم - من خلال التجارب التي أجريت في مجال زيادة الأمطار- أن النتائج كانت في أغلبها سلبية، وأخفقت العديد من المشاريع خاصة مشاريع بذر السحب، بحيث لم تحقق الهدف الذي تبتغيه، بل كانت النتيجة معاكسة، وهي حدوث تناقص في الهطول، وكانت نسبة التناقص في العديد من المشاريع تفوق نسبة الزيادة المعتادة والمتوقعة قبل إنجاز المشروع، كما أن عمليات إسقاط المطر لا تزال غير اقتصادية ومكلفة، ولذا لم تخرج إلى حيز التنفيذ الميداني إلا على شكل تجارب بحثية بهدف الدراسة".

وطالب بإيقاف مشروع الاستمطار الصناعي لأنه قد ثبت وجود الضرر في استخدام هذه التقنية على الأحياء من البشر والحيوان والنبات؛ لأن المواد المستخدمة في بذر السحب مواد سامة بحسب تصنيف المنظمات العالمية، ومنها مكتب البيئة والصحة والسلامة بجامعة بيركلي، كاليفورنيا بالولايات المتحدة يصنف يود الفضة بأنه مادة كيماوية غير عضوية، خطرة، لا تذوب في الماء، وسامة للإنسان والأسماك. وتفهرس وكالة حماية البيئة الأمريكية مادة يود الفضة ضمن المواد الخطرة والسامة.