أفرزت حالة الثراء الذي شهدته المملكة العربية السعودية، ولا سيما في اعقاب اكتشاف النفط، تداعيات اجتماعية عديدة، منها ما هو ايجابي، كتحسين مستوى العيش،وارتفاع مستويات الدخل الفردي،والتحسن الكبير في العجلة الاقتصادية عامة، إلا انها في الوقت ذاته تركت تجليات اخرى في تقاليد المجتمع،حيث انتشرت ظاهرة الكسل في بعض الشرائح الاجتماعية،او كما يقول المثل، اجتمع (الكسل مع العسل)، خاصة بعد توافد الآلاف من العمال الاجانب الى البلاد، وقيامهم بالكثير من الاعمال،ولا سيما الخدمية منها،الامر الذي فتح الباب امام انتشار ظاهرة البطالة لدى الكثير من الشباب السعودي، حيث وصلت أعداد العاطلين عن العمل في المملكة إلى نحو 500ألف عاطل بحسب ما أكدته وزارة العمل نافية الاحصائيات الواردة في بعض وسائل الإعلام في المملكة والتي تحدثت عن رقم مبالغ فيه (نحو 5ملايين) عاطل. رغم الامكانات الكبيرة التي يمتلكها الشباب السعودي،وخاصة ان المجتمع السعودي يوصف بأنه مجتمع شاب، بسبب كثرة عدد الشباب فيه.

وهذا بفعل الطفرة الأولى وارتفاع تعدد الزوجات وزواج الشباب مبكرا سواء بوازع ديني أو اجتماعي وكذلك إخلاقي.

وافسحت الظروف الجديدة والانتعاش الاقتصادي الذي عاشته المملكة المجال امام العمال الاجانب، الذين راحوا يتوافدون بكثرة نحو السعودية، حتى اضحى هؤلاء العمال يشكلون نسبة كبيرة من الايدي العاملة في المملكة، حيث تشير الاحصائيات الى ان نسبة العمالة الاجنبية في السعودية، تقدر بنحو 37بالمائة من سوق العمل، خاصة وان عدد العمال يتزايد باستمرار، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد منحت المملكة رخصا لأكثر من 1، 7ملايين عامل في عام 2007فقط، فيما تقدر نسبة الاجانب في البلاد بحوالي 33في المائة من عدد السكان.

واما ازدياد عدد العمال الاجانب، تزداد المخاوف من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة، خاصة اذا ما اخذنا بعين الاعتبار تزايد نسبة البطالة في صفوف الشباب السعودي،الامر الذي دفع الكثير من المراقبين الى التحذير من مخاطر ازدياد العمالة الاحنبية، ليس في السعودية فقط وانما على مستوى الخليج عامة، حتى ان وزير العمل البحريني مجيد العلوي،ذهب في احد تصريحاته الى القول (ان مشكلة العمالة الاجنبية في الخليج قد تغير وجه المنطقة بكاملها خلال العقد المقبل واصفاً إياها بأنها أشد خطراً على الخليج من القنبلة النووية وإسرائيل معاً)!!.

كما ان الآثار السلبية للعمالة الاجنبية لا تنحصر على الدول الخليجية فقط، وانما قد تطال العمال انفسهم، الذين تحولو مع الزمن الى سلعة في يد مافيات التوظيف في الدول التي تصدر هؤلاء العمال،حتى ان وزير العمل البحريني لم يتردد في توجيه الانتقاد الى رجال الاعمال في المنطقة، متهما اياهم بالجشع وجذب العمال الأجانب بأعداد كبيرة إلى المنطقة.

ويقول عبد الواحد الحميد، نائب وزير العمل السعودي، ان نسبة العمالة الاجنبية في السعودية ضخمة جدا، لافتا الى ان نسبة هذه العمالة في القطاع الخاص والمنشآت الكبرى تشكل حوالي 87في المائة، مقابل 13في المائة للعمالة السعودية، ويضيف المسؤول السعودي ان مسألة بقاء العمال الأجانب لفترة محدودة أمر مطروح، ويتم التداول عن فترة ست سنوات.

العمالة الأجنبية في دول الخليج:

وبعد اكتشاف الثروة النفطية في دول الخليج العربية في اوائل القرن الماضي، شهدت الدول العربية الخليجية انتعاشا اقتصاديا كبيرا، وحركة تطور سريع على كافة المستويات والأصعدة، مما جعلها قبلة الكثيرين من الباحثين عن العمل، ولا سيما من الدول المجاورة، التي كانت تعاني في بعض الاوقات من ازمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تدفع بالأيدي العاملة للهجرة بحثا عن مواطن الرزق والأمان، حتى غدت سوق العمالة الاجنبية في الدول الخليجية سوقا كبيرة وواسعة، تظهر تجلياتها في جميع مناحي الحياة.

وهكذا اصبح الخليج منطقة جذب للعمالة المهاجرة وخاصة من الهند وإيران والدول الآسيوية الأخرى، كما ازدادت هذه العمالة مع بداية الطفرة النفطية في السبعينات من القرن الماضي.

حجم العمالة المهاجرة في الخليج:

ورغم ان ما توفره الدول الخليجية من شروط حياتية مريحة للعمالة المقيمة فيها، إلا ان قضية العمالة الاجنبية في الخليج برزت في السنوات الاخيرة كقضية شائكة ومعقدة وملفتة للانتباه، احتلت مكان الصدارة على طاولات اجتماعات المسؤولين والمهتمين بالشأن الخليجي، ولاسيما في اعقاب الاضطرابات التي شهدتها فرنسا، حيث عمت البلاد موجة من اعمال العنف طالت العديد من المدن الفرنسية مخلفة وراءها خسائر مادية كبيرة، الامر الذي دعا الكثيرين الى قرع ناقوس الخطر، والتحذير من امكانية حدوث اضطرابات مشابهة في اكثر من بلد خليجي، وذلك بسبب ارتفاع عدد العمال الاجانب في منطقة الخليج. والذين يقدر عددهم بنحو 14مليون شخص أغلبيتهم من الآسيويين، وتقدر قيمة تحويلاتهم بأكثر من ثلاثين مليار دولار سنويا. وتمثل استنزافا مستمرا للموارد الاقتصادية وخسارة تقدر ب 9في المائة من الناتج الاجمالي السنوي لدول الخليج بسبب التحويلات التي تتراوح بين4525في المائة مقارنة مع حجم استثمارات الدول الخليجية ومن الآثار السلبية الاخرى تضخم الميزانيات المخصصة للانفاق الحكومي على الخدمات مثل الصحة والتعليم والامن والاسكان والمواصلات و المياه والكهرباء، وطبعا المستفيد الاكبر هم العمال الاجانب الذين ينتج عنهم عمالة مضاعفة تلبي احتياجاتهم الاستهلاكية وما يحصلون عليه يصرف خارج المنطقة.

ويرى الكثير من الخبراء ان انخفاض نسبة السكان المواطنين الى نسبة متدنية من شأنه ان يؤثر في هوية المواطنين كما ان تصادم وتصارع حضارات العمالة الاجنبية وهيمنتها على المجتمعات الخليجية يؤثر في القيم الوطنية اضافة الى ان معظم العمالة الاجنبية من الذكور مما يؤدي الى حدوث خلل في التوازن النوعي بين الجنسين والمشاكل الاجتماعية والاخلاقية والامنية التي تنتج عن ذلك، ناهيك عن استخدام المربيات والخادمات الاجانب.

ويرى هؤلاء الخبراء ان البدائل متاحة ومتوفرة امام الدول الخليجية فالعالم العربي الاسلامي مليء بالطاقات والمؤهلات والموارد البشرية وانه يجب على المسؤولين في دول الخليج ان يضعوا محفزات مادية وخدماتية لاستقطاب الشباب المسلم(العربي) للعمل في الدول الخليجية بدل الاجنبي، لاسيما وان كثرة العمال الاجانب تؤثر بشكل ملموس على الطابع العربي والاسلامي للدول الخليجية فالقادم الى دول مجلس التعاون الخليجي تستحوذ على نظره، منذ الوهلة الاولى، كثرة الاجانب وتحديدا الآسيويين من هنود وباكستانيين وصينيين وفلبينيين وغيرهم ، حتى ان البعض يخال نفسه وكأنه في احدى هذه الدول، وليس في دولة عربية، اذ ليس من المفهوم اطلاقا ان يفتقد العربي القدرة على التواصل مع المجتمع باللغة العربية، في دولة عربية واسلامية ايضا.

وتشير بعض الدراسات الخليجية الى ان هناك انعكاسات سلبية وخطيرة للخلل الذي تشكله العمالة الاجنبية، سواء على التركيبة السكانية في الدول الخليجية، وتضيف هذه الدراسات الى ان هذا الخطر يتضاعف اذا ما اخذنا بعين الاعتبار العمالة التي تدخل الى منطقة الخليج بصورة غير شرعية، والتي تتوقع الدراسات هذه ان تزداد بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في الدول المجاورة للخليج العربي.

وعلى الرغم من الحاجة الماسة للعمالة الاجنبية في الخليج، ولاسيما فيما يتعلق بالأعمال الصعبة التي يبتعد عنها اهل المنطقة، الا ان هذا لا يلغي القلق الذي تشكله العمالة الاجنبية على الوضع الديمغرافي بشكل خاص والاوضاع الاجتماعية عامة، رغم الدور الكبير للعمالة الاجنبية في تحريك عجلة الاقتصاد في المنطقة.

ففي مؤتمر المنظمات غير الحكومية الذي انعقد في العاصمة البحرينية المنامة في نوفمبر عام 2005م وصف جيمس زغبي رئيس المؤسسة العربية الأمريكية العمال الاجانب في الخليج بأنهم قنبلة موقوتة يمكن ان تنفجر في اي وقت محدثة فوضى واضطرابات شبيهة بما حدث في فرنسا، مشيرا الى الظروف الاجتماعية الصعبة التي يعاني منها الكثير من العمال.

وعلى الرغم من استبعاد بعض المراقبين لإمكانية حدوث اضطرابات خطيرة في الخليج على ايدي العمالة الاجنبية التي جاء معظمها من دول فقيرة، وبعقود واضحة الا ان هذا الواقع لا يمنع القلق المتزايد في هذا المجال، الامر الذي دفع اكثر من مسؤول خليجي الى التحذير من المشاكل التي يمكن ان تحملها العمالة الاجنبية الى الخليج، لا سيما مع سعي الكثير من المنظمات الدولية الى توطين العمالة في اطار سعيها لتحقيق شروط العولمة، مما حدا بصدور توصيات من وزراء العمل على تحديد حد أعلى لبقاء العامل الاجنبي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بحيث لا يسمح باستمرار العامل في عمله أكثر من ست سنوات كحد أقصى. وتستثني التوصية التخصصات التي لا يمكن الاستغناء عنها والتي لا يتوفر مواطنون من نفس البلد لشغلها وترشيد استقدام العمالة المقيمة، وتوفير المزيد من فرص العمل للمواطنين للحد من شبح البطالة التي بدأت تنتشر في الدول الخليجبة مؤخرا.

ويرى الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن الخليجي ان دول الخليج العربية لا تستطيع الاستغناء عن العمالة الاجنبية، في المدى القريب على الاقل وذلك بسبب استبعاد نسبة كبيرة من السكان من قوة العمل، ولاسيما فئة النساء، اذ انه وعلى الرغم من ان عدد سكان مجلس التعاون الخليجي في تزايد مستمر، حتى وصل الى اكثر من 35مليونا الا ان قوة العمل بالنسبة الى عدد السكان تعد منخفضة، وذلك حسب الكثير من الدراسات، ولا سيما الخليجية منها.

وطبقا للأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي فإن السكان الاجانب في دولة الامارات العربية المتحدة تشكل 80بالمائة حيث أثارت كاتبة إماراتية نشرت مقالها في صحيفة الاتحاد الصادرة من أبو ظبي قبل عدة ايام تحت عنوان (مواطنون أم سكان أصليون) أن الأرقام الرسمية أفادت بأنه في نهاية عام 2007انخفضت نسبة المواطنين إلى 10% فقط من إجمالي قوة العمل فيما بلغ عدد الجالية الهندية 1.5مليون، ونقلت تصريح وكيل وزارة العمل في الإمارات أن إجمالي تصاريح العمل الصادرة منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية أبريل الماضي في إمارات أبوظبي ودبي والشارقة، قد بلغ 565ألف تصريح عمل فيما بلغت تصاريح العمل في بقية الإمارات الأربع نحو 72ألف تصريح وهذا ما يفسر مطالبة المجلس الاستشاري في إمارة الشارقة بتحديد نسبة العمالة الأجنبية الوافدة في الإمارات وما تفرزه هذه العمالة من ظواهر كهروب الخادمات، الإقامة غير الشرعية، وما يرتبط بها من مختلف الجرائم، وفي دولة قطر بلغت نسبة العمالة

الأجنبية نحو 70بالمائة وذلك خلال عام 2006فيما يشكل الاجانب في البحرين حوالي نصف السكان في احصائية في عام 2007م،ويعرب الكثير من المسؤولين والمعنيين بالشأن الخليجي عن قلقهم من فكرة توطين العمالة الوافدة في دول الخليج العربية، والآثار التي يمكن ان تنجم عن خطوة مثل هذه على التركيبة السكانية للمنطقة، وعلى القيم والعادات والتقاليد العربية والاسلامية السائدة ونلاحظ هنا ان منطقة الخليج منذ زمن طويل مقصداً للراغبين بالعثور على فرص عمل بسبب ثرواتها الكبيرة، والتي تضاعفت خلال العامين الماضيين مع الطفرة النفطية الكبيرة التي قادت أسعار النفط لمستويات قياسية تخطت أكثر من مائة دولار.

كما تتمثل عوامل الجذب الأبرز في هذه السوق في انعدام الضرائب على الرواتب وارتفاع مستوى المعيشة والرفاهية، غير أن الارتفاع الكبير بمستويات التضخم في الفترة الأخيرة، وخاصة في الدول التي تشهد قفزات كبرى مثل دولة قطر والإمارات العربية المتحدة حيث بدا هذا التضخم يرخي بظلاله على واقع الحال في هذين البلدين.

مخاطر اقتصادية وثقافية:

حذر عدد من الخبراء من خطر داهم قد يهدد اقتصاديات الخليج بسبب الضغط الهائل لعوامل التضخم على أجور ورواتب العمال والموظفين الأجانب، حيث بات ارتفاع الأسعار يشكل عاملاً طارداً لأصحاب الخبرات، الذين تظهر الإحصائيات رغبة معظمهم في تغيير أعمالهم أو مغادرة المنطقة.

واذا عدنا للمخاطر المرتقبة نرى انه وبغض النظر عن المشكلات الاقتصادية الكبيرة التي بدأت تظهر مع تزايد العمالة الاجنبية، فإن هناك مخاطر ثقافية واجتماعية لا تقل اهمية عن العامل الاقتصادي، حيث انه كما هو معروف ينتمي العمال الاجانب العاملين في دول الخليج العربية الى جنسيات متعددة كثيرة،وثقافات متنوعة، ويحملون عادات كثيرا ما تكون غريبة عن مجتمعاتنا العربية والاسلامية، الامر الذي يعرض المجتمع الخليجي العربي المسلم الى مشكلات ثقافية، اهمها المخاطر التي تتعرض لها الشخصية الوطنية واللغة العربية، لا سيما وانه ومع الأسف كثيرا ما نرى ان اللغة المستخدمة في الكثير من الدوائر الحكومية، في بعض الدول الخليجية هي اللغة الانكليزية، فيما يضطر الكثير من ابناء البلاد الاصليين الى تعلم لغات غير لغتهم، وحتى غير اللغة الانكليزية، لتسهيل معاملاتهم، ودفع هذا الواقع الحكومات الخليجية الى القلق من نتائج تزايد العمالة الاجنبية، حيث ازدادت التحذيرات من المخاطر التي قد تؤدي الى خنق الثقافة العربية الاسلامية في هذه المنطقة، بسبب التزايد الكبير في العمالة الاجنبية، ناهيك عن المخاطر الامنية التي بدأت تطل برأسها مؤخرا ولا سيما في اعقاب الجرائم المروعة التي ارتكبتها هذه العمالة كقيام عامل من الجنسية البنغالية بقطع رأس مواطن بحريني بمنشار كهربائي بسبب خلاف بينهما على أجرة تصليح سيارة، وحوادث الشغب التي قام بها العمال الاجانب في كل من الشارقة ودبي في الامارات العربية المتحدة، حيث شهدت كل من الامارتين حوادث واضرابات عمالية مؤخرا بدءا من الاضرابات عن العمل الى الاحتجاجات العنيفة التي اتسمت بأعمال تخريب للممتلكات، وفي المملكة يمارسون السرقة والتحايل والتزوير وصناعة الخمور وينشئون أماكن للدعارة ومخلة للآداب تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصلية.

واثارت إحدى وسائل الإعلام قضية خطيرة أن احدى الدول الخليجية قامت بترحيل فئة كبيرة من العمال لمخالفتهم قوانين الإقامة في ذلك البلد بواسطة أربع طائرات على حد قول المتحدث الخليجي، وحين وصولهم إلى بلدهم أعادتهم دولتهم إلى الدولة الخليجية وطالبتها بأن هؤلاء اصبحوا مواطنين عائدين لكم!! ومهما يكن من امر فإن العمالة الاجنبية في دول الخليج ورغم ما يراه البعض حول اهميتها لدفع العجلة الاقتصادية ، إلا انه لا بد من التفكير جديا، بدراستها بتعمق من اجل احتواء اية اثار سلبية قد تنشأ في المستقبل، لا سيما في ظل التسارع الكبير الذي تشهده الاقتصاديات الخليجية في المنطقة والتي تحتاج الى الاستقرار قبل اي شيء آخر.