لو تساءلنا عن العوامل المشتركة بين الإعلام والوسادة التي يضع الانسان رأسه عليها قبل النوم لوجدناها كثيرة ومتشابهة فالوسادة هي الشاهد المنصت لمعظم الأفكار والهموم والأحلام التي يستحضرها الإنسان في أكثر اللحظات صفاء وهدوءاً سواء التي تسبق نومه أو تلك التي تطرد النوم من عينيه.

كذلك هو الإعلام الفعال الذي يستطيع أن يمتص هموم وأفكار وأحلام المجتمع الذي يخدمه ويشجعه على استعراضها واستحضارها من خلاله.

فالإعلام هو الوسادة التي يضع المجتمع رأسه عليها ليفرغ همومه أو يناجي أحلامه أو حتى يفند أفكاره وظنونه، وليس بالضرورة أن يكون عالي التقنيات أو ناعما مرفها من ريش النعام أو الإسفنج الصناعي أو حتى من التبن أعزكم الله، المهم أن يكون وسادة مريحة لمجتمعه يبثها المجتمع بجميع شرائحه همومه وأفكاره.

فهل أنجز الإعلام السعودي المسموع والمرئي مهمته؟

الإجابة العلمية تستدعي دراسة وأرقاما ونسباً، لكن المنطق في معظم الأحوال قادر على حسمها.

لماذا يلجأ شبابنا وشاباتنا للتنفيس عن مشاعرهم ورغباتهم وطموحاتهم عظيمة كانت أو تافهة للإعلام الآخر.

لماذا لا يثق مفكرونا ومثقفونا في إعلامنا ويقصدون الإعلام الآخر لطرح أفكارهم ورؤاهم؟

أين هو إعلامنا السعودي والمحلي تحديدا من هذا النزوح الجماعي وكيف فرّط في قضايانا المحلية وقدمها كمادة مثيرة ووجبة دسمة للإعلام الآخر ليبحث فيها ويصول ويجول ويستقطب المزيد من المشاهدين والمتابعين لها على حسابه؟!

ليست القضية تقف عند حدود الانفتاح الإعلامي وتعدد وسائله ووسائطه وسهولة الوصول للفضاءات الأخرى والتعبير من خلالها، بل في تباطؤ إعلامنا في احتواء هموم مجتمعه أو حتى في استقطاب قضايا المجتمعات الأخرى.

كم هي القنوات الفضائية التي اكتسبت برامجها شعبية واستمرارية لتفردها بنشر همومنا وطرحها للبحث أو النقاش؟

وكم هي المرات التي أدار المشاهد السعودي فيها بجهاز التحكم (الريموت كنترول) بعيدا عن القنوات المحلية واستقر على قنوات أخرى لأنه وجد فيها بعض ما ينفس فيه عن همومه وقضاياه واحتياجاته الخاصة؟

لست أدري ما هو التقييم الذي يمكن أن يعطيه المسؤولون في الإعلام السعودي عن أداء القنوات المرئية والسمعية وترتيبها في سلم المنافسة أو حتى في سلم القنوات الذي يبرمجه المشاهد في جهازه بعد أن أعتقه التطور التقني في الاتصالات من الاحتكار.

نشر الغسيل واللغط الإعلامي الذي يحدثه تناول إعلام أجنبي لقضايانا وإخضاعنا أنفسنا لمعاييره الثقافية والاجتماعية والتي كثيراً لا تكون منصفة في نظرتها لنا يتحمله إعلامنا المحلي لأنه سمح لنفسه أن يكون بعيداً عن الركب ولم يبذل عناء في فهم احتياجات أفراد مجتمعه وامتصاصها أو التسويق لها.

منذ مدة عرضت شبكة قنوات ال BBC في برنامجها الشهير Top gear مقطعا مثيراً بعثه شباب سعودي يظهر مهاراتهم في القيادة (التفحيط) داخل شوارع المدينة.

ترى لو وجد أولئك الشباب من الإعلام المحلي ما ينفس عن بعض رغباتهم ويكون صوتا لهم أمام المسؤولين فهل كان سيبحث له عن قنوات أخرى تعرض أفكاره ومهاراته حتى ولو سخرت منها!!