يحمد لبرنامجي شاعر المليون وأمير الشعراء اللذين نضجا في معامل هيئة أبوظبي الثقافية أنهما قدّما وجبات شعرية شهية على مدى عامين، أضافا إلى الحياة الأدبية من خلالها نكهات متعددة متميزة وجملاً من موائد الكلام.

وأظن أن كثيراً من الشعراء لم يكن ينتظر سوى مثل هذه الفرصة التي أتاحتها الحركة الثقافية الفاعلة النشطة في أبوظبي حتى وجدوها أمثل الطرق إلى ارتقاء منصات الضوء، وتدوين أسمائهم وإبداعاتهم في ذاكرة المتلقي الذي هو الآخر تباين في تلقّيه لنصوص الشعراء وتفاوت في تقبله لأصوات المبدعين".

على أنه من المهم أن نشير إلى بروز أكثر من ظاهرة حفل بها هذان البرنامجان، ففي "أمير الشعراء" برزت ظاهرة الجمهور الموريتاني المتفاعل بحماس مع الشعر وظاهرة الإبداع لدى شاعرة النيلين روضة الحاج وقدرتها الوصفية التي تجلت في وصف الصقر، وظاهرة ياسر الأطرش الشاعر السوري المتميز الذي أحدث زلزالاً في مسرح شاطئ الراحة، وظاهرة الشاعر الفلسطيني البارع تميم البرغوثي الذي نجح في تقديم نفسه اسماً مؤثراً في المشهد الشعري المعاصر، ولا ننسى ظاهرة حازم التميمي الشاعر الرائع الذي أعاد بفصاحته وقدرته الشعرية جيلاً جميلاً من شعراء العربية المتميزين.

أما "برنامج شاعر المليون" ففي دورته الأولى برزت أكثر من ظاهرة تنقلت بين رزانة المري وجرأة الشمري وحماس العصيمي وموال الميزاني ومفاجآت العازمي، ومشاكسات الأهدل وأنغام الشيخ المنصوري.

وأما في الدورة الثانية المقامة حالياً فقد أبرزت ظاهرة متفردة الى جوانب ظواهر أخرى لكنها كانت ظاهرة لوت الأعناق الى حضورها المختلف وبروزها المفاجئ، وهي ظاهرة "ناصر الفراعنة" الشاعر المفلق الجهبذ لولا أنه محوج أيما حاجة إلى من يصدق معه ممن يتحمسون له، فإن صديقك من صدقك لا من صدّقك، وهو شاعر مؤهل إلى أن يتسنم موقعاً مميزاً في الساحة الشعرية المعاصرة، فالشاعر الفراعنة ظاهرة صوتية أدبية وشخصية تتمتع بميزتين:

(ثقافة أصيلة متجددة/ قدرات فنية متعددة)

فأما الأولى فتبرز في صلته الوثيقة بالتراث والموروث الشعبي، واستنطاقه المضامين المعرفية والقيم الإنسانية، وأما الثانية فلطريقته الفريدة في النظم، وتوازنه الإيقاعي، وإلقائه الدرامي، وحضوره المسرحي، لكن ما يؤخذ عليه في ظل اكتمال المبنى هو اهتزاز المعنى ولذلك عليه أن يعيد النظر ويمعنه في شعرية معناه، بأن يحرص على ترابط أفكاره، فالأفكار أشبه باللبنات والتباعد بينها يصيبها بالوهن، واستمرار واستمراء ذلك التباعد يفضي إلى هشاشة في هيكل البناء، وأخشى ما نخشاه أن يتقوّض مبنى جميل أمام إهمال المسافة بين تلك اللبنات.