• من الظواهر الشعرية البارزة في العصر الحديث.. استحضار الرموز التراثية وتوظيفها توظيفاً فنياً مختلفاً ومتفاوتاً.. فإذا كان جيل آبائنا من الشعراء قد كثفوا من استحضار الرمز التاريخي الفاعل كما هو الحال عند نزار قباني حينما كثف من استحضار الشخصيات التاريخية القيادية أمثال طارق بن زياد أو خالد بن الوليد حين يقول:

أبا الوليد ألا سيفاً تؤجره

فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا

أو كما هو الحال عند عمر أبي ريشة حين يستحضر القائد العربي المسلم المعتصم بالله بقوله:

رب وامعتصماه انطلقت

ملء أفواه الصبايا اليتّم

لامست أسماعهم لكنها

لم تلامس نخوة المعتصم

لكن الملاحظ في الآونة الأخيرة هو شيوع ظاهرة استحضار الرموز التراثية الشعرية وهو تحول كبير في الظاهرة حين انتقلت الحاجة من الرمز الفاعل إلى الرمز القائل.. في هذا التطور للظاهرة يقوم الشاعر المعاصر باستحضار جده التراثي الرمز ليقوم بالتعبير نيابة عن لسانه العربي المقطوع في ظل احباطه الكامل الذي أوصله إلى عدم القدرة على الكلام بعد أن وصل آباؤه إلى استحضار الرمز الفاعل نتيجة عدم قدرتهم على الفعل..!

وبغض النظر عن هذه الظاهرة فنياً ما لها وما عليها إلاّ أنها تعد مؤشراً واضحاً لغياب الرمز الآني فعلاً وقولاً وهو ما يمكن أن يعول عليه الشاعر المعاصر أحلامه وطموحاته وهذا تحديداً ما سبق وان أشرت إليه كظاهرة نفسية بحتة تجسد حالة انكسار ما بعد الانكسار، فالجيل السابق والذي يمكن وصفه بجيل الانكسار كانت حياته مليئة بالصخب والحركة والقول فكانت حاجته للفعل.. حينها فقط بحث عن الرمز فأشاد بأجدادنا القواد الأبطال أمثال خالد بن الوليد أو طارق بن زياد أو المعتصم بالله وغيرهم من الرموز الفاعلة في تاريخنا القديم، لكن هذا الجيل وهو ما يمكن وصفه بجيل (انكسار ما بعد الانكسار) فأراه فقد قدرته حتى على الكلام أو البوح، ولم يصل طموحه للفعل فلم يستحضر ما استحضره آباؤه بل اقتصر طموحه في رغبته بالتعبير عن واقعه المنكسر ففر منه مستنجداً بالرمز القائل، ليقول ما لم يستطع قوله وليشهده كصوت فاعل ومؤرخ لعصره على انكساره واحباطه وشلله التام حين تم تعليبه وتصديره لواقع لا يملك إلاّ أن يحياه كما هو دون حتى بصيص أمل بظهور رمز فاعل أو حتى بروز رمز قائل مؤثر..!!