- نظام الحاجات من الأنظمة الملازمة للوجود الإنساني، بحيث أن الإنسان في مختلف أطواره وأدواره، لا يمكنه أن يستغني عن نظام الحاجات، وذلك لإشباع رغباته وسد حاجاته ومتطلباته. ولا يمكننا أن نتصور كائناً بشرياً لا يتواصل مع هذا النظام، ولكن التمايز البشري يكمن في طبيعة التعامل مع هذا النظام، وسبل توفير الحاجيات والضروريات بالنسبة إلى الإنسان الفرد والجماعة. إذ أن الإنسان ككائن حي، تتوفر لديه بيولوجيا ومعاشيا واقتصاديا، بعض الحاجيات والضرورات الذي يعتبر توفيرها وإشباعها ضمن الأطر المشروعة والمعقولة سببا أساسياً لبقاء الإنسان على وجه هذه البسيطة.
فالحاجة في المنظور الاقتصادي، هي الرغبة لإشباع ما هو ضروري للإنسان، ويقول علماء الاقتصاد السياسي: ان الحاجة تتميز بالخصائص التالية:
1) قابليتها للتغير، حيث تنمو وتزداد، كلما تطور الإنسان وتنوعت طموحاته ورغباته، وتقدمت أساليب معيشته.
2) قابليتها للإشباع، حيث تبرز هذه الخاصية في حاجات الإنسان الفطرية كالغذاء والماء والكساء.
ولهذا تبقى الحاجة إلى النقود غير محددة، لكنها قوة شرائية، تمكن الإنسان من الحصول على حاجات عديدة بواسطتها، وتزداد حاجته إليها كلما ترقت وتقدمت حضارته وتنوعت واتسعت طموحاته.
3) قابليتها للاستبدال، حيث يتمكن الإنسان من استبدال سلعة بأخرى أو يستعيض عنها بسلعة بديلة، تؤدي نفس الخدمة أو الغرض.
4) علاقة الحاجات ببعضها بصورة متكاملة. فالحاجة إلى شيء يقود إلى الحاجة إلى أشياء أخرى.
والحاجات الإنسانية هي جزء من الشأن الإنساني ـ الاجتماعي، الذي يتناول جميع وجوه النشاط المادي والنفسي، لهذا فإنه مهما كان نوع التنظيم الاقتصادي ـ الاجتماعي الذي يمارسه الإنسان في أي مجتمع، فإن ذلك لا يتنافى مع سعي الإنسان الحثيث للعمل والإنتاج لتلبية حاجاته بشتى الطرق والأساليب.
من هنا فإننا لا نتصور في أي نظام اقتصادي ـ اجتماعي، أن تنتفي حاجات الإنسان لأنها ملازمة لوجوده، ولا تزول إلا بزواله، ودور التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية هو تأطير هذه الحاجات وتوفير الأوعية الممكنة والمتاحة لتلبية حاجات الإنسان المختلفة.
وبفعل حالة التنافس بين الحاجات الأساسية والحاجات البديلة، يتوجه الإنسان إلى عملية المفاضلة بين عدة حاجات ورغبات، وإعطاء الأولوية لبعضها وفقاً لمستوى رغبته أو إمكانياته.. فيواجه بذلك مشكلة اقتصادية دائمة، ناجمة عن عملية الاختيار والمفاضلة، نظراً لتعدد حاجاته واستمرارها من جهة، وإمكانياته المحدودة من جهة أخرى.
وبالتالي اضطراره إلى تكييف موارد ثروته المحدودة لكي تتلاءم مع تعدد حاجاته وتنوعها وديمومتها. والسلع اقتصاديا، هي الأشياء التي تلبي حاجات الإنسان ورغباته، وإرضاء متطلبات حياته المادية والنفسية باستمرار، فهناك السلع الاستهلاكية التي تلبي حاجات الإنسان الفطرية المباشرة، والسلع الإنتاجية المستعملة في شتى مراحل الإنتاج، مروراً بالسلع الاستعمالية. ولعل حجر الزاوية في الرؤية السليمة لمفهوم الحاجة، هو رفض النظرة الأحادية للإنسان ومتطلباته، لأنها نظرة تؤدي إلى التركيز على إشباع بعض الحاجات العضوية والمعاشية مثلا وإغفال الحاجات المعنوية.
لهذا نرى أن حجر الزاوية في هذه المسألة، هو النظر إلى مفهوم الحاجة بشكل متكامل، فكما الإنسان يحتاج إلى إشباع غرائزه بالطرق المشروعة، هو كذلك بحاجة إلى إشباع حاجاته المعنوية والعقلية.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن المقايضة بين حاجات الإنسان المادية وحاجاته المعنوية، لأنه يتقوم بهما، ولا يمكنه أن يعيش حياة كريمة وسعيدة إلا بهما {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} الأعراف .21.(أما أني أخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) "رواه البخاري".
فالإنسان لا يمكنه أن يعيش حياة سليمة، إلا برعاية وتلبية حاجاته المادية والمعنوية، بدون فصل بينهما، لأن الإنسان لا يمكنه أن يعيش كلاً على غيره، كما لا يمكنه أن يعيش بالمادة وحدها، فالإنسان لا يحيا بالخبز وحده، من هنا ينبغي أن تتكامل شخصية الإنسان، ويبذل الجهود، لإشباع حاجاته المادية كما المعنوية.
وفي إطار إشباع الإنسان لحاجاته المختلفة نؤكد على الأمور التالية:
1ـ ضرورة انتخاب الوسائل المشروعة في إشباع الحاجات، فلا يبرر الإشباع الضروري للحاجات، اتخاذ وسائل غير مشروعة. وأمام كل حاجة مادية ومعنوية للإنسان، ثمة طرق مشروعة للإشباع، وثمة طرق غير مشروعة لا يجوز اللجوء إليها إلا في حالات الضرورة القصوى ضمن الضوابط الفقهية (الضرورات تبيح المحظورات) و (الضرورة تقدر بقدرها).
2ـ لا يمكن بأي شكل من الأشكال، فصل حاجات الإنسان المسلم المادية والمعنوية، عن السياق الثقافي والشروط الموضوعية، حتى تكون تلبية الحاجات منسجمة وأهداف الإسلام في البناء والتنمية. وفي هذا الإطار، لا معنى للرغبات الحرة، والدوافع الاستهلاكية التفاخرية، التي ينساق إليها الناس تحت ضغط شهوات الشراهة أو الطمع أو ما أشبه.
3ـ الاعتدال في الاستهلاك: في كل الأحوال الإنسان السوي مطالب بالتوازن في التعامل مع النعم والثروات، لأن الإشباع المجحف، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج ضارة، ليس فقط على المستوى الشخصي، وإنما على الصعيد الاقتصادي العام. فالماء والكهرباء نعم في متناول يد الإنسان، الإسراف فيهما، يؤدي بالضرر على الاقتصاد الوطني برمته، وهكذا بقية الأمور.
ومن هنا ينبغي أن نهتم بمسائل التنمية الذاتية. والتخلص من نزعة الشيئية، وسلوكية النهم كمقدمة ضرورية لتحريك الفعالية التنموية وأنماطها من جهة أخرى.
وتضبط الحاجات (حسب الدكتور علي القريشي) في (الوسائل التنموية الاقتصادية للتغيير) بالأمور التالية:
1) وفق المعايير والضوابط الشرعية.
2) وفق مستوى الحياة الاجتماعية، وما تقدره إدارة التنمية بحسب الظروف العامة وأولويات الحاجة وأسبقياتها.
3) وفق مقتضيات الاستقلال والتحدي الحضاري، وهكذا تتم تلبية حاجات الإنسان، بطريقة تنسجم ومتطلبات الإنسان البيولوجية والنفسية والاقتصاد الوطني.
وهذه العملية بطبيعة الحال، تتطلب وعيا عميقا بضرورة مشاركة كل مواطن ومن مواقعهم الطبيعية في دعم الاقتصاد الوطني، والمحافظة على ثروات الوطن والنعم التي حبانا الله بها. هذا الوعي العميق، هو الذي يترجم إلى خطوات تنفيذية وعملية، توائم بين متطلبات الإنسان الطبيعية للحاجات، ومقتضيات الاقتصاد الوطني.
وبهذا يتحول كل مواطن، إلى طاقة متحركة باتجاه تعظيم ثروات الوطن ونعمه من جهة، وإلى حارس أمين على نعم الوطن من جهة أخرى.
وبهذا تتحقق المعادلة المطلوبة، وهي الاستفادة من ثروات الوطن دون تبديدها، والسعي الجاد لتنمية هذه الثروات والنعم وتعظيمها، حتى يتسنى للأجيال القادمة الاستفادة من هذه الخيرات والثروات.
التعليقات