- مرّ صيف ثقيل وحافل بالكثير من الأحداث الكبيرة عندما كانت هذه الزاوية محتجبة.. لكنّ الكاتب، حتى في إجازته، لا يمكن أن ينعزل عن الأحداث فهو ينفعل بها ويتفاعل معها سواء كتب عنها أو لم يكتب..
وقد كانت وفاة الأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز في صيف هذا العام فاجعة مباغتة هزت أفئدة الذين عرفوه والذين سمعوا عنه على حد سواء.. ولا زال الناس يتحدثون ويكتبون عن الراحل الذي ارتبط اسمه في أذهان الكثيرين بأعمال البِّر والخير.
وقد حزنت، بشكل شخصي، عندما سمعت الخبر.. فقد شاءت إرادة الله أن يكون بيننا أكثر من اتصال قبيل وفاته بأسابيع، بعد انقطاع لعدة سنوات، وذلك عند الترتيب للاجتماع التأسيسي للجمعية الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي الذي انعقد برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز مساء يوم الأحد الموافق 1422/3/11هـ حيث كان المرحوم الأمير فهد يبذل جهوداً كبيرة من أجل إنجاح الاجتماع بوصفه رئيس اللجنة التحضيرية والأمين العام.. وكان الصديق النشط عبدالرحمن الشثري حلقة وصل بين الكثير من الأعضاء المؤسسين.. وقد تشرفت بإلقاء كلمة المؤسسين في حفل الافتتاح بالتنسيق مع سمو الأمير فهد الذي كان حريصاً على أن تنطلق الجمعية الخيرية، منذ البداية، بكل قوة وبما يتناسب مع أهمية المجال الذي اختارت أن تعمل فيه وهو رعاية مرضى الفشل الكلوي.. وكان ـ من أجل ذلك ـ ينسق مع الجميع ويسأل عن التفاصيل ويتابع بنفسه كل خطوات انطلاق الجمعية.
وقد عرفت الأمير فهد قبل ذلك بسنوات عندما كان نائباً لأمير المنطقة الشرقية وكنت قد بدأت عملي الجديد نائباً لرئيس تحرير جريدة "اليوم".. فقد بادر سموه، وهو صديق الكتاب والصحفيين، إلى دعم الجريدة وذلك باستقطاب بعض الأقلام العربية المعروفة وإقناعهم بالكتابة للجريدة وتقديم المشورة لها وكان منهم الأستاذ جهاد الخازن الذي صار يكتب زاوية يومية في الصفحة الأخيرة بالجريدة والأستاذ عماد الدين أديب الذي زارنا في الجريدة أكثر من مرة وتناقش معنا في تفاصيل تطوير الجريدة وذلك بتوجيه من الأمير فهد.. وخلال تلك الفترة جرت أحاديث كثيرة مع سموه في مكتبه بالإمارة عن الصحافة السعودية عموماً وعن ضرورة تطوير جريدة "اليوم" ومجلة "الشرق" اللتين تصدران في الدمام..
وقد كان الصديق الإعلامي الأستاذ حسن الجاسر مدير العلاقات العامة والمراسم في إمارة المنطقة الشرقية قريباً من أحلام تلك الفترة وآمالها.. لكنني لا أنسى كلمات الأمير فهد وهو يقول إنني أريد أن تكون جريدة "اليوم" صرحاً ومعلماً ثقافياً في المنطقة الشرقية يزوره كل من يأتي إلى المنطقة. والحمد لله أن مؤسسة "اليوم" الصحفية قد حققت هذا الحلم قبل وفاة الأمير فهد عندما أنجزت نقلتها التطويرية الأخيرة وصارت معلماً ثقافياً وحضارياً من معالم المنطقة الشرقية.
إنني أعتقد أن لكل كاتب ولكل من هو معني بالعمل الخيري التطوعي في المملكة العديد من المواقف والذكريات مع الأمير فهد.. فقد كان متواصلاً مع الناس، وكان يبادر بالاتصال ويناقش ويتفهّم.. ولا زلت أذكر موقفه عندما قام بعض الأخوة ـ سامحهم الله ـ بتقديم شكوى ضد جريدة "اليوم" بسبب مصطلح أدبي نقدي.. ويومها تم فتح ملف معاملة رسمية تناقش مصطلح اسمه "موت المؤلف" فكتبت للأمير شارحاً أن الأخوة الذين اشتكوا الجريدة لم يفهموا معنى "موت المؤلف" وأن ما طرحته الجريدة ليس ما يتصوره الأخوان.. فتفهّم الأمير خلفية الموضوع وانتهت الأمور عند هذا الحد.
رحم الله الأمير فهد بن سلمان.. رجل المواقف الذي بكاه الوطن من أقصاه إلى أقصاه.. وقد عرف الناس بعد وفاته الكثير من مواقفه الإنسانية النبيلة التي لم يكن يريد الحديث عنها في حياته.. وما أكثر المواقف التي لا تتسع هذه الزاوية الصحفية السريعة لها..
التعليقات