منذ فترة وجيزة تم تشكيل مجلس الشورى في المملكة في دورته الثالثة منذ ان بدأ المجلس عمله سنة 1414هـ.

والشورى هي تشاور شخصين او اكثر من اجل الوصول الى حل معين لموضوع معين، وغالباً تكون الشورى في الامور العامة التي تخص أمة معينة او شعباً معيناً.

وقد عرف الانسان الشورى منذ وقت مبكر ففي عهد النبي الرسول ابراهيم عليه السلام شاور ابراهيم ابنه اسماعيل عليهما السلام فيما رأى في منامه بأن يذبحه حسب ما ورد في القول الكريم {فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} وفي قصة النبي يوسف عليه السلام مع عزيز مصر ورد القول الكريم {يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون} وعن بلقيس ملكة اليمن ورد القول الكريم {يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون} وعند العرب في الجاهلية كانت هناك دار الندوة في مكة المكرمة يلتقون فيها للتشاور.

كما ان الاسلام الحنيف قد اكد على مبدأ الشورى كمنهج لمعالجة الشئون العامة، فقد ورد في القرآن الكريم {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين}.

كما ورد ايضاً {والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بيهم ومما رزقناهم ينفقون}.

كما ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يشاور أصحابه في الامور العامة ومنها امور الحرب والجهاد.

وقد وقع الخلاف في الرأي بين المعنيين بالعلوم الشرعية والقانونية حول مدى إلزامية الشورى للحاكم فهناك من يرى إلزاميتها لأنها تمثل رأي الجماعة الذي هو الاقرب غالباً للصحة، وهناك من يرى العكس لأنه ليس بالضرورة ان يكون رأي الحاكم هو رأيه شخصياً بل قد يكون رأيه ورأي مستشاريه وحكومته فهو رأي جماعة ايضاً، والارجح انها غير ملزمة فهي مجرد رأي استشاري فالحاكم يستشير ولكنه صاحب القرار، وهو الامر الذي يتمشى والله أعلم مع نص القرآن {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} فعبارة فإذا عزمت فتوكل على الله دليل على اختصاص الحاكم في اصدار القرارات حسب ما يراه مناسباً ومحققاً للمصلحة العامة من ضمن البدائل والآراء المطروحة أمامه.

والشورى في الاسلام تعني استشارة من يعرفون بأهل الحل والعقد وهم العلماء وذوو الخبرة.

ولكن كيف يتم الوصول الى اهل الحل والعقد هل هو بالاختيار او الانتخاب؟.

والإجابة انه قد يكون الاقرب للمنهج الاسلامي هو ان تحديد اهل الحل والعقد يتم بالاختيار وليس بالانتخاب للأسباب التالية:

  • ان الجهة المحتاجة للاستشارة هي الحاكم ولذا فإنه هو المختص باختيار من يراه للاستئناس برأيه.

  • انه لا ينبغي جمع كل اهل الحل والعقد في كل امر يحتاج الحاكم الاستشارة فيه بل المقصود استشارة اهل الحل والعقد ذوي الاختصاص بالموضوع المطلوب الاستشارة فيه.

  • ان القول بإلزامية رأي الشورى يرتب وجود قناتين للحكم إحداها بيد الحاكم والثانية بيد اهل الشورى مما سوف يؤدي للتعارض والتصادم بين الطرفين وبالتالي التأثير على الاعمال والحقوق والمصالح العامة.

  • كون رأي اهل الحل والعقد استشارياً وليس إلزامياً في القول الراجح دليل على ان تحديدهم يكون بالاختيار وليس بالانتخاب.

  • ان الانتخاب الذي يتم لتحديد اعضاء البرلمانات لم يعرف إلا في العصر الحاضر ولم يرد في الاسلام شيء حوله ولم يثبت ان الاستشارة في الاسلام طرحت على عموم الأمة بل على اهل الحل والعقد منهم، لكون آرائهم هي الاقرب لخدمة مصالح الامة.

  • انه قد ثبت وجود سلبيات عديدة لاسلوب الاختيار بالانتخاب مما يحول دون النظر اليه كأسلوب مناسب للاختيار.

  • ان المعين بالانتخاب لا يمثل الامة كلها بل يمثل الاقليم او المنطقة التي انتخب من قبلها، مما يؤدي الى المزيد من المشاحنات وضياع الحقوق.

  • ان الناخبين في الغالب من عامة الشعوب والكثير منهم ليس لديه الخلفية العلمية والعملية لتحديد الاصلح من المرشحين.

  • ان غالبية الناخبين يتأثرون بالاغراءات المادية والحملات الانتخابية للمرشحين، والبعض منهم يتأثر بالعصبية والاقليمية فتجدهم يصوتون لمن يدفع لهم اكثر او لمن يمت اليهم بنسب او من ينتمي الى اقليمهم.

  • ان كثيراً من الانتخابات لا تخلو من التدليس والتزوير مما يشكك في موضوعيتها وجديتها.

ومن ذلك يتبين ان الارجح والافضل ان يتم تحديد اهل الشورى بالاختيار وليس بالانتخاب وهو الذي يتفق مع المتبع في بلادنا عند تشكيل مجلس الشورى وهو النهج المقتبس من النهج المطبق في الاسلام.

وقد انشئ مجلس الشورى في المملكة سنة 1347هـ، ثم أُعيد العمل به سنة 1414هـ، على اساس (60) عضواً وفي الدورة الثانية سنة 1418هـ اصبح عدد الاعضاء (90) عضواً وفي الدورة الثالثة سنة 1422هـ اصبح عددهم (120) عضواً.. ويجتمع المجلس بحضور ثلثي اعضائه وتصدر قراراته بالاغلبية فإذا لم تتحقق الاغلبية في موضوع معين رفع للملك.. ويعتبر ما حققه المجلس والزيادة المتوالية في عدد اعضائه من دورة لاخرى تطوراً مشهوداً له، فالعبرة دائماً بالاعمال وليس بالاشكال.

هذا والله ولي التوفيق.