بعض الناس تموت ضمائرهم، وتتعطل عقولهم عن العمل، ولهذا تراهم يتخبطون في أفعالهم دون أن يحسبوا حساباً للنتائج التي تترتب عليها، أو قد يستهينون بالنتائج ويظنون أنها ليست بالقدر الذي يقض مضاجعهم ويؤدي بهم إلى الشقاء، حيث لا ينفع ندم ولا يفيد عذر.. وقانا الله واياكم شرهم.

إن كل لحظة من حياتنا لها قدرها الذي يجب أن تعطيه لها نحو حياة ناجحة، منظمة تخضع للرقابة من الإنسان نفسه حياة لامكان فيها للخصومة.. تلك الخصومة التي لم يفلت منها إنسان أبداً حتى الذين توفرت لهم أسباب السعادة الكاملة من المال والصحة والحب وراحة البال، حتى هؤلاء قد تعرضوا لتجارب في حياتهم وقفوا أمامها حائرين وحاولوا التخلص من آثارها ولكن لم يستطيعوا.

مع أن الإنسان المدرك للأمور لا يجد مشكلة في موقف ما صادفه ذلك نظراً لخبرته وتجاربه التي أوعزت له أن كل شيء يفلت من اليد ويضيع.. الزهور تذبل والوجوه الجميلة تفقد رونقها والعواطف والأطفال والأصدقاء كل منهم له محطة يقف عندها.

إننا إذا تأملنا وجه شيخ كبير في السن لوجدنا أن نضارة الشباب ابتلعتها خشونة الشيخوخة، وكذلك الحب تقتله السعادة.. تقتله المشاغل اليومية الصغيرة.. والصداقة تميتها أنانية الفرد وحرصه على نفسه ومصالحه.

إن الشهرة والثروة عندما لا يتمتع بهما صاحبهما تصبحان عديمتي النفع وهما مثل الإنسان الذي "ديدنه" جمع النقود الكثيرة مع حرصه على عدم انفاق قرش منها إلاّ مضطراً.. لقد عاش فقيراً ومات فقيراً رغم ثروته لم يستمتع بحياته.

إن الحياة مليئة بالعبر والمواعظ والعبر المواعظ مليئة بالمعاني، والمعاني هي محن الأشياء وحالاتها التي تصير أمورها والأفكار النافذة هي التي تستخلص العبر والمواعظ بمعان تستمدها منها، والأفكار ليست سوى جزء من الناس، فمنها ما يصل إلى لب الأشياء ومنها ما يصل إلى الأشياء بعيداً عن لبها ومنها ما يعجز عن الوصول إليها ولهذا فإن المعاني المستخلصة من محن الأشياء في الحياة لا تأتي الا عن طريق فكر نافذ متحرك.

ورقة أخيرة:

والدهر يخلق في ترحاله بدني

                    كما يجدد بعد اليأس من أملي

يدني إلينا ويقصي وهي دانيه

                    عن الأماني ويدنيني إلى أجلي