لا أعتقد أن هناك من لا يدرك عمق مشكلة العمالة السائبة في مجتمعنا، ولا من لا يرغب في إيجاد حلول جذرية لها.. وما يُنشر في الصحف يومياً عن الجرائم التي ترتكب من قبلهم سواء كانت سرقة أو قتلاً أو ترويج أقراص (سي دي) مخلة، أو صناعة الخمور وبيعها.. بل أصبحت هذه العمالة في العديد من المدن تشكل جماعة ثانوية لها قوتها ا لإجرامية وتسكن أحياء تفرض على من يدخلها أن يخامره الخوف من أذى المجرمين فيها خصوصاً ممن كانوا أرباب سوابق في مجتمعاتهم.. ولا زالوا.

وفوق ذلك أصبحوا يمارسون الهروب من كفلائهم كمسلّمة اجتماعية وفق معلومات وتنسيق بينهم قبل المجيء أو حتى بعد الدخول إلى المملكة مع منظّري الجرائم السابقين ومن ينظمون استراتيجيات العمالة السائبة أو المتخلفة.

هذه الأعداد الكثيفة من هؤلاء يشكلون خرقاً كبيراً لأمن المجتمع وإحداث الوهن التنظيمي الذي تشير له الدراسات الاجتماعية .. فهم بقع سوداء في رداء المجتمع وأصبحوا أكثر علماً ومعرفة بجغرافية المدن وبالتالي شكلوا هذه التجمعات البشرية التي تعتمد على الجريمة بمختلف أنواعها للحصول على المال .. وآخر تحقيق صحفي عن العمالة السائبة في الشرقية نشرته صحيفة اليوم في عددها الصادر يوم الثلاثاء 1428/11/17ه يوضح الأرضية المرعبة لهذه الشريحة التي إلى الآن لا تزال تمارس هذه الجرائم المذكورة أعلاه رغم (إدراك) جميع الجهات المسؤولة عن أسبابها وآلياتها ونتائجها التي تشكل نزيفاً حقيقياً لأمن المجتمع وقيمه وأناسه..

الجهود التي تبذل سواء من إدارة الجوازات أو إدارة الترحيل أو هيئة الأمر بالمعروف وبقية الجهات ذات العلاقة تظل أحيانا علاجية وليست وقائية ولا (جذرية).. فمثلا ما ذكره العقيد يوسف العساف مدير إدارة الدوريات في الجوازات في الشرقية من أن هناك دوريات تمر بشكل مستمر ويومي للحد من ظاهرة تسيب العمالة عن طريق تشكيل فرق تتابعهم في بعض الأماكن المأهولة بالأجانب بالاضافة الى قيام القسم بحملات مفاجئة للكثير من أماكن اقامتهم وانهم يوميا يقبضون على عدد كبير منهم وتتم إحالتهم الى القسم المختص بالجوازات.

وينتهي عملهم عند هذه النقطة لتبدأ مسؤولية ادارة الترحيل وهي حسب ما ذكره المقدم مرعي القحطاني آخر محطة يمر بها المخالف قبل ترحيله الى بلاده وقد أخذت بصماته الإلكترونية وسجلت ضمن بياناته في الحاسب الآلي.

وهنا نتساءل إذا كانت بصمته الإلكترونية سجلت فكيف يتسنى له ولسواه العودة بوثائق مزورة؟!

وعندما نتحدث عن هذه الجرائم لابد من ذكر جزء من أسبابها كما ذكر بعض أفراد هذه العمالة من الذين تم التحقيق معهم أن مطالبات الكفيل لهم بتسديد مبالغ شهرية له فوق طاقتهم تدفعهم لارتكاب هذه الجرائم كي يؤمنوا له المبلغ.. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان الآن لماذا أطلق سراحهم هذا الكفيل كي يعملوا في القطاعات المختلفة بدون رقيب، وإذا لم يكن في حاجة إليهم فلماذا استقدمهم؟! وكيف استطاع ذلك أمام لوائح وزارة العمل التي ترفض تزويد بعض النساء بخادمة إلا وفق شروط متعددة!!

@@ (مشلن) عامل ذُكرت آراؤه أن له مدة خمسة عشر عاما في المملكة ويعرف خلفيات هذه العمالة ويطالب الجهات الرقابية أن تتخذ موقفا ضد هؤلاء الكفلاء فهم (مشاركون في الجريمة مع العمالة السائبة)!!.

@@ السؤال مرة أخرى.. هل كنا ننتظر هذا الرأي منه كي نُدخل هؤلاء الكفلاء ضمن شريحة المجرمين في هذا الجانب.. ليس تقليلا من رأيه ولكن لأن ما يوقع على الكفلاء أو بعضهم هي غرامات مالية لا تقارن بحجم الجرائم التي راح ضحيتها شباب وأناس عبثوا فيهم وفي أخلاقياتهم وفي نفسياتهم وفي أموالهم..

@@ منذ أيام قرأت خبراً في احدى الصحف عن قدوم خبراء من الأمم المتحدة لتقديم آرائهم عن جدة ومشكلاتها وأفادوا أن العمالة المتخلفة جزء من هذه المشكلات التي تعاني منها مدينة (جدة غير)!!

فهل نحن أيضاً لا نعرف هذا ولهذا نستقدم خبراء من الأمم المتحدة كي يصفوا لنا الواقع المأساوي الناتج من هذه العمالة؟

@@ أليس الحل يكمن في اجراءات نظامية حاسمة وصارمة تحاسب الكفيل وصاحب المبنى الذي يأوون فيه ويمارسون جرائمهم .. وهذه المناطق التي يتجمعون فيها ما دور الجهات المسؤولة الأمنية وأمانة المدن في تنظيفها الاجتماعي من هذه الشرائح..؟ ثم إذا كانت هناك بصمة اإكترونية فكيف يتسنى لهم العودة بوثائق وجوازات سفر مزورة؟!

@@ ألا يمكن للجامعات تقديم الحلول الجذرية لهذه المعضلة التي تكبر يوماً بعد يوم رغم جميع الإجراءات للحد منها؟!