من أدبيات المفكر الجزائري مالك بن نبي يرحمه الله نجد حديثه عن العالمية وكما استعرضها الدكتور عمر بن عيسى في مؤلفه عن مالك قوله ان هذه الفكرة ولدت عند مالك بن نبي من خلال تجربته كمستعمَر حين بدأ يتأمل النزعة الاستعمارية عبر معاناته بصفته واحداً من الرند جين Indigene فرأى في نظرة فاحصة ومن خلال متابعته لفكرة المؤرخ أوزولد شبنجلر عن دورة الحضارة أن العصر الأوروبي الاستعماري قد أوجد نوعين من الثقافة: ثقافة الامبراطورية القائمة في الجزائر عبر الاستعمار، وثقافة الحضارة..

ويوضح ابن نبي ان النزعة الاستعمارية الأوروبية هي خارج النسق وتختلف عن الامبراطوريات التاريخية المعروفة، إذ ابتدعت النزعة الاستعمارية وسيلة لم يعرفها الاسكندر الأكبر نفسه إنها ثقافة ينكر فيها المستعمر الأوروبي أي دور للمغلوب لأن تطلعاته تنصرف إلى الاستيلاء على ثروات البلاد المغلوبة عسكرياً وهكذا يصبح المهزوم لديها (مجرد شيء لا قيمة له) بينما امتدادات الاسكندر في فتوحاته قد أضافت عليه من البلاد المفتوحة ما يثري مساره مما لديها من تراث وثقافة، وهكذا اتسع جيشه حين أصبح المغلوب جندياً في خدمة فتوحاته.

وعودة إلى مفهوم القابلية للاستعمار نجد أن مالك أسس منه نقطة انطلاق لمفهوم العالمية حين زاوج بين تخلف هنا في القابلية للاستعمار، وحالة حضارة هناك في الدول الاستعمارية، فوضعهما في معيار واحد يدلي بآثاره في المستوى العالمي.

إن تميز ابن نبي عن سواه أنه رغم المرض الذي أفسد حياته في ظل الاستعمار لكنه ارتفع فوق التوجع وذلة الشكوى إلى مواجهة المشكلة في خطابه نحو الآخر.

كان الرجل الوحيد الذي كانت لديه القدرة للخروج من زحام تلك الفوضى المخيمة في الواقع الاستعماري وهو أشد حيوية وصفاء ورؤية ليرى الرجل المستعمِر (بكسر الميم) يقاسم المستعمَر (بفتح الميم) مصيراً واحداً رغم المظاهر.

إذن نجد أن ابن نبي كما يقول د. عمر بن عيسى أنه الرجل الوحيد الذي ملك القدرة والحق أن يعلن ويكتشف أفقاً عالمياً بما أسس لفكرة القابلية للاستعمار من مدى يتعداها إلى لغة سلام عالمي يطوي لغة العنف المقابل في مواجهة الحالة الاستعمارية.

@@ المجتمع الإسلامي اليوم ومن أجل تأطيره بقوة في العولمة أي الاقتصاد العالمي فالضغط عليه يأتيه من كل جانب ويزداد إحكام تقييده.

فمن الوجهة السياسية - كما يذكر د. عمر بن عيسى في تحليله لفكر مالك بن نبي - نجد أن المجتمع الإسلامي يستريح حين يسند ظهره إلى حائط الغرب الذي يقرر له كل شيء والزعماء لا يخفون اطمئنانهم لذلك باعتباره شيئاً طبيعياً تقضي به مسيرة العصر والعولمة.

إن دور الإسلام في هذا السياق يتجاوز سياسة الممكن لدى الناس لأن هذا الدور يستعصي على إرادة السياسيين حين يواجهونها بوسيلتين غير مجديتين: الدبلوماسية بما في ذلك الصراع العقائدي والقوة العسكرية.

فدور الإسلام إذ يتجلى فإنه يتجلى في تلك المنعطفات التاريخية التي فاجأت كل المستقرئين من مختلف الاتجاهات كالثورة الفرنسية التي وضعت حداً للملكية القديمة، أو المكتشفات (الكوبرنيكية) التي أنهت الجدل الدائر قبلها.. فالحقيقة تأتي دائماً لتبدد باطل ما قبلها..