بما أن مرحلة الشيخوخة من أهم المراحل التي يمر بها الفرد وما يرتبط بها من مشكلات صحية واجتماعية فإن مراحل الحياة العمرية من الطفولة إلى المراهقة ومن ثم الشباب تكون مقبولة اجتماعياً لأنها جزء من عملية النمو العمري والتكامل البنائي للشخصية وللاندماج في المجتمع وبالطبع ترتبط أيضاً بحصول الفرد على نفوذ وعلى دور حيوي في الأسرة والمجتمع بشكل عام على عكس مرحلة الشيخوخة!!

ولهذا كان الحرص التشريعي باحتواء من يبلغون مرحلة الشيخوخة على وجه الخصوص.. وبالطبع إذا كان الحديث عن الوالدين فإن هذا الحرص لا يتوقف عند النصح بل يرتفع إلى مستوى الأمر فيقول سبحانه وتعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً)..

هذا الأمر الرباني نقرأه ونستوعبه ولكن كم هم الذين يطبقونه عملياً؟! فما يُنشر في الصحف عن مظاهر عقوق الأبناء يُستغرب أن يحدث هنا في مجتمعنا الذي كان إلى عشرين عاماً فقط أكثر تماسكاً والتحاماً عما نجده اليوم وما ينتشر فيه من مظاهر هذا العقوق!!

وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك مظاهر عقوق للوالدين سابقاً ولكنها لم تكن بهذه الحدة والقسوة!! وخصوصاً أنها تصدر من أبناء على درجة من العلم والمراكز الاجتماعية الكبيرة ولكن عقوقهم لوالديهم يدفعهم إلى إبعادهم عنهم والاحتفاظ بهم في دور العجزة أو مستشفيات خاصة!!

وإن كنا سابقاً نحمد الله أننا في مأمن من ظاهرة دور العجزة لأن كل أسرة تكرم كبار السن فيها سواء الوالدة أو الوالد ولكن ما يحدث الآن هو العكس!! فمن الحالات التي بقيت في دار العجزة نجد أن السبب يعود إلى تذمر زوجات الأبناء أو أزواج البنات من العناية بكبار السن!! ذلك أن هذه المرحلة تتطلب عناية صحية واجتماعية تحد من حرية التحرك للأبناء والبقاء بقربهم مثلاً!! وخصوصاً إذا كان هذا الابن هو الذي يتحمل المسؤولية مالياً لتزويد الوالد أو الوالدة بالدواء والعلاج والسكن والمتابعة الصحية..

والمذهل في هذا السياق للعقوق هو أن بعض الحالات يكون الأبوين في منزلهما ولكن للهبوط في القدرات العقلية لأحدهما بسبب المرض أو خلافه وعدم المقدرة على إدارة شؤونهما بنفسيهما نجد هنا أن تدخل الأبناء الذكور على وجه الخصوص يكون سافراً ومجحفاً ويتسم باللا مبالاة بل بالجحود فمن بعض الحالات نجد إبقاء هذا الوالد في غرفته مقعداً لا يستطيع الحركة بسبب المرض لتسع سنوات!! لا يتم حتى مرافقة أحد أبنائه له في جولة في حديقة منزله أو في نزهة في المدينة التي يعيش فيها!!

وهؤلاء الأبناء هم شخصياً يستمتعون بحياتهم مع زوجاتهم وأبنائهم ويستثمرون أموال هذا الأب!! ولكن مصالحهم وليس للعناية الكاملة به كما ينبغي ليس صحياً فحسب بل واجب تربوي وأمرشرعي!! قد يقول قائل: ربما كان هذا الأب أو هذه الأم قاسياً في تربية هؤلاء الأبناء.. ولكن الواقع هو العكس ولكن ربما العناية الزائدة بهم أوصلتهم إلى هذه المرحلة من (الأنانية) وبالتالي تضخمت الأنا في دواخلهم ولم يستوعبوا هذه الجرائم التي يرتكبونها في حق والدهم وأيضاً والدتهم!!

@@ ظاهرة العقوق أصبحت وجعاً في نسيجنا الاجتماعي وهي تستشرى لأن المتضررين لا يملكون وسائل الشكوى منها!! فمن هم في دور العجزة ومنسيون من هؤلاء الأبناء من يملك صلاحية محاسبتهم؟! ومن هم محتجزون في منازلهم ؟أو في غرف صغيرة جداً في حدائق منازل الأبناء العاقين من يملك محاسبتهم وإنقاذ الوالدين من (عقوقهم)!!

@@ هذه السطور أثق أن من يقرأها سيدرك أنها واقع وأتوقع أن الأبناء المعنيين بهذه القصة ربما يستوعبون مدى جرمهم ويحاولون إصلاح هذا العقوق قبل فوات الأوان!!