كنتُ أتمنى ماجاء في محتوى التوجيه السامي حول ضوابط الاعلانات للتهاني والتعازي والترحيب بالمسؤولين - منذ زمن - ولهذا سعدت بصدوره وبجميع ما جاء فيه من تفصيلات فكما نشر في الصحف عنه ان عدداً من الوزارات والجهات الحكومية والمصالح التابعة لها بدأت في تنفيذ التوجيه السامي الذي يحدد ضوابط هذه الاعلانات التي تنشر في الصحف والمجلات سواء المرتبطة منها بزيارات للمسؤولين التفقدية للمناطق او التهاني والترحيب ببعض المسؤولين خلال هذه الزيارات او في نشر إعلانات التعازي في وفاة بعض الاشخاص او ما جاء في مضمون هذه الاعلانات وما يتخللها من مسميات او ألقاب لبعض موظفي الدولة وطالب التوجيه بعدم المبالغة في اعلانات الترحيب بالمسؤولين في زياراتهم التفقدية للمناطق حيث أشار التعميم إلى أن زياراتهم تلك تأتي في إطار ما هو من مسؤولياتهم. وايضا من النقاط المهمة هو التأكيد على منسوبي الجهات عدم تكليف المواطنين بأي اعلانات يترتب عليها أعباء مالية.
لأن اعلانات الترحيب بقدوم المسؤولين الى مناطقهم غالبا ما تنفذ من قبل بعض المهتمين بالمشروعات وتنفيذها المرتبطة بالقطاع الذي يشرف عليه ذلك المسؤول!! كما ان زيارة هذا المسؤول في الواقع وكما جاء في التوجيه السامي هي (تأتي في إطار ما هو مناط بهم من مسؤوليات) وهذا حقيقي فلا يعقل ان ترفع آيات الشكر على قيام هذا بواجبه وكأنما هو نوع من المنة والفضل وليس دوراً حقوقياً كُلف به من قبل الدولة.
وأستعيد هنا ما سبق ان كتبته تعليقا على هذا الموقف منذ ما يقارب عقدين من الزمن ولكن علمت بعد ذلك أن أحد المسؤولين أزعجته تلك السطور وقال ما معناه عندما يكون هناك قصور في أداء جهاتنا نحاسب صحفيا وعندما نقوم بالواجب تستكثرون علينا هذا الشكر!! وفي الواقع أنا لم أكن أعني حبس الشكر عن كل من يستحقه ولكن ليس متقبلا أن تنفرد صحفنا وبعض المجتمعات القريبة بهذه الخاصية الثقافية التي تؤكد أن هناك حالات عقلية - ذهنية من واقع خبرتها الحياتية والدخول في السباق الثقافي لما يمكن اعتباره صورة من صور المبالغات التي تتجاوز الواقع العملي للتقبل النفس من المجموع.
بل حدث أن البعض مِن مَن يقعون في مراكز المسؤولية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص كانوا يتابعون من خلال بعض مديري مكاتبهم من الذي رحب بهم اعلاميا ومن توقف ترحيبه بتوديع فيه الوفاء لمن كان قبله في هذا الموقع!!.
وكأن هذا يعني رفضه مثلا!! فالبعض تكون ردة فعله غريبة بعض الشيء وقد تتضح في استبعاد خدمات هذا الشخص حتى لو كان عنصراً مفيداً في الجانب الأكاديمي او البحثي ومَن كانت هذه الجهة تستعين به أكاديميا!! بل بلغ الغضب بأحدهم أن ألغى توزيع إحدى هذه الدراسات التي صرفت عليها هذه الجهة لأنها نفذت في عهد من سبقه!! ولأن من أعدها لم يذكر اسمه في إحدى كتاباته!!.
بالطبع هذا الموقف من هذا وذاك ليس ظاهرة عامة ولكنه مؤشر ثقافي على الاتجاه النفسي للبعض والذي تدريجيا سيتم إضعافه من خلال تطبيق ما جاء في هذا التوجيه السامي المتميز.. كما أنه على المدى البعيد سيحدث تغييراً حقيقيا في البناء النفسي والثقافي للجميع.. ويعزز مكانة المسؤولين الذين لا يبحثون عن الشهرة قدر ما يتحملون مسؤوليتهم عبئا حقيقيا بعيداً عن اعلانات ترحيب أو لافتات شكر وتقدير.
كما أنه سيفتح صفحة جديدة في ذهنية المتلقى للخدمات المجتمعية وأيضا في السياق التعبيري لمحتوى هذه الاعلانات وفي جدواها.
وجميعنا يتذكر ما قام به أبناء أحد الموسرين بعد وفاته عندما حولوا جميع مبالغ اعلانات التعازي التي كانت ستنشر عن والدهم بالاتفاق معهم بالطبع لصالح احدى الجمعيات الخيرية لعلاج المرضى..!! وهذا هو الموقف العملي الحقيقي.
noras@alriyadh.com
التعليقات