النفط سلعة إستراتيجية تلعب دورا محوريا مهما في تحريك الاقتصاد العالمي والتنمية البشرية في شتى أصقاع المعمورة، وطفقت سلعة البترول تتخذ دوراً مباشراً بتحريك وقائع الصراعات العالمية وبنود الأجندة الاقتصادية منذ عام 1914.ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى وبعد أن سجلت أسعار النفط مستويات تصل إلى 100دولار للبرميل برزت الحاجة إلى تأمين مصادر الطاقة للعمليات العسكرية والإنتاج الصناعي وأصبح النفط هو أحد أهم الأهداف العسكرية وأحد المعايير الرئيسية في رسم الخرائط السياسية والاقتصادية التي تشغل بال المخططين.

وفي عام 1920تعرضت أسعار النفط إلى عمليات هبوط وصعود شديدة حتى استقر سعر النفط عند مستوى 3دولار للبرميل وظلت تنتهج هذا المستوى السعري كحد أقصى غير أن النفط اتخذ دورا أكبر في الأحداث السياسية بعد الحرب العالمية الثانية وأضحى محط أنظار الساسة وصانعي القرارات الاقتصادية المؤثرة في مسيرة الاقتصاد الدولي.

النفط السعودي

وقبل الخوض في سلوكيات أسعار النفط والمحطات التي مر بها خلال مسيرته الطويلة التي بدأت منذ تدفق أول بئر نفطية عام 1869م وحتى اليوم لابد أن نلقي الضوء على بترول المملكة التي تعد أهم وأكبر دولة في إنتاج النفط تغذي العالم بربع احتياجاته من مصادر الطاقة بموثوقية عالية وقدرة يشهد لها الجميع.

فبحسب معلومات شركة أرامكو السعودية وهي الذراع الاستثماري للمملكة لتطوير وإدارة ثروات الوقود الاحفوري فإن احتياطيات الزيت الخام تصل إلى 259.9بليون برميل ويبلغ إنتاج الزيت الخام 3.25بلايين برميل وتصل الطاقة الثابتة لإنتاج الزيت الخام أكثر من 10.8ملايين برميل في اليوم وتبلغ صادرات الزيت الخام 2.5بليون برميل كما تصل صادرات سوائل الغاز الطبيعي 285مليون برميل وتحتل شركة ارامكو السعودية المرتبة الرابعة في العالم في احتياطيات الغاز، التي تبلغ 248.5تريليون قدم مكعبة قياسية حسب تقديرات نهاية عام 2006م بينما تحتل الشركة المرتبة العاشرة في العالم من حيث طاقة التكرير بطاقة تبلغ 3.690.500مليون برميل في اليوم موزعة كما يلي:

@ 1.745.500مليون برميل في اليوم في المصافي المحلية "بما في ذلك حصة سامرف وساسرف البالغة 50%.

@ 1.945.000مليون برميل في اليوم في مصافي المشاريع المشتركة الدولية

وتمتلك الشركة وتشغل أكبر أسطول ناقلات في العالم وذلك لنقل البترول السعودي إلى أسواق الاستهلاك في أنحاء العالم.

وتنتج المملكة خمسة أنواع من النفط ويأتي التصنيف حسب مقياس معهد البترول الأمريكي وهي: الزيت العربي الخفيف الممتاز "أكثر من 40درجة" الزيت العربي الخفيف جدا "من 36- 40درجة" الزيت العربي الخفيف "من 32- 36درجة"، الزيت العربي المتوسط "29- 32درجة"، الزيت العربي الثقيل "أقل من 29درجة".

وتصل الاحتياطيات العالمية المثبتة من النفط الخام إلى حوالي 1208.2مليار برميل وتحتوي منطقة الشرق الأوسط على نسبة 61.5% من النفط الخام أي حوالي 737مليار برميل تليه أوروبا بنسبة 12% أي 144مليار برميل ثم القارة الإفريقية بنسبة 9.7% أي 118مليارا برميل ثم أمريكا الوسطى والجنوبية بنسبة 8.6% أي حوالي 104مليارات برميل بعدها تأتي أمريكا الشمالية بنسبة 5% أي بمقدار 60مليار برميل ثم آسيا الباسفيك بنسبة 3.4% بما يصل إلى 41مليار برميل.

كيفية تسعيرة النفط السعودي

البعض يعتقد بأن تسعيرة النفط عملية سهلة بينما الأمر ليس كذلك إذ أنها تخضع لعدد من المعايير والعمليات المعقدة بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية فالسعر الذي يعلن يوميا في وسائل الأعلام هو للبيع الفوري في أسواق البيع ولا يعكس بالضرورة واقع البيع الفعلي النفط المتعاقد عليه سلفا. ويقسم العالم إلى ثلاثة أسواق لبيع النفط وهي ناميكس ووست تكساس في الأسواق الأمريكية وبرنت لأوروبا وعمان أو دبي لأسواق شرق آسيا وعلى ضوء هذه الأسواق تتم تسعيرة النفط. والبترول السعودي يسعر في ثلاثة مواقع لخمسة أنواع من النفط فعلى سبيل المثال يسعر العربي الثقيل في السوق الأمريكية بناقص 7إلى 10دولارات للبرميل عن سعر ناميكس أو وست تكساس ويسعر في سوق أوروبا بناقص 5- 7دولارات للبرميل عن سعر برنت بينما يسعر في سوق شرق آسيا بناقص 2- 4دولارات للبرميل، فيما يسعر الزيت العربي الخفيف الممتاز وهو أغلى أنواع النفط السعودي في السوق الأمريكية بزائد 1- 2دولار للبرميل عن سعر ناميكس أو وست تكساس ويسعر في سوق أوروبا بزائد 2- 4دولارات للبرميل عن سعر برنت فيما يسعر في سوق شرق آسيا بزائد 3- 4دولارات للبرميل. وهكذا بالنسبة لبقية أنواع النفط،ويتم تغيير الأسعار حسب العقود ووفقا لظروف السوق النفطية.

محطات في تاريخ أسعار النفط

مرت أسعار النفط بعدد من المحطات التي أدت إلى تأرجحها عبر تاريخ النفط الذي يمتد لأكثر من 138عاما فقد تراوحت أسعار النفط الخام خلال الفترة من عام 1948وحتى نهاية الستينات بين 2.50و 3دولارات للبرميل. ثم ارتفع سعر النفط من 2.50عام 1948إلى حوالي 3دولارات عام 1957واستقرت عند هذا السعر تقريبا حتى عام 1970م بعد ذلك تضاعف هذا السعر مع نهاية عام 1974أربع مرات متجاوزا 12دولاا للبرميل بعد أن حظرت الدول العربية تصدير النفط الخام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية ردا على دعمها لإسرائيل خلال حربها مع العرب. ثم استقرت أسعار النفط العالمية خلال عام 1974وحتى عام 1978ما بين 12.21دولارا للبرميل و 13.55دولارا للبرميل.

دخلت أسعار النفط مجالا جديدا بعد بروز أحداث بمنطقة الشرق الأوسط حيث يقع معظم مكامن النفط ، فقد أفضت الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية مجتمعتين إلى زيادة أسعار النفط الخام لأكثر من الضعف من 14دولارا للبرميل في عام 1978إلى أكثر من 35دولارا للبرميل عام 1981.بعد ذلك منيت أسعار النفط بانخفاض خلال الفترة من 1983- 1985م وحاولت الأوبك وضع حصص إنتاج منخفضة إلى مستوى تستقر عنده الأسعار. لكن هذه المحاولات لم تفلح بسبب أن معظم أعضاء المنظمة كانوا ينتجون كميات أعلى من حصصهم، بيد أن الأسعار انهارت في متصف عام 1986إلى أقل من 10دولارات للبرميل ما دفع الأوبك إلى الاتفاق على هدف سعر 18دولارا للبرميل غير أن الأسعار استمرت ضعيفة.

ارتفعت الأسعار في عام 1990بسبب الإنتاج المنخفض والمخاوف التي ارتبطت بغزو العراق للكويت وانطلاق حرب الخليج. بعده دخلت أسعار النفط في فترة انخفاض دائم، حتى عام 1994حيث وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1973.نجحت الأوبك في ضبط الحصص واستعادت الأسعار عافيتها عام 1996م إلا أن هذا التعافي لم يدم طويلا حيث انتهت زيادة الأسعار نهاية سريعة في أواخر عام 1997وعام 1998، نتيجة إلى تجاهل تأثير الأزمة الاقتصادية في آسيا وتحركت الأوبك وخفضت إنتاجها بمقدار 3ملايين برميل في عام 1999م لتصعد الأسعار إلى 25دولارا للبرميل، ساعدت المشاكل الفنية بداية عام 2000م في صعود أسعار النفط إلى مستوى 30دولارا وغذت الاضطرابات والمشاكل الفنية مسار النفط الصاعد إلى عام 2003م وفي عام 2005م قفزت أسعار النفط بسبب الأعاصير والعوامل الجيوسياسية إلى مستوى 78دولارا للبرميل أدى ضعف الدولار الأمريكي، والنمو السريع للاقتصاديات الآسيوية واستهلاكها للنفط والعوامل المناخية والجيوسياسية والقلاقل الأمنية في نيجيريا وفنزويلا والعراق خلال هذا العام إلى وصول أسعار النفط إلى مستويات قياسية لامست 90دولارا للبرميل لخام ناميكس.

ضعف الدولار يقلل القيمة الحقيقية للنفط

على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط يعد مؤشرا إيجابيا بالنسبة للدول المنتجة للنفط إلا أن انخفاض سعر الدولار أمام العملات العالمية ساهم في تآكل مدخولات الدول النفطية من بيع البترول التي تسعره بالدولار فلو أخذنا في الاعتبار عامل التضخم وتدهور سعر صرف الدولار بين عام 1986حتى اليوم لاتضح أنه فقد حوالي 65% ضد الين الياباني و 60% ضد الجنيه الإسترليني و 35% ضد اليورو، ولذلك فإن القيمة الحقيقية لأسعار النفط التي بلغت حاليا 89.80دولارا هو حوالي 43دولارا للبرميل تقريبا في ظل عامل التضخم.غير أنه من المستبعد أن تتحول الدول النفطية إلى تسعير نفطها بغير الدولار ولذلك نظرا إلى أن حجم التداول بالدولار الأميركي يصل نحو ثلاثة تريليونات دولار. كما أن أكثر من 50% من صادرات العالم يتم دفعها بالدولار الأميركي وثلث احتياطات النقد الأجنبي في العالم يتم وضعها بالدولار وأن أكثر من 80% من مبادلات أسعار الصرف الأجنبي في العالم تتم من خلال الدولار الأميركي كما أن أسعار الطاقة والنفط يتم تسعيرها بالدولار الأميركي منذ أمد بعيد وبالتالي من الصعب الاتفاق على عملة تحل محله.

ارتفاع النفط في صالح الولايات المتحدة الأمريكية

قد يعتقد البعض أن ارتفاع أسعار النفط يضر بالولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أكبر مستهلك للطاقة بالعالم إلا أنه في الحقيقة يصب في مصلحتها لأنها تنتج النفط ولديها مخزون كبير من الزيت الصخري القابل للتطوير غير أن تكلفة إنتاج النفط لديها مرتفعة وبالتالي تصبح الجدوى الاقتصادي لهذا الإنتاج أفضل مع ارتفاع الأسعار، خصوصاً أنها متجهة الآن إلى التحول في استخدام النفط ليصبح في الدرجة الأساس مادة أولية للصناعة ولا سيما صناعة الأدوية، ما يتيح المجال لارتفاع أسعاره لأن ذلك أفضل استخدام للنفط من حيث الجدوى الاقتصادية بدلاً من استخدامه الحالي كمصدر للطاقة وبيعه بصفته خاما كما تفعل الدول المنتجة.بالإضافة إلى دعم البرامج التي تبحث عن بدائل للوقود الاحفوري وكذلك مساندة استخدام مادة الاثانول وتشجيع المستهلكين على استعماله بدلا من النفط حينما ترتفع قيمة البترول.

مستقبل أسعار النفط

تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن العالم يتعطش إلى مزيد من النفط الخام حيث يبلغ الإنتاج العالمي من النفط حاليا حوالي 84مليون برميل يوميا فيما يصل حجم الاستهلاك إلى 86مليون برميل يوميا ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن أسواق النفط العالمية تعاني من ضغوط على جانب العرض والتوترات السياسية قد تدفع الأسعار لارتفاعات أكبر من مستوياتها القياسية الراهنة. وبين في تقريره عن التوقعات الاقتصادية العالمية وإمكانية استمرار محدودية الطاقة الإنتاجية ولذلك فان صدمات العرض أو تصاعد التوترات السياسية قد تؤدي إلى المزيد من ارتفاعات الأسعار التي قد تترجم بسرعة إلى ارتفاع في كبير الأساسي".

والمح إلى فرصة بنسبة واحد إلى ستة أن ترتفع الأسعار عن مستوى 95دولارا للبرميل بحلول نهاية عام 2008استنادا إلى أسعار عقود الخيارات. بينما توقع محللون أن تصل الأسعار إلى 100دولار للبرميل نهاية العام الحالي بيد أنهم ربطوا ذلك بتفاقم بعض المشاكل التي تدور قرب مكامن النفط وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.