لماذا اهتم مشاهدو المسلسلات بمسلسل "باب الحارة" كما قيل؟! هل لأنه يمثل قيماً سامية اختفى معظمها؟ أم لأنه أحيا في النفوس ضوءاً دافئاً لمعاني احترام الوالدين والجار وأبناء الحارة؟!

أم لأنه جسّد علاقات أسرية تربط الزوجة بالزوج في طاعة شبه عمياء كما تقول النساء الرافضات لهذا الأسلوب من التعامل؟ أم لأنه يحمل دفئاً خاصاً لحياة جميلة كانت فيها البساطة والحمية والحب والغيرة والعطاء والكره خطوطاً متقابلة كانت تتجسد في تلك الشخصيات؟ أم لأنه يمثل هذا الكل؟!

هذ المسلسل السوري في جزئها الثاني تميزه إذا وجد في أنه يضيء شمعة في عتمة مسلسلات لا تجسد سوى بقايا العولمة خروجاً على المألوف وإسقاطاً لجدار الأعراف والتقاليد وهدماً لتشريعات ربانية في حمى التقليد.

عري الأجساد أو التصاق الملابس بها في إثارة لمفاتن النساء ازدحمت في قنوات فضائية لا هم لها سوى دوران عجلة استهلاك الغرائز!! ولا قيود على هذا الإسفاف فالحمى الاستهلاكية لمزيد من إشعال هذه القنوات بمفاتن أجساد النساء وسوق النخاسة الجديد وما يسمى بالفيديو كليب!! كل هذا الإسفاف كان له سوقه.. ورغم هذا سقط أمام نساء باب الحارة والتزامهن بالستر والعفاف والحجاب.. وأمام مكانة الأب في الأسرة وقرب الجار وحماية الضعفاء.

"باب الحارة" يدق الجرس كي يعيد للبناء الاجتماعي العربي بعض مقوماته التي احرقت معظمها آلة التغريب تحت شعارات التطور والتقدم!!

هنا في مجتمعنا لقاء نشر مع الأستاذ الدكتور محمد جميل علي الخياط في مجلة اليمامة في عددها 1976في 17رمضان الماضي.. فتح فيه صفحات من تاريخ منطقة الحجاز وكأنه يحكي عن باب الحارة وعراقة أهلها وطيبتهم..

تحدث عن مكة المكرمة قبل 70عاماً وكيف كانت أحياؤها وكيف كانت علاقات أهلها شباباً وشيوخاً وأطفالاً، وكيف هم في استقبال رمضان.. وأنا أقرأ ذلك اللقاء استعدت ما كانت والدتي يرحمها الله تحكيه عن أحياء مكة التي قضت فيه طفولتها الأولى بعد قدومها مع جدي وخالاتي من منطقتهم في شمال الطائف .. بانوراما غير عادية تحتاج لمن يجيد رسم ألوانها وإعلاء قيمها وسلوكيات أفرادها كي تعزز تلك القيم في النفوس الطيبة التي تمور في دواخلها تيارات الخير والعطاء..

"الليلة اليتيمة" هكذا كانوا يطلقون على مساء أول أيام العيد في مكة المكرمة.

وسئل عن السبب وراء هذه التسمية فقال: "لأن اللصوص كانوا يكثرون في تلك الليلة لأن الناس كانوا سهرانين طوال شهر رمضان وقبلها بليلة كذلك كانوا سهرانين وفي هذه الليلة حينما ينامون يجد اللصوص فيها فرصتهم ليسرقوا المنازل. ولهذه يقوم شباب الحي بحماية أهلها فيوقدون الحطب ويجهزون العشاء في الشارع ويفرشون الحنابل في الشوارع والأزقة على مستوى الأحياء"..

هذه الإجابة توقفت عندها كثيراً فهي تجسد النموذج الأمثل للدور الأمني الذي يقوم به شباب الأحياء حماية لأهاليهم وجيرانهم.. في موقف يمثل الوعي المجتمعي بالدرجة الأولى وهو ما نفتقده الآن..

@@ عوامل التغيير لا يمكن أن نقف أمامها ولكن يمكن أن نتجاوز سلبياتها على حياتنا وأسرنا ومجتمعنا.. وذلك ليس دور الأمن وحده ولكن دور مؤسسات المجتمع جميعها.. حتى نعود لما كان عليه أناس ذلك الوقت!!