تهدف الوظيفة سواء كانت هذه الوظيفة تابعة للقطاع العام (الحكومي) أو القطاع الخاص (الأهلي) لتقديم خدمة للناس وان كان يوجد بالوظيفة الخاصة هدف آخر واساسي وهو تحقيق الربح المادي وبالتالي ينبغي أن يكون شاغل الوظيفة جدير بثقة ممن وضع لخدمتهم فمن هو الشخص الجدير بالحصول على هذه الثقة، وماهي الاسباب والمقومات المساعدة للوصول لذوي الجدارة والكفاءة، لكي تدار بهم تلك الوظائف الحساسة ذات الصلة بحقوق المواطنين.

نود بداية أن نوضح بأن الشريعة الإسلامية لم تغفل هذا الأمر فقد ورد في الذكر الحكيم {إن خير من استأجرت القوي الأمين} فهذان الشرطان القوة والأمانة يشملان جميع شروط ومواصفات التوظيف في الانظمة المعاصرة فالقوة ليست اللياقة الصحية وقوة البنية فقط بل انها القوة من اوسع ابوابها فهي بالإضافة للياقة الصحية تشمل المقدرة العلمية والعملية وبلوغ سن الرشد والسيرة الذاتية الطيبة، وهو دليل على ان الإسلام قد طبق مبدأ المساواة والجدارة في شغل الوظائف العامة قبل ان يعرف ذلك في القوانين المعاصرة ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالإنسان في الإسلام يوزن ويقيم بأعماله وليس بجاهه أو ماله {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرى ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.

وتولي الوظائف أمانة ومسؤولية وتكليف وليست تشريفاً أو (بريستيج) كما يقال ولذا ينبغي أن تشغل وفقاً لهذا المبدأ.

وفي بلادنا تم وضع الضوابط والشروط اللازمة لشغل الوظائف وجعلت الجدارة أو الكفاءة هي الاساس لذلك حيث يتم الإعلان عن الوظائف الشاغرة واجراء المسابقات أو المفاضلات وفقاً لمعايير معينة وإضافة لذلك وجدت سنة التجربة كمعيار آخر للتأكد من صلاحية الموظف الجديد إذ انه في حالة عدم نجاحه في ممارسة أعمال وظيفته ينقل إلى وظيفة أخرى أو يستبعد من الخدمة، كما أن الانظمة الوظيفية في المملكة وضعت الضوابط والشروط اللازمة لشغل الوظائف عن طريق الترقية حيث تتم الترقية أما بالمسابقة وهو أسلوب يندر العمل به أو عن طريق المفاضلة حسب التأهيل العلمي والتدريب والاقدمية وتقارير الكفاية.

كما أن هناك ضوابط وضعت لشغل الوظائف القيادية العليا ومنها تحديد مدة أربع سنوات لمنصب الوزير وضرورة توفر التأهيل الجامعي لشغل المرتبتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة.

إنها ضوابط وشروط جيدة يفترض منها أن تحقق الوصول للاجدر والأكفأ لشغل الوظيفة، وهذا الافتراض هو الاغلب إن شاء الله إلا انه يوجد في التطبيق مع الاسف ما يتناقض مع ذلك بسبب بعض السلبيات التي تشوب أحياناً عملية شغل الوظائف، ومن ذلك مثلا التركيز على الاقدمية في محاولة لاسترضاء ذوي الخدمات الطويلة، وعدم الجدية في تطبيق مفهوم سنة التجربة، واستعمال الترقية كوسيلة تكريم وليس لاداء الواجب الوظيفي، والاستسلام للظروف الاجتماعية في التقديم والتأخير على حساب مبدأ الجدارة والمساواة، فالامر يتطلب تلافي هذه السلبيات، فالاجدر لشغل الوظيفة وبالذات الوظيفة القيادية هو من تتوفر لديه عوامل الكفاءة والجدارة ليس نظرياً فقط بل في ميدان العمل ومن ذلك نيل ثقة الناس، ذلك أنه مع قلة الوظائف الشاغرة وكثرة المتنافسين يتطلب الأمر إدخال ضوابط جديدة تتسم بالموضوعية إضافة للضوابط النظرية الحالية ومن الضوابط المقترحة ما يلي:

= محاولة تلافي العوامل الاجتماعية في عملية شغل الوظائف وبالذات الوظائف القيادية وتلك الوظائف المتعلقة بمصالح المواطنين اليومية.

= إجراء مقابلة شخصية مع المرشحين للوظائف القيادية والوظائف المتعلقة بالجمهور من أجل معرفة الفوارق بين المرشحين وبالتالي الوصول للافضل.

= تكليف المرشح للوظيفة القيادية أو المتعلقة بخدمة الناس مدة معينة بعمل الوظيفة للتأكد من صلاحيته قبل إصدار قرار ترقيته أو تعيينه على الوظيفة المرشح لها.

= الوظائف العليا غير القيادية كالمستشارين والمهندسين والمفتشين والاخصائيين ونحوهم تشغل بالمسابقة أو المفاضلة وذلك لكثرة المتنافسين عليها ولعدم علاقتها المباشرة بمصالح المواطنين ولإعطاء شاغليها فرصة في المنافسة والمساواة.